تعليق عمل الجمعيات في تونس يضع النساء في عزلة مزدوجة
تتأثر النساء بشكل مضاعف من تعليق عمل الجمعيات النسوية التي تقدم خدمات متميزة لهن تغفل الدولة عن توفيرها على غرار المرافقة القانونية والاجتماعية والنفسية، حيث كانت مراكز الجمعيات خلال السنوات الأخيرة الملجأ الأول للنساء خاصةً المعنفات والكادحات.
تونس ـ أكدت ناشطات وحقوقيات أن قرار تعليق نشاط الجمعيات النسوية في تونس يُعد سابقة خطيرة تهدد وجود هذه المنظمات كفاعل أساسي في منظومة حقوق الإنسان، ويؤثر سلباً على المستفيدات من خدماتها.
لا يزال قرار تعليق نشاط الجمعيات في تونس، لا سيما النسوية منها، يثير الكثير من الجدل، خاصة بعد مرور أكثر من شهر على اتخاذه، رغم استيفاء هذه الجمعيات لجميع الوثائق المطلوبة من قبل الجهات الرسمية، هذا التأخير في رفع التعليق يعمّق المخاوف من استمرار الوضع الراهن خصوصاً أن القرار شمل جمعيات ذات تاريخ طويل في العمل الحقوقي ونشاط بارز في الدفاع عن حقوق الإنسان والنساء ما يطرح تساؤلات حول دوافع هذا الإجراء وطبيعته المؤقتة.
ويؤكد الناشطون والناشطات أن تعليق أنشطة الجمعيات جاء ضمن سياسة ترمي إلى القضاء على المجتمع المدني والتنسيق على الأصوات الناقدة للوضع الحالي، ويعتبر هؤلاء الإجراءات الفجائية تراجعاً وضربات للحريات المدنية وحرية التنظيم وارتفاع غير مسبوق في التهديدات التي استهدفت حرية الصحافة والتعبير والتفكير.
"الجمعيات النسوية كانت سنداً للحركة الوطنية"
وقالت الناشطة النسوية والباحثة في علم الاجتماع نجاة العرعاري، أنه منذ الثلاثينات كانت الحركات النسوية تدعم الحركة الوطنية التي ناضلت من أجل حق النساء في التعليم والمساواة مع المرأة الفرنسية حينها، لافتةً إلى أن تاريخ المنظمات النسوية عريق وازدهر في الأربعينات وتشكلت منظمات على غرار اتحاد النساء المسلمات، لتتطور الحركة وتقدم خدمات عديدة سواءً للحركة الوطنية في ذلك الوقت أو النساء وكانت تجمع التبرعات وتناضل بالطرق المتاحة ما يؤكد أن عمل الجمعيات هو عمل اجتماعي وإنساني ومع تطور الحركة الحقوقية من الطبيعي أن تتحول الجمعيات النسوية وتكون نهج حقوقي للمطالبة بالمساواة التامة والفعلية والحقوق.
وأكدت على أن تعليق نشاط الجمعية تعتبر كسابقة خطيرة لها نتائج وخيمة على الجمعيات في حد ذاتها من ناحية وجودها لاعتبارها فاعل أساسي في المنظومة الوطنية لحقوق الإنسان وكقوة اقتراح وقوة تعديلية وقوة رقابة على مدى احترام مؤسسات الدولة للحقوق والحريات والتزامها بالاتفاقيات الدولية التي تصادق عليها الدولة التونسية.
التأثيرات الاقتصادية
وأشارت إلى أن التعليق أيضاً يتأثر به العاملين والعاملات في هذه المنظمات لاعتبارها فعل اقتصادي تنموي، علاوة على الخدمات التي تقدمها هذه الجمعيات بمختلف التفرعات، إضافة إلى أن المستفيدات من خدمات المنظمات على غرار النساء المعنفات اللواتي تتلقين الدعم منها من ناحية مراكز الإيواء والاستماع والانصات، وتلك التي تقدم دعم اقتصادي للضحايا حتى تمكنهن من العنف وتحقيق الاستقلالية المادية وأخرى التي تقوم بالإحاطة النفسية لهذه الفئة وهي تعاضد جهود المؤسسات من خلال تبني هذه الحالات ودعمها اجتماعياً ونفسياً وقانونياً من خلال الإعانة العدلية مثلا.
وأفادت بأن الجمعيات شريكة مع الدولة وتغطي الثغرات التي تغفل الدولة عن القيام بها، وتعليق الأنشطة سيلحق أضراراً ضخمة على المستفيدات اللواتي أٌغلقت أبواب الجمعيات في وجوههن ببرقية من رئاسة الحكومة.
"النساء المعنفات دون سند الآن"
واعتبرت الصحفية المدافعة عن حقوق النساء، والناشطة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ريم السعودي، أن قرار تعليق الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تجمدت من ورائه الخدمات المقدمة للنساء المعنفات والمستحقات لمرافقة قانونية واللواتي تلجأن لها وتتابع معهن بشكل مجاني سواءً قانونياً أو نفسياً أو استشارة مهما كان نوعها "اليوم تجمدت مراكز الانصات والاستماع لضحايا العنف وفقدت هذه الفئة مرافق ومساند أساسية لهن في مسار التقاضي خاصة وأن الخدمات المقدمة في هذا الإطار من قبل الدولة منقوصة للغاية وبالتالي تركن النساء معزولات دون مرافقة وهو ليس من ميزات النساء الديمقراطيات التي ترافق وتساند وتحتضن كل النساء دون تمييز".