الاعتداءات الجنسية والاغتصاب وسيلة ضغط على السجناء في إيران

في التعذيب المصحوب باعتداءات جنسية يتبعه في المقام الأول إظهار قوة وهيمنة المحقق على السجين وإذلال الضحية، باعتبار أن الاغتصاب له آثار مدمرة للغاية على روح الضحية، لذلك يقدم عدد من الضحايا على الانتحار بعد خروجهم من السجن.

سوروشا آمين

مركز الأخبار ـ لقد كان التحرش الجنسي والاغتصاب للمعتقلين/ات والمعارضين/ات السياسيين ظاهرة واضحة ومؤكدة ومثبتة منذ وصول الأحزاب الحاكمة الإيرانية إلى السلطة بطريقة منهجية، فلم يعد اغتصاب السجناء قضية جديدة بل كان واضحاً منذ أكثر من أربعة عقود.

التعذيب المقترن بالاعتداءات الجنسية على يد قوات الأمن والمحققين والحراس في السجون ومراكز الاحتجاز والبيوت الآمنة في إيران ظاهرة واضحة، ومثال على ذلك اغتصاب المعتقلين/ات منذ إعدام السجناء السياسيين في الستينيات، وهو ما احتج عليه أشخاص مثل حسين علي منتظري، الذي احتج في رسالة على اغتصاب السجينات، كما أنه في الثمانينات وأثناء رئاسة "محمود أحمدي نجاد" وتنفيذ الشرطة لمشروع "تحسين الضمان الاجتماعي"، تحدث الأشخاص الذين تم سجنهم في معتقل كهريزاك بهذا الصدد عن الاغتصاب والتجريد والتبول على السجناء، كما أثيرت أنباء عن حالات تعذيب وحالات التحرش الجنسي التي تعرض لها المعتقلون خلال الاحتجاجات ضد الانتخابات الرئاسية العاشرة، كما طالب مهدي كروبي أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية العاشرة في إيران، بمراجعته وإلى جانب ذلك ارتكبت حكومة إيران في حالات أخرى متفرقة، مثل حالات سجناء الانتفاضة الشعبية Jin Jiyan Azadî"" عام 2022 اعتداءات جنسية بهدف تعذيب السجناء.

ومنذ البداية، سعت السلطات الإيرانية إلى قمع المتظاهرين/ات من خلال خلق الرعب عن طريق الاغتصاب والاعتداءات الجنسية على المعتقلين/ات، في العقد الأول، كانت هذه القضية أقل اهتماماً بسبب المناخ الثوري الذي كان سائداً، لكن تدريجياً ومع تزايد الفساد في النظام، اشتدت واستفحلت هذه الظاهرة، وفي أعقاب الانتفاضة الشعبية Jin Jiyan Azadî""، نُشرت تقارير عديدة عن التحرش الجنسي والاعتداء من قبل ضباط الأمن والجنود على المعتقلين/ات في مدن مختلفة من إيران، ومن بين هذه الوثائق، أعلنت شبكة "سي إن إن" في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أنها حصلت نتيجة لأبحاثها على وثائق تظهر أن السلطات تستخدم الاعتداء الجنسي كأداة لممارسة الضغط والتعذيب على المعتقلين/ات خلال الاحتجاجات الأخيرة، وبحسب هذه الوكالة، ففي كثير من حالات هذه الانتهاكات، تقوم الأجهزة الأمنية أيضاً بالتصوير، بهدف كسر مقاومة السجين/ـة وإجباره على الاعتراف والتعاون خوفاً من نشرها.

وفي بعض الحالات أعطت السلطات الإيرانية بعداً دينياً وقانونياً للاغتصاب في السجون، مثل اغتصاب فتاة سيتم إعدامها في اليوم التالي، لمجرد أن الفتاة ستدخل الجنة إذا كانت عذراء، حتى أنهم أوجدوا له أساساً شرعياً، وبعد الإعدام يأخذون بعض المال لعائلة الضحايا مهراً لابنتهم التي تم إعدامها.

وتجدر الإشارة إلى أنه في مثل هذه الحالات، على الرغم من أن الكتاب المقدس يحدد عقوبة الزنا، إلا أنه سكت عن الاغتصاب، ونادراً ما أصدر رجال الدين في إيران حكماً بشأنه، وهذا أعطى الضوء الأخضر لتزايد جرائم الاغتصاب، مما سهل ذلك على قوات الأمن وغيرها في إيران، ومن الواضح أن الكتاب المقدس يسمح بتحويل النساء الأسيرات إلى عبيد جنس، وقد وفر هذا مبرراً دينياً للاغتصاب في السجن، في إيران، ينظرون إلى السجناء/ات السياسيين على أنهم فاسدون وأشخاص في حالة حرب مع الدين، ويقولون إنهم وقعوا في الأسر في هذه الحرب وبالتالي يمكن تحويلهم إلى عبيد جنس.

