نسويات جزائريات: طريق النضال لايزال طويلاً

رُغم ما حققته المرأة الجزائرية في العام الأخير من مكاسب بافتكاكها لحُقوق لطالما انتظرتها، إلا أنها لا تزال تطمح للمزيد فهي تشكل قوة حيوية في تشكيل السياسات العامة والحكم ونسيج الحياة السياسية.

رابعة خريص

الجزائر ـ تُحيي المرأة الجزائرية يومها العالمي في الثامن من آذار/مارس بـ "خُصوصية مُتفردة" هذا العام في ظل الإقرار الرسمي ببعض حقوقها كشريك اقتصادي واجتماعي وسياسي بعد نضال قادته الجمعيات النسوية، ولكن تجمع ناشطات نسويات على أن الجزائريات لا زلن تواجهن تحديات محورية قد تقزم من مكانتهن في المجتمع.

حصلت الجزائريات مؤخراً على حق تمديد عطلة الأمومة كما تم إعادة النظر في القوانين والمواثيق لحماية النساء الجزائريات من العنف بمختلف أشكاله، وعن ذلك تقول رئيسة جمعية "نور" للمرأة والطفل دليلة حسين إن "المرأة الجزائرية حظيت في ظل القرارات الأخيرة بعناية خاصة لعدة اعتبارات أخلاقية واجتماعية وقانونية، كما أنها مُتواجدة في جميع القطاعات وتتبوأ مناصب عالية وتشارك في الترشح والانتخاب، وهي عضو فاعل في المجتمع المدني وشريك في التنمية".

وأوضحت أن "هذه العناية لم تتحقق لولا الحركة النسوية الكثيفة التي قادتها المجموعات النسوية المنتظمة على شكل جمعوي وبمُساعدة نائبات في البرلمان الجزائري، واستطاع أن يرفع هذا الحراك مستوى الوعي والذهنيات".

وأشادت دليلة حسين بـ "قرار تمديد عطلة الأمومة والذي يشمل كل الأمهات في القطاع العام والخاص، وبإمكاننا تسليط الضوء على التعديلات الأخيرة في قانون المرأة التي جاءت لحمايتها وردع كل أشكال العنف (الاعتداء الجسدي، اللفظي، التحرش) من خلال فرض عقوبات تتراوح ما بين الستة أشهر إلى عامين في حق المتورطين، غير أن القضاء يشترط وجود الأدلة التي تكون أحياناً غير متوفرة، مما يستدعي خلق آليات قانونية جديدة لحماية المرأة وتسريع إجراءات التكفل بها".

وعلى المستوى المؤسسي والمنظومة التشريعية تم إنشاء الوزارات الوصية على الملف واستحدثت مراكز استماع ودعم نفسي للنساء ضحايا العنف، حيث تقدّم هذه المراكز الإرشاد النفسي والمساعدة القانونية لتمكين النساء من استعادة حقوقهن، وطورت الحكومة برامج لدعم التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال توفير فرص تدريبية، باعتبار الاستقلال الاقتصادي جزءاً أساسياً في مواجهة العنف والحدّ من تبعيّة المرأة، وعُززت التدابير الوقائية من خلال حملات توعوية وطنية بالتعاون مع وسائل الإعلام والجمعيات النسوية، وذلك بهدف تغيير الثقافة المجتمعية السلبية تجاه المرأة وتوعية الأفراد بحقوقها وواجباتها.

ولفتت دليلة حسين إلى أن كل هذه الآليات حققت نتائج إيجابية ملموسة وساهمت في تعزيز الحقوق القانونية والاجتماعية، للمرأة على أرض الواقع، من خلال تعزيز تواجدها في مختلف الاستراتيجيات والبرامج كونها عامل بشري يعول عليه في الجزائر.

لكن وعلى الرغم من الإنجازات والمكانة المرموقة التي أحرزتها المرأة الجزائرية بفضل كفاءتها واجتهادها في مُختلف المجالات، غير أنها وبحسب دليلة حسين "لم تصل إلى أعلى مستوى ممكن من الحماية الاجتماعية والقانونية"، والمطلوب اليوم وفقها "إدراج محاور ذات أولوية تشمل مختلف جوانب الحماية الممكنة وكيفية تطبيق إجراءاتها"، مشيرةً إلى "ضرورة مُراجعة المواد المُتعلقة بحق حضانة الأطفال".

وبات من الضروري اليوم أيضاً إقرار قوانين جديدة من شأنها تقليص رقعة العنف الأسري أو ما يُعرف بـ "الإساءة الأسرية" للمرأة من أجل السيطرة عليها ولهذا أصبحت عرضة للإساءة الجسدية أو الجنسية أو العاطفية أو الاقتصادية أو النفسية، وتقترحُ دليلة حسين "إصدار قانون خاص يقضي بإنشاء محاكم الأسرة مثلما هو معمول به في الكثير من الدول العربية على غرار مصر، وتختص هذه المحاكم دون غيرها بالنظر في جميع مسائل الأحوال الشخصية".

