'هذا العالم هو المذنب وهو المسؤول عما حدث لنا' (1)

أمام أنظار العالم كله تعرض الإيزيديين للمجزرة الـ 74 على يد داعش في الثالث من 3 من شهر آب/أغسطس عام 2014. تم القبض على أزدا وعائلتها، حين كان عمرها 13 عاماً فقط عند بدء الهجمات

روجبين دنيز
شنكال ـ .
 
مع كل مجزرة يتم سوق النساء إلى أسواق الموت
تحمي المرأة كل مقدسات الأيزيدية. عندما تحزن النساء، ترتدين إكليلًا بلون الأرض ليشعر أولئك الذين تم دفنهم بالأرض. الأرض مقدسة بالنسبة لهم. لا يتركون الماء في الظلام. لا يصب الماء في الليل لأن كل قطرة ماء تسكب في الظلام يمكن أن تقتل أصغر الكائنات الحية على الأرض. يقولون يجب أن تحيا كل الكائنات الحية معنا. الماء هو أحد المقدسات السبعة. هناك أيضاً النار. النار هي رمز الزرادشتية. ومثل المقدسات الستة الأخرى، تعيش النار أيضاً في قلب الجبال. النار التي تنبض بالحياة في الجبال تحرق السهول، وتحرق منازل الظالمين وتعتبر من المقدسات الزرادشتية السبعة. ومثل المقدسات السبعة الأخرى، فإن المرأة الإيزيدية هي التي تحمي النار أكثر من غيرها. بعد المجزرة هناك نار مشتعلة في صدر كل إيزيدي. وكما في كل المجازر فإن الأكثر تضرراً هم النساء، حيث تم سوقهن بعد المجزة الـ 74 إلى أسواق الموت. تم رمي 19 امرأة إيزيدية في النار. تم إحراقهن بإحدى المقدسات الإيزيدية ألا وهي النار.   
 
أرواح محطمة ومصائر مجهولة 
نتتبع خطى النساء اللواتي لم تنطفئ النار في قلوبهن. كل شخص في كل قرية يعرف قليلاً أو كثيراً من الذي تم القبض عليه وما الذي عاناه عندما جاء داعش. يفضل البعض إخفاء ما يعرفونه، بينما يفضل البعض الآخر المشاركة بعد محادثة دافئة عند الاقتراب منهم. بالنسبة لهم جميعاً، كانت تلك الفترة مظلمة للغاية. لا يمكنهم أن ينسوا، أو الهروب من الآثار التي تركوها عليهم. كان الموت أخف ما أصابهم. أرواح محطمة، أناس مجهولة مصائرهم، أطفال سرقت ابتساماتهم من وجوههم، نساء تخفين أطفالهن في قلوبهن، وتركن وراءهن مجتمعاً سلبت آماله ومشاعره ومستقبله. يعيش الناجون نوعاً ما بين الحياة والموت. والباقي يحيون الذكريات، والنساء تدفن الآلام في قلوبهن وتسعين من أجل بناء حياة جديدة. يجمع الأطفال ابتساماتهم المسروقة من الماضي وينثرونها في شوارع القرى المدمرة. كبار السن يتذكرون المجازر التي لحقت بهم. يكافح الشباب من أجل حياة جديدة، ويحاولون ألا تهزمهم الحياة مرة أخرى. جميع أهالي شنكال يلملمون الموت من جميع الشوارع لإفساح المجال لحياتهم. بغض النظر عن عدد المنازل المدمرة والشوارع المحطمة والأنقاض المنهارة التي تعرض لهم مشهد الموت القبيح، فهم في صراع لإنقاذ حياتهم من الماضي الذي انهار عليهم. لقد نما الأمل، وخلقوا الحياة على الرغم من المجازر. 
 
"وقعت عائلتنا أسيرة في يد داعش"
أمهات وآباء وجدات وأطفال، أسرة مكونة من 12 فرداً، تقع في أيدي داعش. يأخذ داعش عشرات الأشخاص من العائلة، بمن فيهم أعمامهم وزوجاتهم وأطفالهم، رهائن. كانوا يعيشون في منزل كبير مع حديقة كبيرة. منزل في مكان منعزل، بعيداً عن المنازل الأخرى يمنح إحساساً بالفراغ. 
قالت كوجر، عن يوم المجزرة إن عائلتها وقعت في أيدي داعش "لقد أخذونا كرهائن. مكثت ثلاث سنوات وثلاثة أشهر في الأسر. ابنتي الوسطى مكثت 40 يوماً، وابنتي الأخرى وأزدا مكثن ثلاث سنوات. أنقذنا ابننا الصغير بعد دفع الفدية. تم نقلي إلى الرقة. عندما أطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملة تحرير الرقة تم تحريرنا".
 
"لقد تعرضنا لأشياء لا يقبلها الضمير الإنساني"
أثناء حديثنا مع كوجر قالت ابنتها أزدا، "ليس لي ذنب فيما مررت به. لقد أخذوني من ألعاب الطفولة وتعرضت لكثير من الأشياء اللاإنسانية. لست أنا المذنبة، هذا العالم والإنسانية كلها هي المذنبة، هذا العالم مسؤول عما حدث لنا. لا يمكن وصف ما تعرضنا له من ألم. حتى لو تحدثنا، فلا فائدة من ذلك".
 