ووفقاً للتقارير، أبلغ المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بشؤون حقوق الإنسان في إيران عن التعذيب والاعتداء الجنسي في السجون الإيرانية، فضلاً عن القمع المنظم للأقليات الدينية والعرقية والجنسية في هذا البلد، والاعتداء الجنسي من بين أمور أخرى ضد السجناء الأيديولوجيين والسياسيين، أنها إحدى أساليب التعذيب في نظام السلطة الإيرانية.

كما تم تهديد العديد منهم باغتصاب أقاربهم، وإذا لم يعترفوا، فسيتم اغتصاب زوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم، تستخدم إيران الاغتصاب كتكتيك حرب ضد الاحتجاجات للسيطرة وبث الخوف وقمع المتظاهرين.

في حالات اغتصاب السجناء، لا يتبع موت الضحية وتدميرها بالضرورة الهدف الأساسي للمعتدي، ففي عملية التعذيب، تتحول كل لحظة من الحياة إلى ألم، ينتهك المحقق الخصوصية الأكثر خصوصية الفرد مثل "التعري القسري، واللمس، والإيذاء والجرح"، القيام بأفعال جنسية مختلفة، واستكمال التخيلات الجنسية للمحقق، واستخدام لغة جنسية صريحة ومتعة النفس وإجراء اختبارات عذرية بالأصابع، والتسبب في الأمراض المنقولة جنسياً، والاغتصاب في الغرف والممرات المؤدية إلى المستشفى وغرفة التحقيق الرئيسية بهدف جعل المتواجدين في الغرف الأخرى تحت التحقيق يخافون، والاعتداء بشكل مباشر ومتتالي من قبل عدة محققين في نفس الوقت، مما يسبب الحمل وما إلى ذلك.

إن اغتصاب النساء هو نوع من الأسلحة للحصول على اعترافات، ولتهديد وإثارة الرعب والإذلال ضد النساء، ولا يريد المحققون ممارسة الجنس مع المعتقلين/ات، بل يريدون فقط استخدام هذا التكتيك لتخويفهم وإرهابهم، إنهم يريدون جعل المرأة أقل شأناً ويقولون إنكِ لا أحد، وأنكِ لا شيء، ويمكننا أن نفعل أي شيء بكِ.

وبالإضافة إلى الآثار الجسدية، فإن التحرش الجنسي والاغتصاب يتركان أيضاً آثاراً نفسية عميقة ومدمرة، تتمثل بالشعور بالغربة عن محيطهم، وتبدو أن حياتهم قد انتهت إلى الأبد ولم تعد موجودة، يشعر معظم هؤلاء السجناء والسجينات بالضياع يحاولون فهم ما حدث لهم واستعادة السيطرة على حياتهم والبعض منعزل وبعيد عن البيئة، بينما يظهر البعض الآخر سلوكاً متحكماً ومنطقياً وجافاً للغاية، البعض غير قادر على شرح ما مروا به ولا يمكنهم العثور على الكلمات الصحيحة، والأهم من ذلك كله، أن إحساسهم بقيمتهم الذاتية وجنسهم وجسدهم يوضع تحت علامة الاستفهام، الشعور بالانغلاق والاستسلام والعجز والخجل يمتزج معاً، ومنهم من يخجل من نفسه ويعتبر نفسه مذنباً ويهينها مثل هذه الحالات العقلية يمكن أن تسبب أيضاً مخاوف مستمرة وغير عقلانية، والأرق والهوس بالتنظيف، والاكتئاب، وحتى الانتحار.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الضغط النفسي الناتج عن الاعتداء الجنسي والاغتصاب على الضحايا، في المجتمعات ذات القيم الأبوية في العلاقات الجنسية، وخاصة في المجتمعات التقليدية والدينية حيث يتم التأكيد على الحفاظ على العذرية، وتحريم ممارسة الجنس قبل الزواج أو خارج نطاق الزواج أكثر بكثير، هذه المضاعفات النفسية، واختزال الهوية الإنسانية والشخصية في الأعضاء الجنسية في المجتمعات التقليدية، تسبب ضغطاً إضافياً يستمر خارج السجن وبعد إطلاق سراح المعتقل/ـة.

