كنداكات اليوم حفيدات النساء المحاربات

تتعرض السودان للاستعمار ولحروب داخلية وخارجية، وعلى مدى تاريخ البلاد انتفض الشعب بقيادة المرأة لتأمين حياة أفضل للمجتمع، وساهمن في تحقيق الاستقلال لكنهنَّ يعانينَّ اليوم من الحرب الأهلية بين فئات ساعية للسلطة وأخرى متمسكة بها.

سناء العلي 

مركز الأخبار ـ النساء سيدات في كل زمان ومكان، مهما مرت حياتهنَّ بمد وجزر يبقين صانعات للتاريخ. سيدات الحاضر وبطلات المستقبل لربما هذا الوصف ينطبق بشكل كبير على نساء السودان اللواتي أخذنَّ لونهنَّ من قارتهنَّ السمراء، واللواتي صنعنَّ تاريخهنَّ بأنفسهنَّ، شجاعتهنَّ أجبرت شاشات التلفزة لتضبط تردداتها على بطولة جديدة من بطولاتهنَّ ليودعن العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين بصفحة مشرقة من تاريخهنَّ وليكنَّ قائدات للتغيير.         

كحال معظم دول المنطقة تتعرض السودان للاستعمار ولحروب داخلية وخارجية، وعلى مدى تاريخ البلاد انتفض الشعب بقيادة المرأة لتأمين حياة أفضل للمجتمع، الجنوبيات ساهمن في تحقيق الاستقلال لكنهنَّ يعانينَّ اليوم من الحرب الأهلية بين فئات ساعية للسلطة وأخرى متمسكة بها، وفي شمال السودان انهت النساء النظام الإخواني وفكره المعادي للمرأة لكنهنَّ ما يزلنَّ يحاربنَّ لاستعادة كافة حقوقهنَّ المسلوبة.    

السودان بشقيه الشمالي والجنوبي بلد يمتاز بتنوعه العرقي فسكانه خليط من عدة شعوب لكل منها ثقافة خاصة، هذا التميز كان سبباً في نشوب العديد من الحروب العرقية وأدى في نهاية المطاف إلى الانفصال.   

 

الأنظمة استهدفت المرأة تحت مسمى الدين والعادات والتقاليد

في المجتمع السوداني ذو الطابع المحافظ ظهرت ممارسات عديدة باسم العادات والتقاليد والدين وكذلك أثرت أحداث سياسية على حياة النساء؛ حروب الممالك القديمة والانقسامات والحروب الأهلية والاستعمار، والإسلام السياسي الذي بدأ بالظهور كمفهوم حديث لربط الدين بالسياسة، من خلال أحزاب سياسية سيطرت على السلطة وشكلت غطاءً لأفكار ذكورية متجذرة في المجتمع السوداني جميعها كانت تحديات واجهتها وتواجهها المرأة السودانية.     

نظام جعفر محمد النميري والذي حكم البلاد في الفترة ما بين (1969ـ1985) المعروفة بقمع الحريات والتضييق على النساء أعلن فيها عن نظام ديني أصله الشريعة الإسلامية، وهو ما استمر عليه نظام البشير الذي تولى الحكم بعد انقلاب عام 1989، من خلال استصدار قانون النظام العام الذي يحد من حرية المرأة قبل أن يتم الغاءه مع انتصار الثورة عام 2019. 

بعد نحو 30 عاماً من استهداف المجتمع وخاصة النساء باسم الدين والعادات والتقاليد حيث يختبأ الفكر الرجعي خلف هذا الستار، استطاع السودان الشمالي بدأ مرحلة جديدة؛ النساء اللواتي كنَّ رأس حربة في الاحتجاجات مستمرات بالنضال، فهن واعيات تماماً لدورهن المحوري في قيادة البلاد لإنهاء الأزمات التي انهكته على مدى مئات السنين وليس في القرن الأخير فقط، النساء مؤمنات بأن التغيير يبدأ من المرأة، وأن أي اصلاح للبلاد يبدأ عندما تستعيد المرأة كامل حقوقها، فوفق رؤيتهنَّ ما يحل بالبلاد هو جراء استعباد النساء.  

