المعلمات في إدلب... تحديات جمة بين الواجب وانقطاع الدعم

يواجه القطاع التعليمي في الشمال السوري تحديات كبيرة أبرزها انقطاع الدعم عن معظم المدارس وهو ما أجبر الكثير من المعلمات المتطوعات للبحث عن مهن بديلة بغية تحسين أوضاعهن المعيشية في ظل التهجير والغلاء.

سهير الإدلبي
إدلب ـ
لم تتردد المعلمة عفراء المحمد (٢٩) عاماً وهي نازحة من مدينة خان شيخون ومقيمة في مدينة كللي من الالتحاق بوظائف أخرى بديلة عن التعليم بعد يأسها من تحسين الواقع التعليمي في المنطقة.
تقول عفراء المحمد "أعمل بشكل تطوعي في التعليم منذ أكثر من عام دون الحصول على أي تعويض مادي علماً أنني أتكبد أجور المواصلات وأغامر بترك أطفالي الثلاثة لوحدهم لساعات طويلة في المنزل ريثما ينتهي الدوام المدرسي، كل ذلك دون الحصول على أي عائد مادي أو دخل شهري ما دفعني في النهاية للبحث عن حلول لأوضاعنا المادية التي تزداد سوءاً من خلال التقدم لوظائف أخرى".
تمكنت عفراء من إيجاد وظيفة في إحدى الروضات الخاصة وتركت عملها الأساسي في التدريس بمدارس إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ.
تأسف عفراء المحمد لما آل إليه حال التعليم في المنطقة من إهمال واستهتار وهو ما سيؤثر بطرق مختلفة على مستقبل أجيال بأكملها على حد تعبيرها.
من جهتها لا ترغب المعلمة صفية الأصغر (٣٣) عاماً، التوقف عن التدريس الذي تعتبره مهنة إنسانية نبيلة قبل كل الاعتبارات رغم استياءها من وضع المعلمات الذي أصبح في "الحضيض" نتيجة الإهمال وقلة الدعم.
وتوضح أنها تمكنت من إيجاد عمل مساند لمهنتها وهو طريقة الربح من الإنترنت عن طريق برنامج دردشة جماعية بعد إنشائها عدة حسابات والدخول بها للبرنامج وجمع العملة الرقمية التي تقوم بتحويلها إلى أموال حقيقية بعد جمعها بشكل شهري، ما يرد عليها دخل جيد ريثما يتم إعادة دعم الرواتب التي كثيراً ما تنقطع لفترات ثم تعود مجدداً.
وكذلك اتجهت أصالة حمدان (٣٠) عاماً، لمهنة تصفيف الشعر بعد أن خضعت لدورة تدريبية في مركز لتمكين المرأة في إدلب كل يوم بعد انتهاء دوامها في التدريس بشكل يومي.
تقول أصالة حمدان أن الحياة باتت في غاية الصعوبة وهي معيلة لأبنائها الأربعة بعد اعتقال زوجها منذ أكثر من خمسة أعوام، وعملها في التدريس لم يعد مجدياً في ظل انقطاع الدعم في كثير من الأحيان والرواتب المتدنية التي لا تتوافق مع الغلاء الذي طال كل مقومات الحياة، وهو ما دفعها في نهاية المطاف للبحث عن عمل آخر لتتمكن من خلاله من الإنفاق على نفسها وأبنائها وتغطية أجرة المنزل والمصاريف المتنوعة.
تشعر أصالة حمدان بالتعب والإرهاق كونها تعمل بمهنتين في آن واحد، فهي لا ترغب بترك مهنة التدريس مهما كانت الظروف "أشعر أن عملي مسؤولية كبيرة وتعليم الأجيال هي من مهامي السامية التي لن أتهاون في القيام بها، خاصةً وسط جملة من الصعوبات والتحديات التي يمر بها هذا القطاع الذي سيؤثر بشكل أو بآخر على مستقبل آلاف الأطفال ويحرمهم من أبسط حقوقهم في التعليم ويقضي على طموحاتهم إن تخلينا عن واجبنا التعليمي نحن أيضاً".
ومع استمرار الحرب السورية تراجع بشكل ملحوظ أعداد المعلمين والمعلمات من حاملي الشهادات الجامعية في إدلب وريفها لأسباب عديدة أولها انقطاع الدعم عن القطاع التعليمي وتدهوره وتهدم قسم كبير من المدارس وقلة رواتب المدرسين، وليس آخرها الغلاء والفقر وتدهور أحوال المعلمين بشكل لم تعد فيه مهنتهم توفر لهم دخلاً لائقاً وعيشة كريمة، وهو ما دفع بهم للبحث عن فرص عمل أفضل سواء بإيجاد عمل بديل أو الالتحاق بوظائف ذات رواتب أعلى بمنظمات المجتمع المدني وغيرها من المؤسسات، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي مضاعف على التعليم وما يواجهه من عقبات.
وأعلنت مؤخراً عدد من المدارس في إدلب، نيتها إغلاق أبوابها مع بداية الفصل الثاني من العام الدراسي الجاري، لغياب التمويل وحاجة المدرسين إلى مصدر دخل يعيلون به أسرهم، بعد عملهم بشكل تطوعي لأعوام.