الإجهاض... القضية الأكثر جدلية

اشتد الجدال مؤخراً حول قضية الإجهاض، واختلفت ردود الأفعال والمواقف ما بين مؤيدٍ لحق اتخاذ المرأة القرار في إجهاض الجنين وبين مؤيدٍ لحق الجنين في الحياة

مركز الأخبار ـ .
تحظر العديد من الدول الإجهاض الذي يعد حق من حقوق المرأة الأساسية، وخاصة الدول التي تصطدم بالعادات والتقاليد، وتتشابه القوانين التي تُجرم الإجهاض، وباتت الأنظمة السلطوية والاستبدادية هي من تحدد مصير جنينها.
 
تمييز ضد المرأة
أكدت لجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التابعة للأمم المتحدة على أن القوانين المقيدة للإجهاض تشكل تمييزاً ضد المرأة ويفضي إلى عزل النساء والفتيات اجتماعياً، بالإضافة إلى وصمهن بالعار من قبل المجتمع والعائلة.
بينما أشارت منظمة العفو الدولية إلى ضرورة تمتع كل شخص بالحرية في ممارسة الاستقلال الذاتي لجسده وأن يكون قادراً على اتخاذ قراراته بنفسه فيما يتصل بحياته الإنجابية بما في ذلك توقيت إنجاب الأطفال.
 
تذبذب قوانين الإجهاض
يعد الإجهاض من أبرز القضايا النسوية العالقة حتى في المجتمعات الأكثر تقدماً في قضايا المرأة، لأسباب مجتمعية، دينية، أخلاقية وسياسية جميعها مرتبطة بالذهنية الذكورية التي تعتبر أن للرجل الحق في التحكم بجميع جوانب حياة المرأة.
فانعكست النظرة الذكورية على القوانين، وبدأت الحكومات بسن تشريعات تحظر الإجهاض خلال القرن التاسع عشر في الدول الغربية، بقيادة جماعات محافظة، إلى جانب الأطباء الذين رفضوا إجراء عمليات الإجهاض استناداً إلى الخطر الذي يشكله على صحتها.
وقد تذبذبت قوانين الإجهاض حول العالم بين الحظر والمنح في شروط محددة خلال القرن العشرين وحتى الآن.
 
بداية مناهضة الإجهاض
تعود جذور الجدل حول قضية الإجهاض إلى أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، حيث قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1973 بعدم دستورية القوانين التي تحرم النساء من الإجهاض الآمن.
وتزامن ذلك مع مطالبة الحركات النسوية في موجتها الثانية بحياة جنسية حرة للمرأة، وتسييرها مظاهرات مؤيدة للإجهاض رفعن خلالها شعارات تؤيد حق المرأة في اتخاذ قرار الإجهاض باعتباره يعادل حقها في الوجود، وما زالت تخوض معركة الدفاع عن هذا الحق. 
وبذلك بدأت المؤسسات والمنظمات النسوية تطالب بحق المرأة في اتخاذ قرار ملائم بها وخاصة فيما يتعلق بجسدها مثل الإجهاض الذي يعد حقاً أساسياً من حقوقها، بالإضافة إلى حقها في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
 
الإجهاض الغير آمن
يعد الإجهاض الغير آمن من أكثر الأنواع انتشاراً وتلجأ إليه النساء رغبةً منها في إنهاء الحمل وخاصة عندما يكون اللجوء إلى الإجهاض القانوني ممنوع، إلا إنه يخلف العديد من النتائج السلبية. 
وتبقى المرأة أسيرة ما بين الواقع الاجتماعي والحاجز القانوني فتلجأ إلى الإجهاض السري لتجنب العقوبات والمساءلة الاجتماعية تبعاً للعادات والتقاليد المجتمعية خاصة بالنسبة لغير المتزوجات اللواتي يوصم أطفالهن بـ "ابن حرام".
ويقوم الأطباء ذوي الخبرات القليلة والمفتقرون إلى المهارات اللازمة بإجراء عمليات إجهاض، قد تترك في كثير من الأحيان آثار وخيمة على المرأة ممكن أن تصل إلى استئصال الرحم وحرمانها من الإنجاب، أو يتم الإجهاض من خلال استخدام الأدوية خلال العشر أسابيع الأولى من الحمل.
كما أن من أبرز الأسباب التي تدفع المرأة إلى إجراء الإجهاض هو الحمل الغير المرغوب فيه من قبل الزوجين لأسباب اقتصادية، بالإضافة إلى انتشار الزواج الأبيض لدى الشباب أو ما يعرف بـ "المساكنة" في العديد من البلدان.
ومن أسوأ طرق إجراء الإجهاض تحفيز عنق الرحم باستخدام أشياء مدببة مثل "الإبر" التي تسبب نزيفاً شديداً يؤدي إلى استئصال الرحم أو الوفاة.
 
