التحريض الطائفي في الجامعات السورية... خطر يهدد الوعي والتعايش

شهدت سوريا انقسامات والتي استُغلت لتأجيج العداء بين الطوائف، لذلك تتطلب معالجة هذه المسألة جهود شاملة لتعزيز الحوار بين الطوائف.

روشيل جونيور

السويداء ـ في ظل ما تشهده سوريا من تطورات متلاحقة على الصعيدين السياسي والاجتماعي تبرز مخاوف جدية من تصاعد الخطاب الطائفي والتجييش داخل الجامعات والتي يفترض أن تكون فضاءات للعلم والانفتاح والتعدد.

في أعقاب سقوط نظام الأسد واعتلاء هيئة تحرير الشام السلطة في سوريا في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، بدت تطفو على السطح حالة من الانقسام بين أفراد المجتمع السوري عززتها ذهنية الهيئة المتطرفة التي تسير في اتجاه واحد دون الأخذ بعين الاعتبار الطوائف الأخرى، مما أدى إلى تغذية النعرات الطائفية وسط الفلتان الأمني في البلاد.

وكانت آخر الأحداث ما جرى في السكن الجامعي في دمشق وحمص ضد طلاب مدينة السويداء حيث اقتحمت مجموعة من الطلاب غرف إقامة يسكنها طلاب من السويداء ليل الأحد ـ الاثنين، على خلفية انتشار تسجيل صوتي يحتوي إساءات طائفية قيل إنها صادرة عن قيادي عسكري درزي، مما أدى إلى حالة من الهيجان الطائفي.

سلطت الناشطة الاجتماعية والسياسية باسمة العقباني الضوء على هذه الظاهرة من خلال قراءة نقدية وواقعية لما حدث مؤخراً من أحداث كشفت عن هشاشة الوعي الجمعي وعمق الانقسام الذي تغذيه بعض الأطراف.

وتقول إن "ما حصل مؤخراً في جامعة حمص بين الطلاب من طائفتين مختلفتين مؤسف جداً نتيجة تراكمات من التجييش الطائفي والتخوين، حيث روج لفيديو مفبرك تم استغلاله لإثارة الغرائز وتحريك ما أسميه "عقلية القطيع" خاصة لدى المتزمتين والمتشددين وهو أمر بالغ الخطورة".

وأكدت أنه رغم إثبات فبركة الفيديو المسيء، إلا أن ردة الفعل، خصوصاً من طلاب المدارس والجامعات، كانت صادمة ومؤلمة "كان من المفترض أن يكون الطلاب طليعة الوعي لا أدوات تحريض، وما جرى يعكس حالة من الجهل العميق وتقصيراً كبيراً في دور المؤسسات التعليمية".

وكما ذكرت باسمة العقباني أن هذا الانقسام لم ينشأ فجأة بل تم العمل عليه بشكل ممنهج خلال سنوات طويلة من خلال النظام البائد خصوصاً عبر المناهج وتكوين البيئة الجامعية.

وقدمت مثال أن أولادها في الجامعة "كانوا يأتونني بأحاديث طائفية خلال انتخابات اتحاد الطلبة وهو أمر لم نكن نعهده من قبل واضح أن هناك تعبئة ممنهجة استهدفت النسيج الطلابي وها نحن نجني اليوم ثمارها".

ولفتت إلى خطورة استخدام الأطفال أيضاً ضمن حملات تحريضية كما حصل مؤخراً حيث ظهرت صور لأطفال بلباس أسود "أكفان"، في مشهد وصفته بأنه "محزن ومقلق، ودليل على غياب التربية المدنية وحقوق الطفل".

وترى باسمة العقباني أن الحل لا يكمن فقط في تطويق الأحداث ببيانات إعلامية، بل يتطلب جهداً جماعياً يبدأ من السلطات الرسمية ويشمل رجال الدين والزعامات التقليدية، الشخصيات المؤثرة، والعلاقات الشخصية بين الأهالي.

وأوضحت "نحن نمتلك شبكة علاقات يمكن استثمارها في تعزيز التفاهم وعلينا كمجتمع مدني أن نعمل على هذه المسائل بوعي وشفافية لمنع التحشيد الطائفي"، مشددة على أن المسؤولية الأكبر تقع على السلطات المختصة من خلال تفعيل دور القانون ومنع التهاون مع مثيري الفتن، محذرة من أن استمرار هذا التجييش قد يقود إلى نزاعات أهلية خطيرة.

وفي نهاية حديثها، أكدت الناشطة الاجتماعية والسياسية باسمة العقباني على أهمية دور الطلاب في التغيير "الحركات الطلابية تاريخياً كانت رافعة للتغيير الاجتماعي والسياسي، رغم كل شيء ما زلت أراهن على وعي الشباب، لا بد من خلق منصات تجمعهم، سواء في النشاطات الثقافية أو الفنية أو الفكرية، فمستقبل سوريا يعتمد عليهم، وعلينا أن نعيد الثقة لهم بأن بإمكانهم أن يكونوا قادة التغيير لا ضحاياه".