ازدياد حالات العنف الأسري في غزة أحد نتائج غياب قانون الأسرة

رغم ما حققته المرأة الفلسطينية من نجاحات، ومشاركتها في كافة أنشطة المجتمع إلا أنها تتعرض للعنف القائم على النوع الاجتماعي مما يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان. ويعود السبب بذلك لغياب قانون الأسرة

نغم كراجة
غزة ـ .
تقول (ر.م) البالغة من العمر 20 عاماً، والتي تزوجت حديثاً "تفاجأت بعد الأسبوع الأول من الزواج بقيام زوجي بضربي بشكل قاسٍ وشديد على مرأى من أهله دون مراعاة لاحترامي أو كرامتي"، والسبب هو كما تشير إلى رفضها تناول أحد أنواع الأطعمة كونه يسبب لها الحساسية "يعلم أن هذا الطعام لا يناسبني ومع ذلك أجبرني على تناوله ودخلت المشفى نتيجة ذلك". 
فيما قالت (أ.ج) البالغة من العمر 25 عاماً، "أعاني من العنف بصور متعددة، لقد تزوجت مبكراً كان عمري لا يتجاوز الـ 16 عاماً، وبعد الزواج صدمت عندما علمت بأن زوجي يعاني من الأمراض العقلية والنفسية"، وأضافت "بعد أيام قليلة من زواجنا أقدم على ضربي لأتفه الأسباب بلا وعي وبعض الأحيان دون سبب مما تسبب لي بمضاعفات صحية ونفسية لفترة طويلة، ومن جهة أخرى تعاملني عائلته بطريقة سيئة وتراني مجرد خادمة لا رأي ولا حرية لها". 
تقول بحسرة إن الذي جعلها تقبل بذلك هي العادات والتقاليد التي تشدد على أن المرأة ليس لها سوى بيت زوجها وتعتبر أن الطلاق مصيبة.
في تعريفها لمصطلح العنف المبني على النوع الاجتماعي تقول منسقة العيادة القانونية لجمعية عايشة لحماية المرأة والطفل هبة الدنف "العنف المبني على النوع الاجتماعي هو ممارسة أي فعل مؤذي مبني على الفروق بين الذكور والإناث، وبالتالي هو عنف قائم على الأدوار المحددة بين الذكر والأنثى كما تحددها الثقافة المحلية لكل منهما"، وأضافت "الغالبية العظمى من ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في مختلف الثقافات هن النساء والفتيات.
أما عن أسباب العنف القائم على النوع الاجتماعي فهي كما قالت "مرتبطة بشكل كبير بتصور المجتمع لأدوار الرجال والنساء وعلاقتهما ببعضهما البعض، كما هو مرتبط ارتباط وثيق بالهيكلية المجتمعية خصوصاً عندما نتحدث عن الأعراف والتقاليد، بالإضافة إلى الظروف المحيطة التي قد تكون مساندة".
وأشارت إلى أن غياب القانون ومنظومة الحماية بشكل أساسي تشكل حالة ردع مجتمعية للحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي، "لمنح هذا الحق يتطلب أن يكون لدينا كأفراد ومجتمعات ومؤسسات بغض النظر عن كوننا مؤسسات أهلية أو حكومية، مجموعات تدابير أكبر للتخفيف من العنف"، مؤكدةً على أن "بذرة التمييز بين الرجال والنساء هي السبب الرئيسي لظهور قضية العنف القائم على النوع الاجتماعي".
القانون حبر على ورق لم ينصف المرأة أو يحميها أو يمنحها حقوقها كما قالت هبة الدنف، "العديد من النصوص القانونية لا تنصف المرأة خاصة في التنفيذ، كغياب قوانين حماية الأسرة من العنف"، وأضافت "هنالك فجوة كبيرة فيما يتعلق بالسياسات العامة في منظومة الحماية التي قد تشكل معالجة أساسية وحقيقية لحماية النساء من العنف الممارس ضدهن".
وأشارت إلى أن قانون العقوبات الذي سن عام 1936 في قطاع غزة، أصبح قديماً ومترهلاً وبحاجة ماسة للمراجعة، "يجب تنظيم قانون العقوبات بشكل يتناسب ويتلاءم مع متطلبات الحاجة في ازدياد الممارسات التمييزية ضد النساء وخاصة جرائم قتل النساء، المنظومة القانونية غير قادرة على حماية النساء أو تشكيل حالة ردع مجتمعية تجاه كل ما يُمارس ضدهن من عنف قائم على النوع الاجتماعي".