اليوم العالمي للإجهاض الآمن... غياب الاعتراف الدولي
اعترافاً بحق النساء على أجسادهن، وحث الحكومات حول العالم على إلغاء تجريم الإجهاض، ووضع حد للوصمة الاجتماعية وتقديم خدمات الإجهاض الآمن بطرق قانونية وطبية بعيداً عن المخاطر التي تتعرض لها النساء والفتيات حول العالم، حددت حركة صحة النساء يوم 28 أيلول/سبتمبر من كل عام "اليوم الدولي للعمل من أجل الإجهاض الآمن والقانوني" على الرغم من عدم اعترف الأمم المتحدة به، ومنذ عام 1990 بدأت كلاً من أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي الاحتفال بيوم الإجهاض الآمن.
وفي عام 2011 غيرت "الشبكة العالمية للمرأة من أجل الحقوق الإنجابية" اسم "اليوم الدولي للعمل من أجل الإجهاض الآمن والقانوني" إلى "اليوم العالمي للإجهاض الآمن".
واحتفالاً به نُظمت عدة حملات، ففي عام 2012 نظمت حملة دولية لتوحيد الدول وقطاعاتها الصحية على احترام وحماية وإقرار حق المرأة في الإجهاض الآمن. لتشمل الفعاليات في عام 2013 أكثر من 60 بلداً.
وحمل اليوم العالمي للإجهاض الآمن في عام 2016 شعار "الإجهاض ليس جريمة". وفي عام 2017 نظمت مسيرات نسائية حاشدة في جميع المدن حول العالم، لمناشدة قادة الدول بإقرار حق المرأة في الإجهاض.
وفي مصر أطلق مركز البيت العربي للبحوث والدراسات في آذار/مارس 2018 حملة "أوقفوا القهر" للمطالبة بحق النساء في الإجهاض الآمن، مسلطة الضوء على الآثار الناجمة عن الإجهاض السري.
 
الإجهاض في الدول الغربية 
تختلف القوانين التي تتعلق بإجراء عملية الإجهاض في الغرب وأوروبا بين من تبيح الإجهاض تماماً ومن تسمح ولكن بشروط أو من في طريقها إلى إباحتها وبين قوانين تمنعها نهائياً. 
وتفرض العديد من الدول الغربية التي تمنع الإجهاض عقوبات قاسية على المرأة التي تقوم بعملية إجهاض، كما هو الحال في السلفادور التي تعتبر من أسوأ دول العالم التي تجرم الإجهاض دون الاكتراث للمخاطر المحيطة بحياة الأم حتى لو كان الجنين ميتاً.
وتفرض عقوبة بسجن المرأة التي تجري عملية الإجهاض وهي في الشهور الأخيرة من حملها ما بين 30 و50 عاماً، أما إذا أجهضت وهي في شهورها الأولى من الحمل تعاقب بالسجن من سنتين إلى ثماني سنوات، كما أن الطبيب الذي يقوم بإجراء العملية يعتبر شريكاً في "الجريمة" فيواجه عقوبة بالسجن لمدة تصل إلى 12 عاماً.
والدول التي تمنع الإجهاض نهائياً وتعتبر أي عملية سقوط للجنين من رحم أمه "جريمة قتل في ظروف مشددة للعقوبة" لا تأخذ في الاعتبار أن تكون حياة الأم معرضة للخطر إما من الناحية الصحية والجسدية أو العقلية أو أن الطفل يعاني من عيوب وأمراض مستعصية.
وعلى الرغم من أن مالطا التي تعتبر من الدول المؤيدة للحقوق والحريات الجنسية إلا أنها تعد من الدول التي ما زالت تعتبر أن الإجهاض غير قانوني، حتى لو كانت الأم معرضة للخطر أو أن حملها ناتج عن اغتصاب، وتواجه خلالها عقوبة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات وذات العقوبة للطبيب الذي يجري العملية.
ففي حالات سفاح المحارم والاغتصاب تجبر المرأة على الاحتفاظ بطفل جاء دون إرادتها نتيجة القوانين التعسفية.
وفي الهندوراس التي تتبع قوانين الإنجاب على الطريقة الكاثوليكية، أي تعتقد أن حقوق الطفل الذي لم يولد بعد يجب أن تكون محمية بموجب القانون بأي ثمن وهذا يعني أن أي طريقة لإنهاء الحمل تعتبر غير قانونية وتكلف الأم ومن قام بالعملية عقوبة بالسجن تتراوح من ثلاث إلى ست سنوات.
أدرجت بعض الدول الغربية في قائمة الدول التي تبيح الإجهاض لكن بشروط، منها النمسا التي تصدرت قائمة الدول الأوروبية في عدد حالات الإجهاض تراوحت ما بين 30 و40 ألف عملية إجهاض سنوياً، ويتحمل التأمين الصحي نفقات وسائل منع الحمل والإجهاض.
كما أن السويد تجيز إجراء عمليات الإجهاض دون شروط إذا كان في حدود الأسبوع الثامن عشر من الحمل، وإذا تجاوزت المدة المحددة يتوجب على الأم تقديم تقرير طبي لإثبات ضرورة الإجهاض.
وفي إسبانيا أقرت الحكومة بإعطاء النساء الحق في اتخاذ قرار الإجهاض دون مبرر أو قيود بالرغم من معارضة المحافظين والكنيسة الكاثوليكية، شرط ألا يتجاوز عمر الجنين 14 أسبوعاً، فيما أباحت سويسرا الإجهاض على الرغم من أنه نادر الحدوث.
بينما تسمح ألمانيا بالإجهاض في 4 حالات فقط، وهي الحمل الناتج عن الاغتصاب أو لأسباب صحية تتعلق بالأم أو الجنين، أو الحمل لدى الفتيات ما دون الـ 18 عاماً، ولا يسمح للأم بالإجهاض إلا بعد ثلاثة أيام من تقديمها طلب بالإجهاض كمهلة لتفادي الندم فيما بعد.
بينما اتجهت الأرجنتين التي توصف بـ "الكاثوليكي المتدين" في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2020 إلى إباحة الإجهاض، فعلى وقع مظاهرات حاشدة في كافة أنحاء البلاد ونقاشات مطولة في البرلمان قرر الأخير تبني مشروع قانون الإجهاض في البلاد ليتم بذلك رفعه إلى مجلس الشيوخ. ويرمي مشروع القانون إلى السماح للحوامل بالإجهاض في كافة الحالات حتى الأسبوع الرابع عشر من الحمل، فسابقا لم يكن من حق الأرجنتينيات الإجهاض إلا في حالتي الاغتصاب أو التهديد المميت لحياة الأم.
 
الإجهاض في دول العالم العربي
ما زالت النساء عرضة لقوانين الإجهاض المتباينة على نطاق واسع، مصطدمة بحاجز العادات والتقاليد السائدة في دول الشرق الأوسط، وتعتبر غالبيتها أن الإجهاض جريمة تتفاوت عقوبتها بين السجن والغرامات المالية بحسب قوانين كل دولة.
وبحسب تقارير صحافية تحتل المغرب المرتبة الأولى عربياً في عدد حالات الإجهاض السرية والثامنة على مستوى العالم، مشيرةً إلى إجراء ما يتراوح بين 600 حتى 800 عملية إجهاض يوميا.
وتصل نسبة الوفيات بين الأمهات نتيجة المضاعفات ما بعد الإجهاض السري إلى 5،5%، وتسجل 56 مليون حالة إجهاض حول العالم سنوياً 45% منها غير آمنة.
ولفتت التقارير إلى أن نسبة 5% فقط من إجمالي تلك العلميات تتم بشكل قانوني بسبب وجود مشاكل صحية لدى الجنين أو الأم أو تعرض المرأة للاغتصاب أو زنى المحارم وهي الحالات التي يسمح فيها القانون المغربي بإجراء عمليات الإجهاض.
وتتجاهل بعض الدول منح المرأة الحق في الإجهاض في حال كانت بلا مأوى أو في حال أجريت ممارسة الجنس مع فتيات قاصرات والتي تصنف ضمن جرائم الاغتصاب، وغيرها.
بينما مصر والعراق تمنع تماماً أي عملية إجهاض ودون استثناءات ضمن القانون، فيما تسمح كلاً من البحرين وتونس التي جاءت في المرتبة الثانية عربياً والتاسعة عالمياً ضمن قائمة الدول التي تسمح بإجهاض المرأة دون قيود بشرط أن لا يزيد عمر الجنين عن ثلاثة أشهر، وإذا تجاوزها وكان هناك خطراً على حياة الحامل، يجري طبيب مختص عملية الإجهاض في مشفى مرخص قانونياً.
وتلجأ النساء اللواتي لا يتاح لهن إجراء الإجهاض قانونياً بسبب القوانين إلى عيادات سرية تجري الإجهاض بطرق غير أمنة طبياً تؤدي في أغلب الأحيان إلى وفاة المجهضات، أو تلجأن إلى استخدام الخلطات التقليدية التي قد تتسبب نزيف ومضاعفات صحية سيئة.
أما تركيا منحت النساء الحق في إجراء الإجهاض القانوني بشروط إلا إنها ما زالت تفتقر إلى ممارسة فعلية نتيجة ضغط من المحافظين وتصريحات السياسيين.
فيما تبيح الكويت الإجهاض في حالة الخطر على حياة المرأة فقط دون استثناء لحالات الاغتصاب أو "زنا المحارم".
وتحرم النساء اللواتي تتعرضن للاغتصاب أو زنا المحارم من حق حرية اختيار الاستمرار في الحمل نتيجة العادات والتقاليد والوصم الاجتماعي الذي يلاحق الأمهات العازبات وأطفالهن.
وتختلف الأرقام الرسمية المعلن عنها عن الأرقام الحقيقية في تحديد نسبة أعداد النساء اللواتي يقمن بعلميات الإجهاض سراً.
وتتنافى القوانين التي تحظر الإجهاض وتفرض الإنجاب مع حقوق المرأة في أن تفعل ما تشاء بجسدها وتضع قيوداً ثقيلة على كاهل اللواتي ترغبن في إنهاء الحمل.