 

نصرن الثورة لكنها لم تنتصر لهن

على اختلاف انتماءاتهنَّ تقدمت نساء جمهورية السودان الاحتجاجات التي انطلقت في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، على إثر ارتفاع أسعار الخبز والمواد الغذائية. وفي بداية الحراك اقتصرت المطالب على تحسينات معيشية كـ خفض أسعار المواد الغذائية بعد ارتفاعها بشكل جنوني فاق قدرة السودانيين على الشراء، وبعد أشهر من القمع، تحولت المطالب إلى إسقاط النظام، وتسليم السلطة للشعب وتدخلت الحركة النسوية رافعة مطالب بإلغاء قانون النظام العام، وتمكين النساء.    

التاريخ مترابط بشكل كبير فما تتعرض له نساء جمهورية السودان اليوم من اقصاء بعد دورهنَّ المحوري في انجاح الثورة هو تاريخ قديم يتكرر، أولاً حاول الرجعيون طمس تاريخ النساء في السودان، والادعاء بأن ما نقل عن بطولات النساء المحاربات "الكنداكات" ما هو إلا أساطير ليس لها أي أساس من الصحة، قبل أن تظهر الاكتشافات الأثرية وتقلب الطاولة على المشككين؛ حيث ساهم فك رموز اللغة المروية في الكشف عن أسماء ملكات حكمنَّ وقدنَّ البلاد، عرفنَّ باللغة اليونانية باسم (كانديس). وكذلك أظهرت النقوش المؤرخة بالعام 170ق.م الكنداكة شاناداختو وهي ترتدي الدرع وتحمل الرمح وسط المعركة مع العلم أنها حكمت بشكل مستقل، وكان زوجها مرافقاً لها وليس ملكاً، أما اليوم فيتم اقصاء النساء من الحكومة الجديدة، التي تحاول الالتفاف على الوعود والاستحقاقات.

لقبت المتظاهرات بالكنداكات كدليل على صمودهنَّ وقدرتهنَّ على قيادة المجتمع وتحقيق الانتصار، في إشارة للملكات الأقوى في مملكة مروي، اللواتي أكسبنَّ اللقب معنى أقرب لوصف "الملكة العظيمة" كـ الكنداكة أماني ريناس أو أماني رينا (40ق.م) فهي تصدت لجيش الروم القادم من شمال البلاد عن طريق مصر، واجبرته على توقيع اتفاقية سلام من خلالها لم يعد الرومان لمهاجمة الكوشيين. ولم يكن دور الكنداكة أماني شاخيتي التي خلفتها بأقل فهي أكملت مسيرة قريبتها وحققت الرفاهية والثراء للشعب، وما تزال بقايا القصور والمعابد شاهدة على دورها في البناء والتطوير، هذه القوة والعزيمة التي تتمتع بها السودانيات اليوم هي ميراثهنَّ من الكنداكات الأوائل.

 

مشاركة فعّالة

إن اختزال الثورة بالأيقونات اللواتي ذاع صيتهنَّ في المسيرات الاحتجاجية والاعتصامات يظلم بقية نساء السودان، فالثورة حملت طابعاً نسائياً. الإحصائيات والتقديرات أشارت إلى أن أكثر من 70 بالمئة من المتظاهرين هم من النساء، فعلى شاشات التلفزة التي نقلت أحداث الثورة يوماً بيوم النساء كنَّ يملأن الشوارع.

هناك فرق بين اثبات الحضور وبين الفاعلية وهذا ما كان فاصلاً مهماً في احتجاجات السودان، فالنساء كنَّ أساس الثورة، وشكلنَّ تحولاً مهماً في مسارها، شاركنَّ منذ اليوم الأول دون طلب من أحد، ولم يكنَّ تابعات لأي جهة سياسية.  

كما أن "مبادرة لا لقهر النساء" والتي تأسست عام 2009 كانت من الحركات النسويات الرئيسية في الاحتجاجات، ولعبت دوراً بارزاً في قوى إعلان الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات. عشرات من هؤلاء النساء تجمهرنَّ في 20 نيسان/أبريل 2019 أمام وزارة العدل للتعبير عن رفضهنَّ للقوانين المجحفة بحق النساء، وطالبنَّ بإلغاء التمييز ضدهنَّ، وإحقاق العدل والمساواة.     

