أين هن نساء الأنفال المفقودات منذ 33 عاماً؟ (1)

قبل ثلاثة وثلاثين عاماً وتحت اسم عمليات الأنفال التي كانت تهدف إلى إبادة الشعب الكردي، قتل النظام البعثي عشرات الآلاف من الأشخاص، وتعرضت آلاف النساء للاغتصاب وتم بيعهن في الأسواق

 

بحسب الوثائق تم نقل ثمانية عشرة امرأة إلى مصر

السليمانية ـ . وبحسب وثائق النظام تم نقل نساء الأنفال إلى مصر للعمل في النوادي الليلية، وعلى مر السنين لم يتم الحصول على أي معلومات عنهن.
أصل كلمة الأنفال وبعض معانيها، في اللغة العربية يقال لها الأنفال أو العملية والتي تعني الحملة والحركة وغنائم الحرب وإعادة الفتح. كانت القيادة العامة في الأنفال هي مكتب حزب البعث الشمالي في كركوك. ومن أجل قيادة وإدارة المكتب، تم تعيين علي حسن المجيد ابن عم صدام حسين والمعروف لدى الكرد باسم علي الكيماوي أو علي الأنفال رئيساً للوزراء في شهر آذار/مارس عام 1987. تولى علي حسن مسؤوليات خاصة في المنطقة الكردية. ومن أجل القيام بأعماله وتسيير مهامه تم تسليمه الكتيبتين الأولى والخامسة من الجيش والمديرية العامة للأمن والاستخبارات العسكرية والحرس الكردي بالإضافة إلى مئتي ألف من القوات والعشرات من الطائرات والآلاف من قذائف المدافع والدبابات والأسلحة الثقيلة. ومع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، تم إرسال جميع الوحدات العسكرية التي كانت في الجبهات بالإضافة إلى المعدات والدبابات والطائرات الحربية إلى كردستان وانطلقت حملة الأنفال. ومع الاستعدادات دارت عجلة آلية الإبادة حتى نيسان/أبريل عام 1989.
 
النساء اللواتي قُتل أطفالهن أمام أعينهن
لم تنته آلام الحياة بعد أن احتل المسلحون أراضي كردستان. فقد شهدت النساء اللواتي فقدن بناتهن وأولادهن وأزواجهن في الحرب أخطر عمليات الحرب. فقد شهدت ضحايا مجازر الأنفال اللواتي قُتل أطفالهن أمام أعينهن على صرخات النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب أيضاً. وعلى الرغم من مرور سنوات عديدة على مجازر الأنفال التي تركت ذكرى مؤلمة في تاريخ الكرد إلا أن حدة وصعوبة تلك العملية ما زالت حية في ذاكرة نساء جنوب كردستان. فقبل 31 عاماً استهدفت عمليات الأنفال التي نفذها النظام البعثي الديكتاتوري الإبادة الجماعية لشعب إقليم كردستان، من ضمنها جميع المجازر بين عامي 1987 و1989. وبحسب الوثائق الرسمية للنظام تمت العملية بين الثالث والعشرين من شهر شباط/فبراير عام 1988 والسادس من شهر أيلول/سبتمبر عام 1989.
 
لم تتكلم النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب وتم بيعهن في الأسواق
بالإضافة إلى الإعدامات الجماعية والترحيل والعمليات البرية والجوية تم تنفيذ 77 هجوماً كيماوياً في مجازر الأنفال. إحدى المناطق التي تعرضت للهجوم الكيماوي في تلك الفترة كانت حلبجة التي أصبحت رمزاً للإبادة الجماعية للشعب الكردي خلال مجازر الأنفال. وبحسب المعلومات فقد ما بين مئة إلى مئة وثمانين آلف شخص حياتهم واختفوا. ووفقاً لما ذكرته الوثائق الرسمية فإن مئة وخمسين ألف شخص فقدوا حياتهم، إلا أنه توجد مقابر جماعية لم يتم فتحها بعد، لذا لم يتم توثيق عدد الأشخاص المفقودين بدقة.  كان معظم من تم قتلهم في عمليات الإعدام الجماعية من الرجال القادرين على حمل السلاح، وغالبية من قُتلوا في الغارات الجوية والهجمات الكيماوية من النساء والأطفال. أيضاً هناك جانب آخر غير معلن ولم يتم التحدث عنه لمأساة الأنفال وهو تعرض آلاف النساء للاغتصاب والبيع في الأسواق. فالعديد من النساء الناجيات من الأنفال ما زلن يعانين من المشاكل النفسية بسبب ما تعرضن له في ذلك الوقت. تقول نساء الأنفال "نحن أكثر من يفهم ألم المرأة الإيزيدية".
 