وشددت على ضرورة "تبني إجراء الوساطة كآلية بديلة لحل النزاعات الأسرية بالنظر إلى تأثيرها البارز على المرأة والأطفال خاصة"، لافتةً إلى أنه "على الرغم من وضع المشرع الجزائري لوسيلتي الصلح والتحكيم دعماً وسعياً لاستقرار الأسر في ظل تفاقم القضايا المتعلقة بالأسرة، أصبح من الضروري تقييم هاتين الآليتين ومدى نجاحتهما، باعتبار أنهما لم يتوصلا إلى النتيجة المنتظرة منهما".

بدورها أكدت النائبة السابقة في البرلمان الجزائري أسماء مراوني أن "التاريخ سجل بأحرف من ذهب دور المرأة الجزائرية عبر تاريخها القديم والحديث في الحرب أو في السلم، فهي وبفضل قوة شخصيتها المستمدة والمنقولة وراثياً ليست لها أي عقدة في تحمل المسؤولية في مختلف المواقع، سياسياً واقتصادياً وثقافياً ورياضياً وحتى عسكرياً وبجدارة".

وتعتقد أنه "أضحى من الضروري عدم التطرق إلى قضايا المرأة بنظرة متدنية لأن الواقع اليوم يثبت أنها متواجدة بشكل طبيعي وفي مختلف المجالات والمستويات سواء أكانت مواقع قيادية أو تنفيذية وأكثر من ذلك أصبح التوجه العام يحبذ تواجد المرأة في هكذا مواقع لكفاءتها ولدرجة الاتقان في الأداء وعلى هذا الأساس أقول أن دور المرأة في المجتمع أصبح غير مطعون فيه".

وتقول أسماء مرواني إن "المرأة الجزائرية أحرزت في العام الأخير العديد من المكاسب على غرار القرار الرئاسي القاضي بتمديد عطلة الأمومة إلى 5 أشهر بدل 14 أسبوعاً الذي كان معمولاً به، إضافة إلى تكليف الرئيس الجزائري بوضع آليات قانونية إضافية لحماية المرأة من العُنف إلى حد أقصى وآليات التكفل بالمرأة الجزائرية التي تقعُ ضحية العنف، وحماية المرأة أياً كان موقعها ودورها في المجتمع".

وأوضحت أن "طريق النضال طويل، وعليها أن تصعد سلمه خطوة خطوة فمثلاً المرأة الجزائرية بحاجة ماسة إلى التشجيع من خلال خلق استراتيجيات مرافقة ودائمة لها"، مشيرةً إلى النضال النسوي القائم من أجل إعادة النظر في المادة 66 المتعلقة بحضانة المرأة المطلقة لأبنائها في حال أعادت الزواج، فالكثيرون يعتبرون هذه المادة "إجحاف" كبير في المرأة التي يسقط عليها هذا الحق ويمنحه للأب الذي توكل له الحضانة حتى وإن كان مُتزوجاً.

وتقود جمعيات نسوية حراكاً مكثفاً من أجل إيجاد صيغة قانونية شرعية مجتمعية في سبيل تحقيق توازن بين مصلحة المحضون والمحافظة على حقوق الأبوين في رعاية أبناءهما، ويكمن الهدف من هذه المبادرة في حماية مصلحة المحضون وإتاحة الفرصة للمرأة المطلقة بالزواج مرة ثانية دون الخوف من فقدان الحضانة.

ومن بين المقترحات التي تصب في هذا السياق، عدم سُقوط الحضانة مباشرة بزواج الأم حتى يخضع زوجها الحالي لفحوصات نفسية وتحقيقات حول حالته الأخلاقية والمادية إضافة إلى عدم منح الحضانة مباشرة للأب حتى يخضع هو ومساعدته في الحضانة سواء الأم أو الأخت أو الزوجة لفحوصات نفسية وتحقيقات حول حالتهم الأخلاقية والمادية.

وتطرقت إلى قضية العنف ضد المرأة "يجب وضع تدابير قانونية لحماية المرأة من العنف، فبعض الظواهر السلبية المجتمعية لاتزال قائمة والتعامل معها لا يجب أن يرى كمنة أو صدقة بل هذا يصب في باب الحقوق والواجبات المنصوص عليها في كل المواثيق".

وجاء مشروع قانون العقوبات الجديد الذي حصل على تزكية نواب البرلمان بغرفتيه في آذار/مارس 2024، بتعديلات جديدة تهدف إلى تعزيز حماية ضحايا بعض الجرائم عبر تشديد العقوبات أعمال التحرش والاعتداء والاستغلال الجنسي، وإلى تعزيز الحماية الجزائية للمرأة من خلال تجريم قيام الزوج أو الخاطب المساس بالحياة الخاصة لزوجته أو خطيبته.