المهاجرات غير الشرعيات... إقامة جبرية صعبة في انتظار العبور

رغم البرامج والمساعدات التي تقدم للمهاجرات من قبل البلد المضيف تبقى محاولات الاندماج صعبة المنال، ويزداد الأمر سوءاً بسبب مساطر التسوية القانونية المعقدة.

رجاء خيرات

المغرب ـ تعيش المهاجرات غير الشرعيات ظروفاً صعبة، سواء أثناء رحلة الانتقال إلى الضفة الأخرى، أو خلال الإقامة الجبرية التي تعشنها داخل دول العبور.

اعتبرت الناشطة الحقوقية والباحثة في جغرافيا المجال سناء زعيمي أن ظاهرة الهجرة غير الشرعة متشعبة بحكم تداخل ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي، بالإضافة إلى أن المغرب تحول من كونه بلد عبور إلى بلد استقبال.

وأضافت أن الهجرة غير الشرعية معقدة لأنها ترتبط بتيمة ذات سياق وطني ودولي، وبالتالي يصعب حصر حدودها حتى من الناحية الجغرافية، وما ينطبق على ذلك اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.

وأوضحت أن الحديث عن الهجرة غير الشرعية المرتبطة بالنوع، أي التي تخص النساء بالمغرب، يجب ربطها بالمقاربة الحقوقية من جهة والواقع من جهة أخرى.

وحول البحث العلمي الذي أنجزته المجلة العلمية بشراكة مع جامعة ابن زهر بأغادير (جنوب المغرب) تحت عنوان "المرأة والهجرة"، بينت أن البحث تم إصداره هذا العام انطلاقاً من الحالات الوافدة على مختلف مراكز الاستماع بمختلف الجمعيات الحقوقية بما فيها فيدرالية رابطة حقوق النساء بجهة مراكش ـ أسفي، حيث تم رصد مجموعة من المشاكل التي تعاني منها المهاجرات.

وقالت "هناك مشكلة رئيسية تنبثق منها مجمل المشاكل الأخرى، وهو انعدام الاستقرار، حيث لا يوجد لدى المهاجرة أوراق قانونية (وضعية هجرة غير شرعية) وبالتالي ينتج عنها عدم استقرار اقتصادي يؤدي إلى غياب فرص العمل، وحتى إن وجدت فالمهاجرات تتعرضن للاستغلال المبني على النوع، بما فيه الاستغلال الاقتصادي وأحياناً يصل الأمر إلى الاستغلال الجنسي".

وأوضحت أن "هذه الوضعية تجعل المهاجرة تعيش ظروفاً صعبة، وأحياناً تجد نفسها برفقة أطفال يعيشون نفس السيناريو، أي في وضعية غير قانونية، لا أوراق ثبوتية ولا إقامة بشكل قانوني وغيرها من المشاكل المترتبة عن ذلك، مما يصعب عملية الاندماج داخل بلد العبور أو الاستقبال". 

ولفتت إلى أن هؤلاء المهاجرات تعانين من الوصمة الاجتماعية الدونية بالدرجة الأولى بمختلف الألقاب الموجهة لهن، لا لشيء إلا لكون لون بشرتهن مختلف عن لون بشرة الساكنة (بالنسبة للمهاجرات من جنوب الصحراء)، كأن ينعتهن الأطفال أو النساء أو باقي مكونات المجتمع المغربي بلقب "إيبولا" فقط لكون هذا المرض كان في وقت ما متفشياً في بعض الدول الأفريقية، وبالتالي فهذه الدلالة الرمزية تمس بعمق نفسية المهاجرات في وضعية غير شرعية، كما أن هناك نظرة دونية لعملهن، خاصة في صفوف العاملات المنزليات، نظراً لربط لون بشرتهن بغياب النظافة.   

وبينت أن مشروع العمل مع المهاجرات تضمن كذلك المهاجرات المغربيات غير الشرعيات في بلاد المهجر، موضحةً أن فدرالية رابطة حقوق النساء عملت على مجموعة من المشاريع التي تم إنجازها بشراكة مع فرنسا، بلجيكا، وإسبانيا، وكان الهدف منها هو تسوية وضعية النساء المصنفات كمهاجرات في وضعية غير قانونية خارج الحدود حتى بالنسبة للقانون المغربي.

وأوضحت أن هؤلاء المهاجرات المغربيات اللواتي تتوجهن لمراكز الاستماع إما أنهن تهاجرن كزوجات دون أن تتمكن من الحصول على الوثائق اللازمة للاستقرار هناك، إذ بمجرد ما يقع الانفصال عن الأزواج تصبحن بدون وثائق ثبوتية، وبالتالي تجدن أنفسهن في وضعية غير قانونية، وإما أنهن دخلن للبلد المستقبل منذ البداية بشكل غير قانوني.