النساء لم يتوقفنَّ عند إسقاط نظام عمر حسن البشير، لكنهنَّ استمرين في التظاهر مطالبات بإسقاط النظام ككل، وتحقيق مطالب الشعب كافة، وهي بناء دولة ديمقراطية يسود فيها القانون، ومحاسبة رموز النظام السابق وكل الفاسدين الذين أضروا بالشعب السوداني، والارتقاء بحقوق المرأة التي لطالما عانت خلال حكم نظام ديني، بحيث تعرضت النساء للاعتقال ولانتهاكات عديدة بسبب ملابسهنَّ تحت مسمى قانون النظام العام.

النساء اللواتي قُدنَّ الاحتجاجات الأخيرة (2019) آمنَّ بتغيير الواقع المرير الذي عاشته المرأة السودانية، قاومنَّ حتى آخر لحظة، وحتى اليوم يطالبنَّ بمنح المرأة كافة حقوقها وعدم الاكتفاء بتمثيل شكلي لها في الحكومة أو إلغاء بعض القوانين والإبقاء على الأعراف التي تُسيء لها.

يحق للنساء المطالبة بحقوقهنَّ بعد تحملهنَّ للضرب والانتهاكات المتكررة التي مارستها قوات النظام خلال الاحتجاجات، كالتهديد بالاغتصاب خاصة خلال عملية فض اعتصام 3 حزيران/يونيو 2019.

منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان أدرجت في أحد تقاريرها الانتهاكات التي تعرض لها المحتجين والمحتجات، وكان من بينها تمزيق ملابس النساء والاغتصاب، ودعمت ناشطات محليات التقارير التي أكدت تعرض النساء للاغتصاب، وقلنَّ إن بعض الجنود رفعوا ملابس داخلية نسائية على الأعمدة كدليل على النيل منهنَّ، لكن النساء فضلنَّ الصمت بسبب وصمة العار المجتمعية التي ستلاحقهنَّ بقية حياتهنَّ.

 

تاريخ من النضال

من تقاليد السودان أن تتقدم النساء المعارك، فيُحملنَّ على هودج وهنَّ بكامل زينتهن وينشد القصائد الحماسية ومنهنَّ من يمتطين الخيل ويحملنَّ سلاحاً ويقاتلنَّ الأعداء.  

في الثورة المهدية (1881ـ1899) بزعامة محمد أحمد المهدي برز اسم الشاعرة مهيرة ويعتقد أنها ذاتها مهيرة بنت عبود من جمهورية السودان، الشاعرة المعروفة بنظم الشعر التراثي الحماسي. الذي كان سبباً في انضمام زعماء القبائل للثورة لمواجهة الحكم المصري التركي، وكانت قد شاركت في معركة كورتي عام (1820).

كذلك يقال إن امرأة وتدعى ماندي أجبنا حملت رأس والدها الذي أعدمه الإنكليز وهو أحد الملوك في ذلك الوقت، ودارت به لأيام في جبال النوبة لكي تقنع ملوك القبائل لإعلان الحرب على المحتل الذي سيطر على البلاد ما بين عامي (1898ـ1956)، لكن لا توجد تفاصيل كافية عن تلك الحادثة غير أنها استطاعت توحيدهم تحت راية المقاومة وانشاء قوة مجتمعة من 17 ملكاً.   

في عام 1946 تعرضت خالدة زاهر أول طبيبة سودانية للاعتقال والجلد، بعد أن قادت المظاهرة المعروفة بنادي الخريجين، احتجاجاً على الحكم البريطاني، لم تكن طبيبة فقط بل إنها نادت بحقوق المرأة، ودافعت عن مبدأ الديمقراطية، ورفضت كافة أشكال الاستبداد.

كل محاولات كسر عزيمة النساء وإن دامت لسنوات تنتهي عندما تشارك النساء في الثورة وتقلب الكفة لصالح الشعوب، فالثورة التي لا تشارك فيها النساء لا يعول عليها كما قالت النساء السودانيات في ثورتهنَّ الأخيرة. هؤلاء النساء صرخن في وجه السلطة وأذنابها "اقتلني لكن لا تنتهك حريتي".  

