عودة قسرية جماعية للاجئين الأفغان وسط أزمة إنسانية خانقة
شهدت الأيام الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في وتيرة عودة آلاف العائلات الأفغانية من الحدود الإيرانية والباكستانية إلى بلد يرزح تحت وطأة أزمات متعددة، ورغم أن هذه العملية توصف رسمياً بأنها "عودة طوعية" فإن الواقع يشير إلى أنها تنفذ بالقوة.
مركز الأخبار ـ في الآونة الأخيرة، أعلنت السلطات الإيرانية والباكستانية عن سلسلة من الإجراءات الجديدة تهدف إلى تقليص أعداد اللاجئين الأفغان المقيمين على أراضيها، وذلك في ظل تبريرات رسمية تتعلق بالضغوط المتزايدة التي تواجهها الدول المضيفة، لتجبر بذلك آلاف العائلات على العودة تحت وطأة التهديد بالترحيل أو الحرمان من الخدمات الأساسية.
في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحادة في أفغانستان، تشهد البلاد موجة جديدة من العودة القسرية للاجئين الأفغان من إيران وباكستان، فقد عادت خلال الأيام الماضية آلاف العائلات عبر خمسة معابر حدودية إلى وطن يعاني من ظروف قاسية تحت حكم حركة طالبان المتشددة، ويرى مراقبون أن هذا التحول يعكس تصاعد الضغوط من الدول المضيفة للتقليل من أعداد اللاجئين، ويعد مؤشراً واضحاً على تفاقم أزمة الهجرة في المنطقة.
وكشفت الإحصاءات الرسمية الصادرة عن مكتب شؤون اللاجئين التابع لحكومة طالبان أن أكثر من 2000 عائلة أفغانية عادت إلى البلاد خلال أقل من 48 ساعة، في موجة غير مسبوقة من الإعادة القسرية عبر خمسة معابر حدودية رئيسية، فقد سجلت العودة عبر جسر الحرير في نيمروز 35 عائلة، ومن إسلام قلعة في هرات 15 عائلة، بينما شهد معبر سبين بولدك في قندهار تدفقاً كبيراً بلغ 1667 عائلة، تلاه طورخم في ننكرهار بـ376 عائلة، وبهرمشا في هلمند بـ101 عائلة وتواصلت حركة العودة في الأيام التالية عبر نفس المعابر، ما يعكس تصاعد الضغوط الإقليمية على اللاجئين ويزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية داخل أفغانستان.
في سياق تصاعد وتيرة العودة القسرية، أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) بأن ما يصل إلى 7000 شخص يُعادون يومياً من الأراضي الباكستانية إلى أفغانستان، في مؤشر على حجم الضغوط المتزايدة على اللاجئين، وبحسب بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، فقد عاد أكثر من 4.5 مليون لاجئ أفغاني إلى البلاد منذ أيلول/سبتمبر 2023، وهو ما أدى إلى زيادة عدد سكان أفغانستان بنسبة تقارب 10%، مما يفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد في ظل ظروفها الراهنة.
وتعود آلاف العائلات الأفغانية إلى ديارها في حين أن الكثير منها محروم من أبسط مقومات الحياة، ويفتقر غالبية العائدين إلى المأوى المناسب، والوصول المستدام إلى المياه والغذاء والخدمات الصحية، ويدخلون البلاد في ظروف هشة، في ظل محدودية السكن والبنية التحتية الاجتماعية في أفغانستان.
علاوة على ذلك ينتمي العديد من العائدين إلى فئات ضعيفة في المجتمع، بمن فيهم ناشطات في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان، وصحفيون، ومعلمون، وجنود سابقون، وتواجه هذه الفئات مخاطر أمنية جسيمة في حال عودتهم إلى أفغانستان، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتهديد والمضايقة بل وحتى القتل المحتمل، وتشير التقارير والمصادر المحلية إلى أن هؤلاء الأفراد يتعرضون لسوء المعاملة وضغوط أمنية بسبب أنشطتهم السابقة وفي كثير من الحالات يستحيل عليهم مواصلة حياتهم الطبيعية.
ويحذر الخبراء من أن العودة القسرية لمثل هذه المجموعات، بالإضافة إلى العواقب الإنسانية والاجتماعية، قد تؤدي إلى تفاقم الخوف وعدم الاستقرار النفسي بين السكان العائدين وزيادة احتمال إعادة الهجرة، حتى بشكل غير قانوني.
الضغوط السياسية من إيران وباكستان
وفي الأسابيع الأخيرة، أعلن المسؤولون في البلدان التي تستضيف اللاجئين الأفغان بما في ذلك إيران وباكستان، عن برامج جديدة لتقييد اللاجئين الأفغان، ففي إيران أعلن رئيس مركز شؤون الأجانب واللاجئين بوزارة الداخلية، أنه بموجب الخطة الحكومية الجديدة، لا يحق سوى لـ 50 % من اللاجئين الأفغان، البالغ عددهم حوالي ستة ملايين الحصول على تصاريح إقامة قانونية، من جهة أخرى صرّح وزير الدفاع الباكستاني بأن بلاده لم تعد تملك القدرة المالية والاجتماعية على مواصلة استضافة "ملايين اللاجئين الأفغان" وأنه يجب تسريع عملية إعادتهم إلى أفغانستان.
ويرى خبراء الهجرة أن هذه التطورات مؤشر على تزايد "الضغوط الهيكلية" على المهاجرين الأفغان، في الواقع بينما تصف الحكومات المضيفة العودة بأنها طوعية، تشير الأدلة الميدانية إلى أن العديد من العائلات أُجبرت على العودة نتيجة تهديدات بالترحيل أو خفض الخدمات أو الاحتجاز.
العواقب الإنسانية
تأتي العودة الجماعية للاجئين في وقت تواجه فيه أفغانستان أزمات اقتصادية وغذائية ومعيشية حادة، ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة اضطر أكثر من 90% من الأسر الأفغانية إلى خفض حصصها الغذائية أو بيع ممتلكاتها للبقاء على قيد الحياة، ومع وصول عشرات الآلاف من العائدين الجدد ازداد الضغط على موارد البلاد المحدودة، بما في ذلك فرص العمل والسكن والتعليم والخدمات الصحية، بشكل كبير.
علاوة على ذلك أدى نقص البنية التحتية اللازمة لاستيعاب العائدين ودمجهم إلى زيادة خطر تفاقم عدم الاستقرار الاجتماعي والهجرة غير الشرعية، وتعاني النساء اللواتي يواجهن قيوداً اجتماعية ووظيفية، أكثر من غيرهن من عواقب هذا الوضع.
ويحذر المحللون من أنه إذا استمر هذا الاتجاه، فإن المناطق الحدودية في أفغانستان سوف تصبح بؤرة للأزمات الإنسانية والأمنية، مما يؤدي إلى تكثيف دورة الهجرة والفقر وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة.