الآلهات في سورية... رمز البركة والتقديس(7) زنوبيا "الشريان المقاوم للآلهة"

بناءً على اقتراح علم المرأة الاجتماعي جنولوجيا، فإن الجواب على السؤال التالي "لماذا يجب إعادة كتابة تاريخ المرأة من جديد؟" هو "يجب أن تدور روح المرأة في هذا العالم أو يجب نسج هذا العالم بروح المرأة..."

.
يشرح الكتاب الأول التمهيدي لعلم المرأة الاجتماعي كيفية تهميش المرأة والإلقاء بها خارج التاريخ في تسع صفحات، وكشكل من أشكال المقاومة في الشرق الأوسط تُظهر الصفحة السابعة تحت عنوان "العصب المقاوم للملكة الإلهة" ضرورة اعتبار الملكات جزءاً من تاريخ المرأة. 
ومن أجل فهم ما يحدث في يومنا تُظهر لنا كل الدلائل التاريخية والآثار التي نعثر عليها خلاصة الأوقات التي نعيش فيها.
فعلى سبيل المثال؛ التحليل الموسع للمعلومات التاريخية القليلة والشريان المقاوم للإلهة الملكة زنوبيا والآثار التي تركتها خلفها تجعلنا نفهم أكثر ما يحصل الآن من تصاعد للهجمات والاحتلال ضد سوريا.   
فهل من المعقول أن يكون هجوم داعش على بالميرا (تدمر) في عام 2015 وتدميرهم لتمثال الأسد الذي كان يمثل الإله اللات ومعبد بيليت محض صدفة؟.
أو الهجوم الذي قامت به الدولة التركية في عام 2018 على مدينة عفرين في شمال وشرق سوريا من أجل احتلالها حيث قامت الطائرات الحربية بقصف معبد هبات الذي بنته بودوهبا وتمثال الأسد الذي كان يمثل الإلهة هبات. وهذا الأمر يتعدى كونه جريمة حرب فقط فعدا جريمة الحرب ألا يمكن اعتباره جزءاً من الهجوم الأبوي على ثقافة الإلهة الأم ومحاولة تدميرها ومحوها من على هذه الجغرافية؟. 
"على الرغم من فشل نظام مجتمع الإلهة الأم أمام سلطة وهيمنة الذكور إلا أن زنوبيا مثلت بأساليب وطرق مختلفة ثقافة المرأة التي ظهرت في المرحلة الانتقالية" في نفس الوقت لم تفقد كل من زنوبيا وجمال وأصالة مدينة بالميرا شيئاً من قيمتها منذ آلاف السنين.
تقع مدينة بالميرا (تدمر) القديمة في الجانب الشمالي الشرقي لمدينة دمشق العاصمة السورية (دمشق، داماسكوس) وتبعد عنها مسافة 215 كيلو متراً.  
ولأن هذه المدينة بُنيت وسط الصحراء على طريق القوافل التجارية أُطلق عليها اسم "جنة الصحراء" أو "عروس الصحراء".
يعتقد أن مدينة بالميرا قد بُنيت في القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وقد جذب العدد الكبير لأشجار النخيل الموجودة فيها الانتباه، يمكن القول إن جميع الأساطير وصفت الآلهة ورمزت إليها بالأشجار. كما يبدو أن المدينة أخذت اسمها من أشجار وبساتين النخيل. 
على مر التاريخ أرادت العديد من الدول والإمبراطوريات السيطرة عليها ولكن في الوقت نفسه عُرفت بأنها ملتقى وتجمع للشعوب. 
اُحتلت ونُهبت بالميرا أول مرة من قبل الإمبراطورية الرومانية. تم نقل العديد من المعابد والتماثيل الموجودة فيها والمرتبطة بثقافة الآلهة إلى الأديرة والكنائس.
ولأنها احتلت موقعاً مهماً على الأراضي السورية حيث كانت نقطة مرور القوافل التجارية، تعرضت بعد الاحتلال الروماني إلى الاحتلال والنهب من قبل جميع القوات المحتلة.
بالإضافة إلى جمال بالميرا عُرفت أيضاً بمدينة زنوبيا، المرأة التي كتبت اسمها في تاريخ المقاومة.
اسمها الحقيقي "بات زباي" وعرفت باللاتينية باسم "يوليا أوريليا زنوبيا"، وحسب تحليلات وروايات المؤرخين الذين اتخذوا المصادر الآرامية والعربية والسريانية أساساً لمعلوماتهم كانت تنادى بعدة أسماء مثل "زنوبا"، "زابونيا"، "زينوبيا"، "زينو"، و"زينب". ومعنى اسمها هو "ابنة الإله" أو "ابنة البركة".
بحسب المصادر؛ تزوجت زنوبيا في عام 258م من ملك بالميرا سبتيموس أذينة، وبعد مقتل زوجها أصبحت الملكة وبدأت بإدارة بلادها.  
وسعت زنوبيا حدود البلاد التي امتدت إلى العراق وفلسطين ومصر. لم تقبل زنوبيا السيادة الرومانية وأرادت الاستقلال، الأمر الذي أدى إلى تدهور العلاقات بينها وبين روما. 
بدأت روما بالتحرك في عام 272م وشنت حملة عسكرية ضد بالميرا. وبعد معركة طويلة وقعت زنوبيا أسيرة بيد الرومان.
قبلت زنوبيا بالأسر مقابل "عدم تدمير بالميرا". واحتفالاً بنصرهم قام الرومان بتقييد زنوبيا بالسلاسل الذهبية ووضعوها في قفص، أرادوا عرضها بهذا الشكل وأخذها إلى إيطاليا. ولكن كرسالة وجهتها زنوبيا إلى السلطات تقول فيها "لن أسمح لكم بإتمام هذا الانتصار" شربت السم وأنهت حياتها. 
أخلت روما بمعاهدة "عدم المساس بالمدينة" التي كانت قد أُبرمت بين زنوبيا والرومان وقامت بنهب بالميرا.
ووفقاً للعديد من المصادر وُصفت زنوبيا بالدبلوماسية، والسياسية والجندية المحاربة وكمؤسسة للمدينة أعطت أهمية لجماليات المدينة. ومازالت مدينة بالميرا تُظهر آثار تلك الفترة من معابد وتماثيل. 
لكن لا توجد مصادر معلومات مفصلة حول حياتها وأعمالها. يحوي التاريخ القليل من المعلومات والكثير من التحليلات ونحن أيضاً ننظر إلى آثار الزمن الذي كانت تعيش فيه ونرى أنفسنا كنساء من الميراث الذي تركته خلفها.