 

كيف قاومت المرأة في جمهورية جنوب السودان؟

مع الإعلان عند انفصال الجنوب عن جمهورية السودان في عام 2011 انتهى صراع دام لأكثر من نصف قرن، وانتهت إحدى أكثر الحروب الأهلية خطراً وتأثيراً على المرأة، واعطى الدستور الانتقالي حقوقاً متساوية للنساء والرجال في العمل والأجر والتعليم، لكنه لم يكفل تطبيقها بسبب النظام القبلي المسيطر على المجتمع.   

أسباب الانفصال تعود إلى التباين بين القسمين الذي خلق صراعات لم تنتهي إلا بالانفصال فلعشرات من الأعوام حاولت السلطة فرض ثقافة وهوية عربية إسلامية على سكان الجنوب الأفارقة، فالاستعمار الإنكليزي المصري وخلال سيطرته على البلاد عمل على تعزيز الفوارق بينهما ثم دمجهما بكيان واحد بشكل قسري. هذا التباين لم يقتصر على الثقافتين بل شمل حقوق النساء أيضاً مما دعا الجنوبيات للمشاركة في حرب الاستقلال، لتحسين حياتهنَّ ومجتمعهنَّ فنشطنَّ في المجال العسكري كمقاتلات، وفي المجال الإنساني في أعمال رعاية الأطفال والمصابين والمقاتلات والمقاتلين.   

في جمهورية جنوب السودان ما تزال النساء تعانين إثر الحرب الأهلية التي عصفت بالدولة حديثة العهد، وتبقى جهود السياسيات ضعيفة مقارنة بالوضع المزري الذي وصلت إليه البلاد، بعد تدمير المنشآت النفطية خلال الحرب الأهلية، فالنشاطات التي يقمنَّ بها كـ توفير الملاجئ للجنود، ورعاية الأطفال، والمصابين من المقاتلين والمقاتلات خلال الحرب، لا تحل إلا جزءاً بسيطاً من المعضلة، ويبقى صوت المجاعة أعلى وأقوى من جميع الإنجازات التي حققها جنوب السودان بالنسبة للقوانين وإشراك المرأة في الحياة السياسية أو العامة. ناهيك عن حالات الاغتصاب التي تعرضت وتتعرض لها آلاف النساء خلال الحرب الأهلية، وكذلك العادات والتقاليد البالية التي تحط من قدرهنَّ.  

فبعد انتهاء الحرب وسنوات من الاستقلال النساء ما زلنَّ يقاتلنَّ على خط المواجهة مع العادات والتقاليد البالية التي تحكمهنَّ وتنتهك حقوقهنَّ، فحتى اليوم تعلن بعض الأسر عن بلوغ الفتيات عن طريق رفع راية عليها دماء الحيض على سطح المنزل، تمهيداً لاستقبال الخاطبين، وما يزال نظام المهر صفقة لبيع النساء، كما أن العنف والاستغلال بكافة أشكاله ومصادره مستمر حتى اليوم.   

 

المرأة ضحية لنزاعات طائفية قبلية

في كافة أصقاع العالم حصلت النساء على مكانة لم يصل اليها أي مخلوق منذ اكتشافهنَّ للزراعة، فـ "أبوك" الربة القائدة للنساء والحدائق في جنوب السودان لها مكانة مساوية لـ "إنانا" إلهة الحب والخير عند شعوب بلاد ما بين النهرين قديماً، وكذلك إيزيس التي انتشرت عبادتها في بلاد النوبة ومصر.  

أبوك الإلهة ذائعة الصيت عند شعوب الدنكا (أكبر القبائل في جنوب السودان)، تترأس نشاطات المرأة في مجال الزراعة وخاصة نبات الدخن، منذ اكتشاف النساء للزراعة قبل آلاف السنين. لكن قدسيتها لا تنعكس اليوم على حال النساء الجنوبيات.     

في الحرب الأهلية المرأة ضحية لنزاعات طائفية قبلية، تعيش اليوم حالة تراجع واضحة في مختلف النواحي (التعليم والصحة والاقتصاد وغيرها)، زادت حدتها بعد اندلاع الحرب الأهلية في الجنوب منذ عام 2013، بين القوات الحكومية والمعارضة، وشكل العنف ضد النساء أحد أبرز التحديات التي تواجه جمهورية جنوب السودان خلال الصراع، فالنساء أضحين هدفاً للمتنازعين بغرض الانتقام، بسبب انتمائهنَّ القبلي فيتعرضنَّ للاغتصاب أو القتل.    

