عوائل المخطوفين لدى داعش يطالبون بمعرفة مصير أبنائهم

تحرير منبج أمنية عاش عليها أهالي المدينة، لا سيما عائلات المعتقلين الذين خطفتهم أيادي الظلام، إلى أن جاء اليوم المنتظر في 15 آب/أغسطس 2016 ولكن هي فرحة لم تكتمل فما يزال مصير الكثرين مجهولاً بعد أن استخدمهم المرتزقة كـ دروع بشرية خلال المعارك

سيبيلييا الإبراهيم
منبج ـ .     
العديد من الزوجات ترملنَّ والعديد من الأمهات ثكلنَّ بينما تيتم الأطفال. هؤلاء الذين رأوا جثث الضحايا تيقنوا بموتهم، لكن الأصعب والأشد إيلاماً ما تعانيه العوائل بانقطاع أخبار المفقودين فعدا عن ألم الفراق الذي لم يفارقهم يوماً اهلكتهم الحرب النفسية بالأخبار والاشاعات المتسربة عن المعتقلين، مرة بالقول إنهم على قيد الحياة ومرة بالقول إنهم قتلوا، فيما تتجدد في نفوسهم آمالاً مهترئة تتحطم بإشاعة أخرى عن المختطفين. وحتى اليوم يعيش الأهالي هذه الحالة النفسية فما زالوا يجهلوا مصيرهم، الذي لم تصرح به أي جهة. 
وقالت لجنة أهالي المعتقلين في شمال وشرق سوريا إن هناك ما يقارب 220 معتقل من منبج وكوباني تم توثيقها ما عدا الذين لم يوثق اعتقالهم لغاية الآن ومصيرهم مجهول إلى هذه اللحظة.
صبيحة محمد (50) عاماً أم لخمسة بنات وأربع شبان، زوجها رمضان خشمان أحمد (63) عاماً معتقل لدى داعش منذ عام 2014. 
تروي صبيحة محمد تفاصيل اختطاف زوجها قبل ثمانية أعوام من قبل عناصر لداعش "بشكل مفاجئ داهم عناصر لداعش منزلنا، وكان عددهم كبير".
وتصف المداهمة بأنها "كهجوم على مدينة". وتضيف "جاؤوا بأسلحة ثقيلة كالدوشكا والكلاشنكوف وكأنهم يريدون السيطرة على مدينة وليس على شخص. لم يدعوا شيئاً إلا وأخذوه السيارات ومكابس البلوك والأسلحة الفردية للحماية إضافة إلى المال".
لم يكن زوجها فقط من اعتقلوه إنما العديد من الرجال "عاثوا الفوضى في المنزل واعتقلوا زوجي وشقيقه وثلاثة من ابنائي، وأغلب سكان الحي الذي نعيش فيه، وبعد ما يقارب الـ 50 يوماً تم إطلاق سراحهم عدا زوجي وكذلك لم يعيدوا أملاكنا التي سلبوها". 
 
السؤال الذي جعل مصيرهُ مجهولاً  
وأشارت صبيحة محمد إلى أن زوجها اعتقل ضمن الحملة الأخيرة التي قام بها داعش قبل تحرير المدينة "قاموا بمداهمة المنزل من كافة الجهات، واعتقلوا زوجي قائلين إنهم سيطرحون عليه سؤالاً... السؤال الذي مضى عليه سبع سنوات ونحن أيضاً لم نعرف جواب السؤال". وتتساءل "اعتقلوه ولم يعد، لا أعلم إذا كان على قيد الحياة أم انهم قتلوه".
 
"أريد أن يصل صوتي إلى العالم" 
"أريد أن يصل صوتي إلى كل العالم وأن نعلم مصير المخطوفين لدى داعش"، تقول صبيحة محمد، وتضيف "كل خبر نسمعهُ عن المعتقلين يأخذ نصف عمرنا يقتلنا مئة مرة، سألنا عنهُ حتى تم تحويل جميع السجناء إلى الرقة لكن بعدها انقطعت أخبارهم كلياً، كنا نسمع أخبارهم من المتعلقين الذين يتم الافراج عنهم ولكن المرتزقة لم يخبرونا أي معلومة عن مصيرهم". 
الألم النفسي أثر كثيراً على صبيحة محمد وعائلتها تقول عن ذلك "أصبحنا كالأموات بعد حادثة الاعتقال، ننتظر بصيص أمل صغير عن مصيرهم".
 