"لماذا فعلوا هذا بي وبشقيقاتي؟"
بينما نتحدث مع الأم كوجر عما فعله داعش بالنساء الإيزيديات، تغضب أزدا ويتحول غضبها إلى آلاف الكلمات، "كنت في الثالثة عشرة من عمري عندما اختطفني داعش. كنت طفلة صغيرة عندما أخذوني إلى تلعفر، وفي نفس اليوم كبرت. عندما كبرت طرحت هذه الأسئلة على الجدران الفارغة، على الأصفاد التي تقطع معصمي. سألت؛ من المسؤول عن الإيزيديات اللواتي ترقدن بضفائرهن على أرضيات المدارس. أن هذا العالم هو المكان الذي يتم فيه طرح الأسئلة ولكن لا يتم إعطاء إجابات أبداً. أسأل ضمير الإنسانية، إذا كان موجوداً، لماذا فعلوا هذا بي وبشقيقاتي؟"
 
"بكيت لساعات من شدة الخوف"
"عندما كنا نذهب إلى المنعرجات عند مخرج شنكال، اعترضنا عناصر داعش. لم أرى أو أسمع عنهم حتى ذلك اليوم. كنا عائلة مسالمة. أذهب إلى المدرسة مع شقيقاتي وألعب في الشارع. عندما نشعر بالجوع، ننقض على والدتي ونصرخ "أعطونا طعاماً، أعطونا طعاماً". وأمي تغضب من صراخنا عندما لا يكون الطعام جاهزاً، ويكون هناك ضجة في المطبخ، ثم تخلع خفها وترميه علينا. اعتدنا نحن الأطفال أن نركض حتى نهاية الشارع. لقد كان غضب والدتي مسلياً لنا. كنا أسرة سعيدة وكان الجميع سعداء بالفعل. لم نفعل شيئاً عندما كنا أطفالاً، ولم نرتكب أي ذنوب. الإيزيديون لم يكونوا مذنبين. لماذا فعل بنا العالم هذا؟ كل يوم عندما استيقظ من النوم، أحلم بالألعاب التي سألعبها مع أصدقائي وإخوتي اليوم، وفي أحد الأيام، عندما استيقظت مع نفس الحلم، رأيت أن المدرسة التي ذهبت إليها، والشوارع التي لعبنا فيها تغيرت. أصبح كل شيء وكل شخص مختلفاً تماماً. كان هناك صرخات وموت وصراخ ومجموعات من الناس يهربون ونساء لم يجدن الوقت حتى للحصول على حذاء ونجون بحياتهن، والأطفال يفرون حفاة في الشوارع. في البداية لم أدرك ما حدث. صدمت مما رأيت، ارتجفت من الخوف وبكيت لساعات من الخوف".   
 
"ضربوا والدتي بكعب البندقية"
كنا جميع أفراد العائلة بسيارة واحدة. شقيقتاي وثلاثة أشقاء صغار وأمي وأبي وجدتي. اعترضوا طريقنا وأخذونا جميعاً. في البداية نقلونا إلى مدرسة في تلعفر، تم احتجزنا هناك لمدة ثلاثة أيام، ثم أخذونا جميعاً إلى سجن بادوش. تم احتجازنا هناك لمدة 12 يوماً. ثم أعادونا إلى مدرسة في تلعفر. فصلونا عن بعضنا هناك. أخذوا الرجال إلى مكان منفصل. كما فصلوا بيننا نحن النساء أيضاً. أرادوا أخذنا نحن الشقيقات الثلاث، فأمسكنا ثلاثتنا بيدي والدتي... كنا نقول إن أمنا ستحمينا ولن تعطينا لهم. كانت والدتي تصرخ بينما كان عناصر داعش يسحبوننا باتجاههم، وتقول لا يمكنكم أن تأخذوا بناتي مني. كانت تصرخ في وجههم وتشتمهم. قام المرتزقة بضرب والدتي، التي كانت تكافح من أجلنا، بكعب البندقية وألقوها على الأرض. وأنا لشدة غضبي عضضت يد أحد المرتزقة بكل قوتي، ثم بدأ بضربي أيضاً. في ذلك الوقت، كان ألم والدتي يغلب على ألمي. حتى عندما كانت والدتي على الأرض، لم تترك أيدينا".
 
"لقد فشلت البشرية جمعاء في مواجهة ما حدث للنساء الإيزيديات"
"وضع عناصر داعش الأصفاد على أيدينا. ثم جروني وشقيقتي من شعرنا. بدأت أمي تندب من الخلف. أخذوني أنا وأختي إلى نفس المكان. أخذوا أختي الأخرى إلى مكان آخر ولم أرها مرة أخرى. وضعونا في غرفة. كانت هناك فتيات ايزيديات أخريات. ثم امتلأت الغرفة بعناصر داعش. كان كل منهم يختار فتاة لنفسه. لقد اختاروني أنا وأختي أيضاً. كنا نظن أنهم سيأخذوننا إلى مكان آخر. لم يحدث ذلك، بل اغتصبونا جميعاً هناك. شعرت بالاشمئزاز عندما لمسني أعضاء داعش. كرهت العالم كله. كانت صرخاتنا تضرب كل جدران ذلك المبنى. اغتصبونا لساعات. لم تجتاز البشرية اختبار الضمير في ذلك اليوم. في تلك الغرفة، فشلت الإنسانية جمعاء في مواجهة التعذيب والاغتصاب ضدنا. لا أعتقد أن لهذا العالم ضمير". 
 
"في تلك الغرفة تم اغتصاب كرامة الإنسانية"
"احتفظوا بنا هناك عدة أيام، كانت تلك الغرفة عبارة عن مسلخ ومكان للتعذيب والاعتداء على كرامة الإنسانية. كنت أنا وأختي هناك معاً نتحدث طوال الوقت عما سيحدث لنا وربما لن نتخلص منه أبداً. ونقول، "يريدون كسرنا باغتصابنا، لكننا لن نشعر بالإهانة أبداً. وعدت أنا وأختي بعضنا البعض هناك؛ مهما حدث فلن ندعهم يكسرون روحنا وشرفنا".
 
غداً: بيع أزدا لداعش