اتفاقية سيداو الموقع عليها من قبل حكومة الجنوب في 30 نيسان/أبريل 2015 لم تستطع حماية النساء من العنف، مما يعيدنا لما بعد اتفاقية أديس أبابا الموقعة بين الشمال والجنوب في عام 1972 لإنهاء الحرب الأهلية، حيث كفل أحد بنود الاتفاقية فرص متكافئة بين الجنسين في التعليم والخدمة والتجارة ومختلف الأعمال، لكن على أرض الواقع لم تكن هناك تغييرات جدية لصالح المرأة، وكان ذلك واضحاً في دستور البلاد لعام 1973، حيث نصت المادة التاسعة منه على أن الأحوال الشخصية لغير المسلمين تخضع لقوانينهم الخاصة، وبذلك خضعت حقوق النساء لتفسيرات الدين وتحكم القبيلة.      

لم يرث السودانيون الأفارقة من أجدادهم تقديس المرأة لكنهم حافظوا على إرثهم في ختان الإناث، ويختارون الأسوأ منه وهو الختان الفرعوني المنتشر ليس في السوان فقط وإنما في كامل القارة الأفريقية، التي تشكل المركز لهذه الممارسة. 

حظر القانون لم يقضي على الظاهرة فنسبته غير معروفة ولا توجد إحصائيات حوله سوى ما جاء في تقرير منظمة الطفولة "اليونسيف" عام 2015 بأن واحد بالمئة فقط من النساء اللواتي تتراوح أعمارهنَّ بين (15ـ49) عام تعرضن للختان، ولم يتم تأكيد هذا الرقم أو نفيه، أما الطفلات الأقل من 15 عاماً لم يتم ذكرهنَّ.

المرأة ضحية لنزاعات طائفية قبلية في إقليم دارفور أيضاً، النساء تعرضنَّ للعديد من الانتهاكات، لكنهنَّ مصرات على المضي قدماً رغم استهدافهنَّ وتهجيرهنَّ لأكثر من 15 عاماً من الحرب.

في الإقليم الذي عانى من الحروب والإبادة الجماعية النساء أسسنَّ منظماتهنَّ الخاصة للدفاع عن حقوقهنَّ في "مجموعة عمل نساء دارفور"، التي تعمل على معالجة حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة في إقليم دارفور.

وقد تعرض شعب الإقليم للتهميش والإبادة منذ الهجوم الأول الذي قام به النظام عام 2003 ضد القبائل الإفريقية في الإقليم، بعد عامين من ذلك صنفت منظمات دولية الوضع في الإقليم بأنه إبادة جماعية، وفي عام 2006 قالت الأمم المتحدة أن 300 ألف شخص من دارفور فقدوا حياتهم معظم هؤلاء من النساء والأطفال.

النساء في دارفور اللواتي لجأن إلى دول الجوار ويشكلنَّ مع الأطفال حوالي 80 بالمئة من اللاجئين ما يزلنَّ تعانينَّ في مخيمات اللجوء. ولم تحظى النساء بفرصة المشاركة في المؤتمرات الدولية لنقل معاناتهنَّ مع الحرب ومناقشة قضاياهنَّ، لكن منظمة نساء دارفور من أجل العمل الجاد تهتم بهذه القضية، وتُعنى بالنساء اللواتي تأثرنَّ بالصراع.

 

النساء اشتركنَّ في القتال

على رأس وزارة الدفاع امرأة لكن هذا لم يمنع خضوع المقاتلات في القوات الحكومية في جمهورية جنوب السودان من عيش حياة صعبة في المعسكرات، فالنساء يعشنَّ أوضاعاً مزرية وتعانينَّ من ظروف تدريبية قاسية، سواء في القوات الحكومية أو المعارضة، وحتى في القوة الموحدة لجنوب السودان، والتي تأسست في عام 2019، لتوفير الأمن العام فالفقر والجوع وكذلك الفساد ظواهر منتشرة بشكل كبير في المعسكرات مما دعا العديد منهنَّ للمغادرة.  

