دليل قانوني لحمايتها... خطوة نحو رفع الوعي القانوني للمرأة في الجزائر
أكدت ناشطات جزائريات أن التعامل مع الظواهر السلبية التي بدأت تتكاثر بشكل ملموس في المجتمع في السنوات الأخيرة لا يتطلب فقط إصدار القوانين والتشريعيات الصارمة والجادة، بل يتطلب أن ترافق هذه القوانين بيئة اجتماعية داعمة لضمان التغيير المنشود.

رابعة خريص
الجزائر ـ في خطوة جديدة تهدف إلى حماية المرأة أياً كان موقعها ودورها في المجتمع الجزائري، أصدرت وزارة التضامن الوطني ووزارة العدل، خلال الأسبوع الجاري، دليل يترجم كافة الحقوق المكتسبة للمرأة الجزائرية والمكرسة في الدستور الجزائري وعلى مدار التعديلات التي عرفها وصولاً إلى مبدأ المساواة وترقية مشاركتها السياسية وكذلك حمايتها من كافة أشكال العنف مع اتخاذ التدابير القانونية اللازمة لذلك، إضافة إلى التمكين الاقتصادي لها ولا سيما المرأة الريفية.
تُثير هذه الخطوة تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت هذه التدابير كافية لحماية المرأة على جميع المستويات بما فيها مكانها الطبيعي ومحيطها الخاص؟ وهل المشكلة اليوم في الأنظمة القانونية أم في غياب الوعي القانوني وثقافة احترام القانون؟ وما المطلوب اليوم حتى نستطيع أن نوفر لها بيئة سليمة خالية؟
قبل المرور للإجابة عن هذه التساؤلات، سنستعرض أهم التفاصيل الواردة في الدليل القانوني لحماية المرأة وترقيتها المحرر في نيسان/أبريل الماضي، المكون من 96 صفحة، تضمنت جميعها أهم التعديلات التي أدخلت على مختلف القوانين كقانون العقوبات وقانون الجنسية وقانون العمل وقانون الأسرة وغيرها، بالإضافة إلى الخطوة الهامة المتعلقة بتعديل الدستور التي أقدمت عليها الجزائر والتي تُضاف إلى العديد من المكتسبات التي حققتها المرأة الجزائرية والتي ترمي إلى ضمان الحماية لحقوقها وحرياتها تماشياً مع المعايير الدولية المتخذة في هذا الشأن.
رفع الوعي القانوني
وأوضحت وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، أن الهدف الأساسي من هذه الخطوة هي "رفع الوعي القانوني لدى المرأة الجزائرية وإلمامها بمختلف النصوص التشريعية والتنظيمية الرامية لحماية حقوقها وترقيتها".
ومن أهم ما تم تسليط الضوء عليه صندوق النفقة الذي وضعته الحكومة لضمان الحفاظ على كرامة المرأة لاسيما الحاضنة لأطفال قصر من خلال إنشاء صندوق النفقة الخاص بالمطلقات الحاضنات لأطفال قصر، إذ يمنح هذا الصندوق للنساء دعم مالي بسبب امتناع الطليق عن دفع النفقة لأطفاله أو عجزه عن ذلك أو لعدم معرفة محل إقامته.
وتم تدوين جميع المواد المتعلقة بتجريم كل أشكال العنف بالسجن من 10 سنوات إلى 20 سنة إذا نشأ عن الجرح أو الضرب فقد أو بتر أحد الأعضاء أو فقد البصر أو تسبب في أية عاهة مستديمة أخرى، وبالسجن المؤبد إذا أدى الضرب أو الجرح المرتكب عمداً إلى الوفاة بدون قصد إحداثها وتقوم الجريمة سواء كان الفاعل يقيم أو لا يقيم في نفس المسكن مع الضحية كما تقوم الجريمة أيضاً إذا ارتكبت أعمال العنف من قبل الزوج السابق، وتبين أن الأفعال ذات الصلة بالعلاقة الزوجية السابقة، على أن لا يستفيد الفاعل من ظروف التخفيف إذا كانت الضحية حاملاً أو معاقة وإذا ارتكبت الجريمة بحضور الأبناء القصر أو تحت التهديد بالسلاح.
كذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات كل من ارتكب ضد زوجته أو أي شكل من أشكال التعدي أو العنف اللفظي أو النفسي المتكرر الذي يجعل الضحية في حالة تمس بكرامتها أو تؤثر على سلامتها البدنية والنفسية ويمكن إثبات حالة العنف الزوجي بكافة الوسائل وتقوم الجريمة سواء كان الفاعل يقيم أو لا يقيم في نفس المسكن مع الضحية، كما تقوم الجريمة أيضاً إذا ارتكبت أعمال العنف من قبل الزوج السابق وتبين أن الأفعال ذات صلة بالعلاقات الزوجة السابقة.
وخُصص حيزاً هاماً من الدليل القانوني لاستعراض أهم التعديلات التي شهدها قانون الأسرة عام 2005 بهدف تحسين وضع المرأة وتعزيز المساواة بين الزوجين أهمها أركان الزواج، النكاح الفاسد والباطل، النسب، الطلاق، الرجوع، الصلح، العدة، الحضانة والنفقة وأخيراً الميراث حيث تنص المادة 142 منه على ما يلي "يرث من النساء، البنت، وبنت الابن، والأم والزوجة، والجدة من الجهتين وإن علت والأخت الشقيقة والأخت لأب والأخت لأم".
تفعيل التوعية
والملاحظ اليوم وبناءً على ما ورد في الدليل كثرة وتعدد القوانين والتشريعيات الصارمة والجادة والتي تبدو خلال كل تعديل أكثر حدة من سابقتها، ورغم ذلك لم يتغير الوضع كثيراً فالجرائم مثلاً لم تتوقف، وهو ما تؤكده الناشطة الحقوقية زينة بن لعلام، وتقول "لو تفحصنا القوانين الجزائرية سنجد أنها أقرت حقوقاً كافية لفائدة المرأة وفي نفس الوقت جاءت بضمانات وآليات من أجل تسهيل تنفيذها وهنا يمكن الاستدلال مثلاً بالدليل القانوني لحماية المرأة".
وتساءلت زينة بن لعلام "لماذا الواقع لا يطابق هذه القوانين؟ لماذا لا زلنا نرى أن المرأة تعاني بسبب انتهاك حقوقها؟"، وتتولى الإجابة بنفسها بشكل قطعي "الإشكال لا يكمن في القانون وإنما يتصادم نظرياً مع التطبيق لعدة أسباب أهمها عدم لجوء المرأة إلى القانون لعوامل اجتماعية أو لجهلها بحقوقها وهو الأمر الذي تحاول السلطات الجزائرية تداركه فهي تسعى جاهدة لتدريب المرأة قانونياً لضمان ممارستها لكافة حقوقها تحقيقاً لمصلحة الجميع".
بدورها قالت الناشطة والمستشارة الأسرية غزولي سمية، إن "تعزيز حقوق المرأة وحمايتها يعد من الأولويات الأساسية لأي مجتمع يسعى لتحقيق العدالة والتوازن وضمن هذا السياق أُصدر الدليل القانوني لحماية المرأة وترقيتها"، واصفته بـ "المورد المهم لكل ناشطة، جمعية، أو مؤسسة تهتم بقضايا المرأة وتعمل من أجل مجتمع عادل متسامح يعمل على ترسيخ القيم الإنسانية والمنصفة".
وبينت أن التعامل مع الظواهر السلبية التي بدأت تتكاثر بشكل ملموس في المجتمع في السنوات الأخيرة لا يتطلب فقط إصدار القوانين والتشريعيات الصارمة والجادة، فالمطلوب اليوم أن "ترفق هذه القوانين ببيئة اجتماعية داعمة لضمان التغيير المنشود".
وتستدل غزولي سمية في هذا المضمار بـ "المورثات الذكورية التي تُعيق التطبيق الفعلي للقوانين، والمطلوب اليوم تفعيل الحملات الإعلامية بشتى أشكالها لضمان وصول المرأة إلى جميع حقوقها، فالمرأة الواعية والمدركة بكافة حقوقها المكتسبة والمكرسة في الدستور الجزائري هي امرأة ناضجة فكرياً ومؤهلة لبناء مجتمع قوي".