"داعش انتهى لكن الجروح التي سببها لا زالت تنزف"
وأما عن استقبالهم لخبر إطلاق حملة من أجل تحرير منبج من قبل مجلس منبج العسكري في الأول من حزيران/يونيو 2016، قالت "كنا نازحين في قامشلو، وعندما أطلقت الحملة، عدت إلى منبج، فأملنا كان كبيراً بتحريره ولكن عندما فقدنا أي أمل عدنا إلى قامشلو بمعنويات محطمة".
وعادت صبيحة محمد عام 2018 إلى منبج أي بعد عاميين من تحريرها "لا زلنا ننتظر قدوم زوجي، وجرحنا يكبر مع مرور الزمن". 
 
"فقط نريد معرفة مصير المعتقلين"   
تقول صبيحة محمد إن تركيا كانت وراء كل هذه الجرائم لأنها كانت الداعم الأول لداعش في المنطقة، مشيرةً إلى التهديدات التي طالت المنطقة بعد القضاء على مرتزقة داعش "بعد تحرير المدينة من داعش بدأت تركيا تهدد المنطقة وتمارس الانتهاكات بحق شعوبها".
وأضافت "نحن كعوائل المخطوفين الذين بات مصيرهم مجهولاً لا نقبل بالانتهاكات التركية على مناطقنا أو عودة داعش بمسميات أخرى، لا نريد أن نتجرع السم مرتين، فإذا دخلت تركيا لمناطقنا سنعاني كما عانينا عند سيطرة داعش. فقط نريد معرفة مصير المعتقلين ولا نريد تركيا أو مرتزقتها في مناطقنا".  
 
"الحدود بين مناطقنا التي كان يسيطر عليها داعش وتركيا كانت مفتوحة"
تقول فاطمة ناري (56) عاماً وهي والدة (ياسر شكري بكي) الشاب المخطوف لدى داعش منذ عام 2014 ولديه ابنتان، إن ابنها لم يغادر منبج عند دخول داعش؛ لحماية ممتلكاتهم من النهب والسرقة.
وتستذكر فاطمة ناري التي تعيش في منبج منذ 20 عاماً، أنها عندما سيطر المرتزقة على المدينة كانت في قرى كوباني وبدأت تصلها أخبار الانتهاكات بحق أهالي منبج، ثم غادرت إلى تركيا عند هجوم المرتزقة على كوباني "بعد فترة قصيرة من سيطرة المرتزقة، أخبرت ابني أن يغادر بأسرع وقت لكن لم تمر إلا أيام وجاء خبر اعتقاله. وقتها كانت ابنته الكبرى تبلغ من العمر سبع سنوات أما الصغرى فتبلغ ثمانية أشهر فقط".
"عندما سمعت باعتقاله عدت مباشرة من تركيا عبر منبج لإن الحدود بين المناطق التي يسيطر عليها داعش وتركيا كانت مفتوحاً"، كما تقول. 
 
"الدوارات في منبج أصبحت ساحة لتعليق الرؤوس" 
عادت فاطمة ناري إلى منبج باحثةً عن ابنها المعتقل لعلها تعرف مصيرهُ وشاهدت أفظع الجرائم "شاهدت أفظع الجرائم التي ارتكبها داعش، كانت هناك سبعة من الرؤوس المقطوعة المعلقة في الدوار واحد من بين تلك الرؤوس كان لابن خالتي ويدعى مصطفى قاسو (45) عاماً، قتل بتهمة انهُ منضم لوحدات حماية الشعب".
واظبت فاطمة ناري على الذهاب إلى السجن والوقوف طيلة اليوم لعل خبراً يصلها عن ابنها، حتى أنها ذهبت إلى الساحة العامة في المدينة لترى إن كان قد قتل وعلقت جثته "أقف أمام سجونهم من الصباح إلى المساء ولا أتلقى جواباً، حتى أنني ذهبت ذات مرة إلى الساحة العامة للمدينة وكانت الرؤوس والجثث المعلقة عرضة للأطفال يلعبون بها فمع ازدياد هذه الجرائم أصبح كل شيء عادياً بالنسبة للأطفال. لقد سرقوا الإنسانية من قلوب الأطفال".
الجواب الذي كانت تتلقاه من المرتزقة هو أن ابنها غير موجود لديهم، وهو نفس الجواب الذي كانوا يقولونه للمئات من أهالي المختطفين "على باب السجن تقف طوابير من الأهالي الذين لا يعرفون أين ابنائهم، بعد أن اعتقلهم عناصر داعش".
وتستذكر فاطمة ناري عندما قصفت الطائرة السجن "استهدفت الطائرة إحدى زوايا السجن، ففر عدد من المعتقلين بينما مات آخرون، أما الباقين فلم يستطيعوا الفرار، عندها علق المرتزقة لافتة بأسماء المعتقلين الذين فقدو حياتهم والذين فرو من السجن فهرولت مسرعة وأنا أجهش بالبكاء وقلت في نفسي أن ابني أيضاً فقد حياتهُ لكننا عندما قرأنا القائمة لم يكن اسمه بين المتوفين ولم يعد إلى المنزل فعرفت أنه ما يزال سجيناً".
وتابعت حديثها "بعد مشاهدتي لكل هذه الجرائم لم احتمل مشاهدة المزيد فغادرت منبج، وبعد فترة سمعنا أن المعتقلين متواجدين في مدينة الباب بالشرعية، وكان لدي أقارب في منبج أخبرتهم أن يسألوا عن ابني علهم يعرفوا خبراً، وبالفعل التقى به أحدهم وكانت آخر مرة أعرف عنه شيئاً".
 
"تركيا كانت تحتضن داعش"   
تقول فاطمة ناري أنه بعد سماعها بلقاء قريبها مع ابنها عادت إلى منبج وذهبت إلى مدينة الباب لتسأل عنه، فأخبروها انهُ بعد قصف الطائرة لسجن الباب أخرجوا جميع من بقي وأخذوهم إلى سجن آخر، "بعد تحرير كوباني في تشرين الأول/أكتوبر عام 2015، عدنا من تركيا إلى كوباني لم نتحمل الظلم هناك فقد هربنا من بطش داعش، لكننا في تركيا شاهدنا كافة أشكال الإهانة والذل، كما أن عناصر لداعش كانوا موجودين في تركيا ويتجولون بكل حرية". 
"تركيا وداعش وجهان لعملة واحدة"، تقول فاطمة ناري عن العلاقة القوية بين داعش وتركيا، وتضيف "تركيا تدعم داعش الذي كان سنداً لها، فهي تطمح لاحتلال كامل الأراضي السورية باستخدام داعش والجماعات المرتزقة".  
وبينت "أثناء هجرتنا إلى تركيا شاهدنا بأعيننا العلاقة الودية بين الجندرمة التركية وعناصر داعش الإرهابي. كانوا يحضنون بعضم. نحن كشعب سوري وأهالي المعتقلين نرفض الانتهاكات ولا نقبل تركيا بيننا لثانية، يكفينا ما عانيناه من داعش".
 
"تركيا تسعى لإعادة داعش للمنطقة بهجماتها المستمرة"   
تقول فاطمة ناري عن إعلان حملة تحرير منبج، "شكل إعلان الحملة أملاً لنا في التحرير والعودة إلى ديارنا كما أننا مَنَّينا النفس بتحرير المختطفين". وتضيف "عاد الأمن والسلام إلى المدينة بعد أن عانينا الويلات من بطش داعش، ولكن الهجمات والتهديدات التركية مستمرة. في ظل ذلك لا ننعم بالسلام. تعبنا من الهجرة والحرب نريد فقط العيش بسلام وأن تكف تركيا يدها عنا".
"أمنيتنا أن نعرف مصير المعتقلين، وأين أخذهم داعش، فيمكن أن يكونوا في سجون تركيا التي كانت تدعمه، لذا نطالب من الدول معرفة مصير معتقلينا فنحن لا نستطيع الذهاب إلى تركيا لنسأل عنهم".
 
مطالب لا تلقى استجابة
في آذار/مارس عام 2019 وبمبادرة من الإدارة الذاتية في مقاطعة كوباني تأسست لجنة أهالي المعتقلين في شمال وشرق سوريا لتنظيم عوائل المعتقلين، وقامت بالعديد من النشاطات لمعرفة مصيرهم، فخلال العام الماضي اجتمعت مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وخلاله تم الاتفاق على إمكانية الوصول إلى كافة السجون التي يتواجد بها عناصر داعش للاستفسار منهم عن مصير المعتقلين وماذا فعلوا بهم، ولكن بسبب انتشار وباء كورونا توقفت أعمال اللجنة خلال العام المنصرم.
ومنذ أيام قليلة عادت اللجنة لنشاطها من أجل استكمال زياراتها للسجون التي يتواجد فيها المرتزقة ومنها اجتماع مع قيادات من قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، كما قدمت طلباً للأمم المتحدة في مراكزها في كل من كوباني وعين عيسى لكن لا توجد أي استجابة.