المتدربات لا يحصلنَّ على المستلزمات الصحية ويتعرضنَّ لاعتداءات جنسية مما يعرضهنَّ للإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً، ومنها الإيدز، منهنَّ من يجهضنَّ خلال التدريب وتصل حالات بعضهنَّ الصحية للخطر.

 

"لا تبقوا صامتين"    

استخدم الاغتصاب كسلاح حرب في السودان، وقد كشفت العديد من المنظمات الدولية عن معاناتهنَّ كما في جمهورية جنوب السودان، لكن منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بمراقبة حقوق الإنسان قالت إن النساء يفضلنَّ الصمت، لذلك فإن الاحصائيات الموجودة لديها ليست شاملة، وإنما هي للنساء اللواتي اخترقنَّ جدار الصمت على حسب تعبيرها.

في عام 2017 كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية "أمنيستي" بعنوان "لا تبقوا صامتين" أن مختلف الفئات في المجتمع السوداني الجنوبي تتعرض للعنف، وخاصة الجنسي منه بكافة الأشكال (الاغتصاب، الاغتصاب الجماعي، الاستعباد الجنسي، والتشويه، والتعذيب، الاخصاء، العري القسري). ويستهدف هؤلاء بسبب انتماءاتهم العرقية أو لولائهم السياسي، فالقوات الحكومية متورطة بهذه الجرائم وكذلك جماعات المعارضة.

وفي شباط/فبراير 2019 كشف تقرير أممي أعدته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة بجنوب السودان، حول العنف الممارس ضد النساء في ولاية الوحدة الشمالية، عن تعرض 134 امرأة للاغتصاب، وتعرض 41 امرأة لعنف جنسي وجسدي في الأشهر الأربع الأخيرة من عام 2018، وأكد التقرير أن من بين الضحايا مرضعات وحوامل هؤلاء تعرضنَّ للضرب كذلك.  

وكذلك أعدت منظمة هيومن رايتس ووتش في عام 2015 تقريراً حول انتهاكات حقوق الإنسان في ولاية جونقلي، خلال عملية نزع السلاح بما فيها جرائم الاغتصاب.

الضحايا من النساء يلقى اللوم عليهنَّ ويتعرضنَّ للنبذ المجتمعي في حين لا توجد قوانين تحميهنَّ أو تحاسب الجناة، فعلى الرغم من وجود وحدات حماية خاصة تابعة للشرطة للتصدي لهذه الجرائم إلا أن اللواتي يكسرنَّ الصمت ويبلغنَّ لا يحصلنَّ على أية نتائج.  

ونتيجة ذلك تفضل الضحايا عدم الكشف عما تعرضنَّ له، كما أنهنَّ تعانينَّ بصمت حيث لا تحصلنَّ على الرعاية الطبية أو النفسية جراء انهيار النظام الصحي في البلاد. كما تضغط الأسرة على النساء للصمت لكيلا تخسر الفتاة فرصة الزواج.    

العنف الجسدي ليس بأقل منه ففي عام 2019 كشفت ياسمين سوكا رئيسة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن نحو 65 بالمئة من النساء يتعرضنَّ له. وفي عام 2020 قامت القوات في جمهورية جنوب السودان بمحاسبة عدد من المقاتلين ممن ارتكبوا جرائم اغتصاب في محاكم مدنية، وما تزال الآمال معقودة على محاسبة جميع الجناة الذين انتهكوا حقوق النساء خلال الصراع.  

وكحال النساء في الجنوب استخدم الاغتصاب كسلاح حرب ضد النساء في إقليم دارفور، ولم يسلم الرجال أيضاً من الاعتداءات الجنسية وكذلك الأطفال. 

ما بين عامي (2014ـ 2015) قالت منظمة هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن السودانية ووحدات الدعم السريع التابعة لجهاز الأمن والمخابرات، ارتكبت عمليات اغتصاب وأشكال مختلفة من العنف الجنسي خلال الهجمات على الإقليم ولم تتم محاسبة المعتدين. كما مورست ضغوط على المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ومنعت من التغطية الشاملة للأوضاع المزرية التي تعيشها النساء هناك.