 كان الهدف إبادة الكرد
في أعقاب هزيمة صدام حسين وبحسب الوثائق الرسمية التي تم العثور عليها وروايات شهود عيان، جاءت عمليات الأنفال ونُفذت في إطار مخطط له. ففي البداية تم تطويق ومحاصرة المنطقة المحددة من قبل الجنود، ومُنعت حركة المرور فيها. بعدها دخل الجنود والعصابات إلى القرى، وأخذوا يفصلون الناس حسب أعمارهم وجنسهم، ثم وضعوهم في المركبات العسكرية وأخذوهم إلى "أماكن مجهولة". في المناطق التي تم إخلاؤها، تمت مصادرة الماشية والممتلكات والأغراض الأخرى الموجودة في المنازل باسم "الغنائم". وبعد أخذ ومصادرة كل شيء تم هدم المنازل والمدارس والمساجد وردم مصادر الماء أو إغلاقها بالإسمنت. كما تم قطع أشجار الفاكهة وحرق الحدائق والبساتين. ورغم أن النظام البعثي استهدف القضية الكردية في العراق، إلا أنه دمر قرى السريان والإيزيدين والتركمان واليهود الموجودة في منطقة إقليم كردستان أيضاً. وفي إطار الأنفال تم إخلاء جميع المناطق عدا مراكز مدن كردستان تحت مسمى "الإخلاء من الناس". كما تم حظر الخروج إلى جميع المناطق البرية والطبيعة.
 
 بحسب الوثائق تم نقل 18 امرأة إلى مصر
لم تقتصر مجازر الأنفال على الموت فقط. فقد شهد الضحايا ولا سيما النساء فظائع وأعمال وحشية مثل التي يرتكبها داعش حالياً بحق النساء والأطفال. فقد زاد الأسر والعبودية والبيع والعمل كجارية والاغتصاب ألم نساء الأنفال أكثر. ولم تتحسن الحالة النفسية للعديد من نساء الأنفال حتى الآن. وقد أظهرت الوثائق الرسمية أنه تم نقل 18 شابة إلى مصر للعمل في النوادي الليلية في ذلك الوقت. كما تبين أنه تم بيع الأطفال والنساء في الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة والسعودية وإهدائهم إلى شيوخهم. 
 
يريد الضحايا الاعتراف بالمذبحة واعتبارها جريمة ضد الإنسانية
يعاني الأطفال والنساء وأقارب المفقودين الذين نجوا من عملية الأنفال من العديد من المشاكل النفسية والاجتماعية. بالرغم من أن حكومة الإقليم تحاول حل ومعالجة المشاكل النفسية والاجتماعية الباقية من زمن الأنفال، إلا أن هناك انتقادات لعدم تقديم المساعدة المادية والمعنوية الكافية بقدر ما هو مرغوب. ولا يزال العديد من ضحايا الأنفال في جنوب كردستان وجنوب العراق مدفونين في المقابر الجماعية. تريد العائلات فتح المقابر الجماعية. وعلى الرغم من فتح البعض من هذه المقابر، إلا أنه وبسبب الأزمة الاقتصادية في المنطقة لازال هناك مئات المقابر الجماعية بانتظار فتحها. وبحسب المعلومات التي قدمها وزير الأنفال وشهود عيان، لم يتم بعد تحديد هويات 104 طفل لم يتجاوز عمرهم ثلاثة سنوات ممن تم استخراج رفاتهم من المقابر الجماعية.
أعلن برلمان إقليم كردستان الفدرالي يوم الرابع عشر من نيسان/أبريل "يوم ذكرى الأنفال". وتطالب المؤسسات الرسمية في المنطقة وأقارب ضحايا الأنفال بمحاكمة المسؤولين عن قضية الأنفال وإدانتهم والاعتراف بالأنفال دولياً كجريمة إبادة جماعية.
 
غداً: صبرية أحمد السالم من أهالي قرية داويان التي بقيت مع أطفالها في معسكرات النظام البعثي في ناحية الدبس بمحافظة كركوك خلال عملية الأنفال.