وأشارت إلى أن هؤلاء النساء تم التواصل معهن داخل مراكز الإيواء في بلدان المهجر، وأحياناً برفقة أطفالهن لتسوية وضعيتهن القانونية وتحسين ظروف إقامتهن، وهناك المهاجرات المغربيات العاملات في حقول "الفراولة" المنحدرات من المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية، لافتة إلى أن هذه الهجرة قانونية لكن خلال فترة محدودة فقط (فترة جني المحصول)، فهؤلاء المهاجرات تهربن من الحقول وتتوجهن إلى مناطق أخرى بحثاً عن فرص عمل أفضل، وبالتالي تجدن أنفسهن في وضعية معقدة وصعبة.

وبينت أن هناك جهود لتحسين ظروف هؤلاء المهاجرات وتسوية وضعيتهن القانونية، ولمعالجة إشكالية الهجرة غير الشرعية في شموليتها، من قبل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وجمعيات نسوية وحقوقية متعددة شريكة ولجان جهوية لحقوق الإنسان وذلك لتتبع هذا المسار من أجل حصولهن على الوثائق القانونية، التي بدونها يصعب تحقيق الاستقرار القانوني والاقتصادي والاجتماعي.

وحول عائق اللغة، أكدت أن المهاجرات الفرنكوفونيات (اللواتي تتحدثن الفرنسية) لا تجدن صعوبة في الاندماج بحكم أن اللغة الفرنسية هي اللغة الثانية في البلد، بينما الأمر يعد أكثر تعقيداً مع المهاجرات الأنجلوسكسونيات (الإنجليزية)، وهو ما دفع المتدخلين إلى تنظيم دورات تدريبية تمت بشراكة مع جمعيات مثل جمعية "التخطيط العائلي" لفائدة هؤلاء النساء من أجل تعلم اللغة المغربية، الأمر الذي مكنهن من تحقيق التواصل نسبياً، كما استفدن من تعلم بعض المهارات مثل الخياطة والديكور المنزلي، وكان هناك اندماج بين الثقافات بحكم أن المهاجرات أنفسهن كن تتقن بعض الفنون والمهارات الخاصة بثقافات بلدانهن الأصلية، لافتة إلى أن بعض الجمعيات الحقوقية إلى جانب مندوبية التعاون الوطني لازالت تقوم بهذه الأدوار إلى غاية اليوم.

وعن أسباب الهجرة غير الشرعية أشارت إلى أنه إلى جانب البحث عن فرص وظروف حياة أفضل هناك الحروب التي تزيد من تدفق المهاجرات، كما هو الشأن بالنسبة للسوريات الوافدات إلى المغرب خلال فترة ما يسمى بربيع الشعوب، وواكبت رابطة حقوق النساء بعض هذه الحالات بتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حيث كان يتم استقبال المهاجرات والاستماع لهن بمقر جمعية "الكرم" ومواكبتهن كمهاجرات غير شرعيات لكن في وضعية لجوء، وقد تم العمل على تسوية وضعيتهن من خلال إصدار الوثائق الثبوتية (الهوية) خاصة وأن أغلبهن هربن من واقع الحرب دون أخذ ما يثبت هويتهن، لافتة إلى أن المساطر كانت زمنياً طويلة جداً ومعقدة لكن بتعاون من المفوضية السامية للاجئين التي لعبت دور الوساطة مع جمعيات حقوقية شريكة هناك كللت العملية في مجملها بالنجاح.

وأوضحت أنه بفضل تسوية وضعيتهن القانونية أصبح بإمكان بعضهن فتح مشاريع صغرى، مثل الخياطة، حيث كان اتحاد المقاولات بالمغرب شريكا أساسياً في المشروع لمساعدة بعض المهاجرات في إنشاء مشاريعهن الخاصة، بالإضافة إلى استفادة البعض من إنشاء مقاولات ذاتيات شأنهن في ذلك شأن النساء المغربيات.

واختتمت الناشطة الحقوقية والباحثة في جغرافيا المجال سناء زعيمي حديثها بالقول "المغرب هو بلد يعترف بالآخر وبحقوق النساء، إذ رغم أن المجهودات المبذولة تبقى غير مرصودة على أرض الواقع لاسيما في مجال العمل وتفعيل النتائج، كما يبقى دور الإعلام في تسليط الضوء على هذه الظواهر مهماً، لأنه يمكننا من معرفة نتائج عملنا حولها".