شهد انتشار جائحة كورونا ارتفاع معدلات العنف ضد النساء وازدادت الأحوال سوءاً كما أوضحت هبة الدنف "جاءت جائحة كورونا؛ لتزيد الأوضاع تدهوراً وسوءاً تجاه النساء، إذا بدأنَّ بالسياسات التي أصدرت من بداية الجائحة على مستوى الإجراءات والتدابير لم تتواجد بها النساء كمركز لصناعة القرار، وهذا كان مؤشر أساسي وحساس للنوع الاجتماعي".
وأشارت إلى أن المؤشرات التي قدمتها مؤسسة شؤون المرأة والتي كشفت عن ارتفاع كبير في عدد حالات العنف خاصة فيما يتعلق بأدوار النساء الإنتاجية، اظهرت انخفاضاً في أدوارهن إلى 16% ما بعد الجائحة بعد أن كانت تبلغ 19% قبل الجائحة.
وأوضحت أن "التقارير الصادرة عن المجتمع المدني التي تحدثت عن تفاقم حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال انتشار الجائحة وفترات الإغلاق والتي عانت منها النساء بشكل واضح بالتحديد في بعض العائلات، كان يتم تحميل النساء مسؤولية الإصابة بالفايروس أو نبذهن في بداية الأمر وعدم تقديم العلاج اللازم لهن وإهمال حالاتهن النفسية وسوء الوضع الاقتصادي، والذي تتحمله النساء بشكل أساسي"، وتابعت "لكل ذلك تأثير كبير على النساء لسوء أحوالهن الاقتصادية والنفسية وغياب الحماية القانونية، حيث أن غالبية المؤسسات التي لها علاقة بالحماية والمنظومة القانونية والقضائية تعطل عملها في كثير من الأوقات خلال الجائحة ما نتج عنه تأخير في حصول النساء على حقوقهن لفترة طويلة". 
وأكدت على أنه لابد من وضع حلول وفرض قوانين للتخفيف من انتشار ظاهرة العنف المبنية على النوع الاجتماعي، "للحديث عن معالجة ظاهرة العنف يتطلب وجود سياسات فعالة وتشخيص للأسباب، فلا زالت بذرة التمييز قائمة بين الجنسين، لذلك لابد من العمل على التنشئة الاجتماعية في تعزيز دور كل منهما، حيث يوجد فجوة بينهما في الدور السياسي والإنتاجي بالتحديد".
وحول الخطوات التي يجب اتخاذها قالت "أولاً يجب اتخاذ الخطوة الأولى في تعزيز مشاركة النساء في صنع القرار من أجل معالجة العنف وهذا ينعكس في إطار القوانين والسياسات التي من شأنها أن تفرض مزيداً من الحماية لهن، ثانياً ضرورة الحديث عن المنظومة العامة الفلسطينية والتي يجب أن تتضمن معالجة العنف والتي تعزز حقوق واحترام المرأة"، وتضيف "ثالثاً من المهم الحديث عن تدابير من شأنها الحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي وذلك من خلال تدريب أفراد الشرطة وقطاع العدالة بشكل عام؛ لأهمية هذا القطاع في فرض الحماية ومساعدة النساء في الوصول للعدالة".
وأوضحت أنه يجب "تسليط الضوء على توعية المرأة وإدراكها من خلال مؤسسات المجتمع المدني خصوصاً النسوية والحقوقية لما لها من أهمية بالغة في تسهيل وتعزيز وتحسين وصول النساء لحقوقهن وانصافهن، خاصةً النساء اللواتي يتعرضن للعنف وهذا يكمن في تعزيز أدوراهن وتقديم الخدمات النفسية والصحية والقانونية وأيضاً الخدمات التي لها علاقات بالتمكين والتوعية".
وأكدت هبة الدنف على أن المؤسسات النسوية والحقوقية تعاني من إقبال وضغط شديد بسبب ازدياد حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي نتيجة انتشار جائحة كورونا والعدوان المتكرر على قطاع غزة والحالة السياسية الراهنة.