الضحايا الذين يعودون بعد إطلاق سراحهم إلى أسرهم وأقاربهم ومجتمعهم، حيث يتم اختزال قيمة وهوية الإنسان، وخاصة النساء، في أعضائه الجنسية، وهناك أدوار نمطية ومحددة في العلاقات الجنسية والاعتداءات الخارجية وبالنسبة لهم يتم التعامل معها على أنها كارثة لا يمكن إصلاحها، فيغرقون أكثر في صمتهم ووحدتهم، ويضطرون إلى تحمل مثل هذه الكارثة بمفردهم بسبب الخوف من الأحكام.

وبعبارة أخرى، فإن أهداف المحققين وعملائهم خارج السجن تستمر مع الأسرة والأقارب والأصدقاء والمعارف وغيرهم من المواطنين في هذا المجتمع، وبعد خروجهم من السجن، لم يتحمل بعض هؤلاء الضحايا الضغوط النفسية وأقدموا على الانتحار، الأمر الذي يخفي ذويهم السبب الحقيقي لهذا الانتحار بسبب تحريم هذه القضية أو يمس ذلك شرف عائلتهم.

وينبغي القول إنه ما دام جسد المرأة لا يزال يعتبر شرف وهيبة الأسرة والمجتمع، وكونها عذراء أم لا فهذا في مجال القضايا الخاصة والشخصية وشرف الأسرة والمجتمع، ولطالما ممارسة الجنس قبل الزواج، ليس في مجال المعايير الشخصية والأخلاق، ولكن في مجال الحصول على شرف الأسرة أو عدمه، حتى يسير الرجال في الشوارع برؤوس زوجاتهم المقطوعة وأخواتها من أجل استعادة شرفهم وعائلتهم، بكل فخر وابتسامة وشرف.

وفي التحقيق في كل تحرش جنسي واغتصاب، ننظر إلى ما كانت ترتديه الضحية، ما قالته أو فعلته، حتى يُفهم السلوك السعيد، والروح السعيدة الخفيفة، والضحكة العالية الصادقة، معنى بطاقة الدعوة وجواز انتهاك الحقوق الفردية، ما دامت الأسرة تسيء وتخالف النساء والفتيات يختبئ الأولاد والأطفال، وبدلاً من معاقبة المعتدي ورفضه ودعم الضحية باسم حماية شرف الأسرة، يعاقبون الضحية في الحجز والسجن وهو أمر أثقل من أشكال التعذيب الأخرى والمجتمع عن علم أو عن غير قصد، المتعاونون مع الجلادين والمحققين ورجال أمن السلطات الإيرانية موجودون خارج السجن، وتوفر العائلات استمرار الظروف السائدة في البيوت الآمنة للمعذبين في منازلهم، يعود ضحايا التعذيب الجنسي في السجن إلى منازلهم الآمنة، حيث يستمر الشعور بالإهانة، ويظل المعتدون الآخرون مخفيين دون عقاب، ولا يزال الضحايا مجبرين على التزام الصمت تحت تأثير المعايير العائلية، ويعتبرون أنفسهم غير محتشمين وملطخين ومهينين للشرف، ويستمرون تحت وطأة العار والإهانة التي تخص المعتدي بالفعل.

لذلك لا ينبغي للمرء أن يصمت ويكون متفرجاً، بل ينبغي أن يقف إلى جانب النساء ويكشف ما تتعرضن له حتى يصل إلى آذان العالم، وهذا ما فعلته نرجس محمدي الناشطة في مجال حقوق الإنسان المسجونة في سجن إيفين، حيث أطلقت حملة ضد التحرش والاعتداء الجنسي وحملة "الإجماع ضد الاعتداءات والتحرش الجنسي"، والتي أشارت إلى ضرورة الإبلاغ ومقاضاة الجناة ودعم الضحايا، طلبت من عامة الناس الانضمام إلى هذه الحملة من أجل وقف أي تحرش جنسي من قبل الحكومة ضد المتظاهرين/ات.

كما أعرب عدد كبير من الناشطين/ات المدنيين والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان والمدافعين/ات عن حقوق المرأة والنسويات وغيرهم عن تضامنهم من خلال دعم حملة "معاً ضد الاعتداء والتحرش الجنسي"، كما تعد هذه خطوة فعالة وموقف جذري ضد العقلية الأبوية والنظام المعتدي الذي يستخدم ضد انتفاضة Jin Jiyan Azadî"" الشعبية لهزيمة إرادة المجتمع وإخضاعه وخاصة النساء، بصوت واحد بدأت النساء اللواتي شاركن في الانتفاضة منذ انطلاقتها، مراحل جديدة من النضال والمقاومة الجماعية، وأزلن الحجاب عن وجه النظام الإيراني، وحاسبن النظام المعتدي بوجه حازم وبدون محرمات وطالبن برفع دعوى قضائية عليه.