ما هي التحديات التي تواجه النساء في التنظيمات النقابية؟

هناك الكثير من التحديات التي تواجه تمثيل النساء في التنظيمات النقابية خاصةً أن مشاركة المرأة في المجال العام تحفها الكثير من المعوقات وتتطلب جهد كبير لتتمكن من الاستمرار بها والوصول لمراكز صنع القرار فيها.

أسماء فتحي

القاهرة ـ لا يمكن إغفال ما تواجهه النساء من أزمات وتحديات ساهمت في تقليل مشاركتهن في سوق العمل بشكل عام، وهو ما انعكس كذلك على تمثيلهن بالتنظيمات النقابية الأمر الذي عملت لأجله الكثير من منظمات المجتمع المدني والنسوي منها على وجه الخصوص في محاولة لمواجهة ما سمي بـ "العودة للمنزل" باعتباره رد على ما حققته المرأة من مكتسبات خلال الفترة الماضية.

يعد الدور الرعائي الذي جعل النساء يقمن بمسؤوليات عديدة تجاه أسرهن من أهم معوقات خروجهن لسوق العمل وبالتالي وصولهن للمنظمات النقابية، كما أن نظرة المجتمع الدونية للمرأة لها دور أساسي في ذلك مما جعلها حبيسة العمل المرتبط بالرعاية حتى في المجال العام وذلك ما قاومته الكثيرات خلال الفترة الأخيرة محاولات الوصول لمراكز صناعة القرار.

والنساء لا يعانين فقط من عبء الدور الاجتماعي ولكنهن أيضاً مأزومات بفعل الانتهاكات التي تحدث في المجال العام وفي مقدمتها التمييز ضدهن في الأجور والفرص والتنقل والمشاركة وغيرها، بالإضافة للعنف الذي تتعرض له الكثيرات أثناء وجودهن في العمل أو وصولهن له وتبعات ذلك على الأسرة، كل هذا وغيره من أسباب خفضت نسبة تمثيل النساء في التنظيمات النقابية بمصر.

 

أسباب أدت لقلة تمثيل النساء في النقابات

قالت مديرة برنامج النساء والعمل والحقوق الاقتصادية بمؤسسة المرأة الجديدة مي صالح أن نسبة وجود النساء بسوق العمل في القطاع المنظم لا تتعدى الـ 20% وهو الأمر الذي ينعكس في المشاركة النقابية.

وترى أن وجود النساء في المناصب القيادية ومواقع صنع القرار مرتبط بالكثير من الأشياء منها رؤية المجتمع ذاتها لهن، فضلاً عن قدرة النساء وكفاءتهن وخبرتهن في الممارسة الفعلية بالعمل بشكل عام والنقابي على وجه الخصوص.

واعتبرت أن للمساواة وعدم التمييز في الفرص والترقي والتمثيل داخل التنظيمات النقابية دور كبير وذلك لأن هناك الكثير من المعوقات التي ما زالت حجر عثرة في المشاركة الفعلية للنساء ومنها عدم القدرة على حضور الاجتماعات بسبب تأخر توقيت انعقادها، وكذلك ارتباط الأمر بالسفر للتدريب من أجل صقل مهاراتهن وجميع ذلك مرتبط والأدوار الرعائية التي يقمن بها.

وأكدت على أن أغلب النساء لا تملكن الحرية الكاملة في التنقل وكذلك قد لا يستطعن خوض غمار الانتخابات التي لا تخلو من شروط قد لا تستطيع الكثير من النساء القيام بها، كاشفة أن الأمر كذلك مرتبط بالمساحة المتاحة لهن في التعبير عن أنفسهم بشكل حر.

 

النساء في سباق مع الزمن والنقابات بحاجة إليهن

وأوضحت مي صالح، أن الأنظار عادة ما تكون عالقة بالنساء حال تمثيلهن في النقابات والأمر ذاته في المجالس النيابية "قد يكون هناك عدد كبير من النواب ولكن لا يقوم أحد بتقييم تجربتهم وأدائهم كذكور إنما بمجرد دخول امرأة فعادة ما تسلط الأعين عليها وتتم مراجعة وتقييم عملها".

وأكدت أن النساء يخضن صراع خفي مع الزمن وكأنهن في سباق لا يعلمن سبب وجودهن فيه، متمنيةً أن يتغير الوضع لكون النقابات فعلياً بحاجة لأصوات النساء وآرائهن وخبراتهن كي تعبر بشكل حقيقي عن المجتمع.

هناك وصمة مجتمعية تتعرض لها النساء فمن يخضن غمار العمل العام يتم اتهامهن ووصمهن ومن تعزف عنه تصبح ضعيفة على حد قول مي صالح، معتبرةً أن النساء اللاتي خرجن لسوق العمل عادة ما يتهمن بالتقصير في دورهن الأسري ووصفهن بـ "بالمسترجلات" وكأن الخروج للمجال العام والمناصب القيادية خاصة النقابي منها قاصر على الرجال.

 

الضغوط تستهدف تحجيم دور النساء والعودة بهن للمساحات المحدودة

وبينت مي صالح، أن ما تعانيه النساء من ضغوط مجتمعية يهدف لتحجيم أدوارهن والعودة بهن للمساحات المحدودة داخل الأسرة ومنعهن من المشاركة والتأثير والقيادة الحقيقية، مؤكدة أن النساء بحاجة لدعم حقيقي لوجودهم بالعمل النقابي سواء فيما بينهن أو من النقابات ذاتها لأنهن بحاجة لتمكين حقيقي وإشراك فعلي.

واعتبرت أن الأزمة ليست قاصرة على القوانين أو في وضع كوتا لضمان تمثيلهن ولكنها مرتبطة بتغيير نظرة المجتمع لهن وتحمل النساء لما يقع عليهن من أعباء ومنها الوصمة الاجتماعية لأن حدوث تراجع في المكتسبات أو وجود النساء في المساحات العامة يزيد من صعوبة استرجاعها.

وأوضحت أن للتدريب والتأهيل دور مهم سواء للنساء النقابيات أو للرجال أنفسهم حتى تكتمل عملية إدماج النساء الحقيقية داخل النقابات والمؤسسات الحكومية، فضلاً عن تغيير حقيقي في لوائح وسياسات النقابات بما يتيح للنساء فرص حقيقية للتمكين والمشاركة مع مراقبة العمليات الانتخابية لمنع ما يحدث بها من انتهاكات.

 

 

 

الكثيرات يعزفن عن العمل النقابي

من جهتها أكدت رئيسة النقابة العامة للعاملين في الضرائب المصرية فاطمة فؤاد أن العمل النقابي يستقطع وقت كبير وأغلب النساء بسبب الزام المجتمع لهن بالعمل المنزلي والعناية بالأطفال غير قادرات على ذلك، مؤكدةً أن من يدخل مسار العمل النقابي تسلط عليه أعين الإدارة وهو ما قد يعرض البعض لممارسات وتضييقات ناتجة عن ذلك، كما أن هناك ضغط مجتمعي على النساء العاملات وكون العمل النقابي يحتاج لروح قتالية ومثابرة في الدفاع عن حقوق الزملاء تُستبعد النساء عنه.

ولفتت إلى أن فرص النساء ومساحات تأثيرهن أكبر في النقابات المستقلة لكون الغالبية بها يعملون بروح الفريق، وبالتالي فهناك تكاتف من أجل إحداث التأثير ودعم كذلك للنساء وتمكينهم من القيادة.

 

تشويه السمعة أحد أزمات النساء النقابيات

وبينت فاطمة فؤاد، أن وجود النساء في العمل النقابي يتطلب تدخل تنظيمي، وهو ما كانت نقابتها حريصة عليه فوضعوا بند يشترط وجود ٣٠% من النساء من إجمالي العضوية لتشجيعهن على التواجد والمشاركة.

واعتبرت أن العملية الانتخابية ذاتها ومحاولة النساء للتواجد تواجهها الكثير من الضغوط ومنها محاولات تشويه السمعة وإطلاق الكثير من الصفات الذكورية عليها، فضلاً عن البحث في مساحتها الخاصة لإثبات فشلها بأسرتها أو الضغط عليها.

وأشارت إلى أن البعض يرون المرأة ذات التواجد النقابي فاشلة وتهدر وقت أسرتها ولا ترعى أطفالها والربط بين ذلك والتقصير في الدور النمطي الذي يجعله المجتمع لصيق بالنساء، لافتةً إلى أن الكثير من الرجال لا يقبلون بالقيادة النسائية نتيجة سيطرة الأفكار الذكورية عليهم ويحاربون ذلك، وهو ما يخلق حالة عزوف عن انتخاب المرأة وهناك الكثير من الذكور قدموا استقالات نتيجة وجود النساء في مناصب قيادية واضطرارهم للعمل تحت إدارتهن.

وأكدت فاطمة فؤاد على ضرورة التأهيل السابق على فكرة الاختيار لأن العمل النقابي يحتاج لوعي وإلمام بالقوانين وغيرها من الأدوات التي تساعد في إحداث التغيير ومن ثم التأثير، معتبرةً أن أحد التدابير التي تساعد النساء تتمثل في "الكوتا"، لكونها تضمن مشاركة النساء وتخلق فرصة لتمكينهن من اكتساب الخبرة في ذلك العمل.

وشددت على ضرورة تقديم الدعم المعرفي ووعي النساء المقبلات على العمل النقابي بأهمية تعزيز أدواته بالثقافة والمعرفة بالقوانين وغيرها من المهارات خاصة تلك المتعلقة بالقدرة على التفاوض في حل المنازعات.