"سيبقى اسمك شعلة في الظلام" مريم يحيوي توصف نضال بخشان عزيزي برسالة
كتبت الناشطة المدنية مريم يحيوي في رسالتها إلى الناشطة بخشان عزيزي "إن التاريخ سوف يدين الظالمين، لكنه سيحفظ اسمك مثل شعلة في الظلام، الحياة لها معنى خاص بالنسبة لكِ، حتى عندما تقفين في ظل الموت".

مركز الأخبار ـ وصفت مريم يحيوي في رسالتها حياة السجينات داخل سجن إيفين بدءاً من إعداد خبز التمر إلى لعب الكرة الطائرة بشغف، وصولاً إلى لحظة دخول الطفلة تسنيم إلى الجناح، حيث كانت مصدراً للأمل وسط الجدران القاسية.
تروي الناشطة المدنية والسجينة السياسية السابقة مريم يحيوي، لحظات من تجربتها وتجارب سجينات أخريات إلى جانب بخشان عزيزي في رسالة وجهتها إلى زميلتها السابقة في الزنزانة، المحكوم عليها بالإعدام بخشان عزيزي وجاء فيها "كنت أرغب في الكتابة عنك لبعض الوقت، لكن هجوم الأفكار كان يمنعني اليوم أريد أن أكتب عن بعض المشاهد من حياتنا المشتركة في جناح النساء بسجن إيفين، رغم أنني أعتقد أن الكلمات، مهما كانت مختارة بعناية، لا يمكنها أن تنقل الشعور كما ينبغي.
أتذكر أنه كان يوم الزيارة، أنا وأنتي وعدد قليل من الآخرين مُنعنا من الزيارة بسبب الهتاف ضد أحكام الإعدام، كانت الساعة حوالي العاشرة صباحاً رأيتك وقد أعددت الطحين والماء والزيت على الطاولة الخاصة في الغرفة رقم 1، بالقرب من المطبخ وكنتي تعجنين العجين بيديك الرقيقة، سألتك ماذا تفعلين؟ ليس لديك زيارة أليس كذلك؟ قلت هل تتذكرين عندما صنعت خبز التمر قبل يومين؟ قالت نعم بالطبع قلتِ لم يصل إلى الأطفال في العزل وزهرا حامل فلا بد أنها اشتهته اليوم استفدت من هدوء المطبخ.
ثم ضحكتِ وقالت لا تنظري إلي هكذا؟ اسكبي بعض الماء على العجين، ينبغي أن يُعجن جيداً ويستريح لبضع ساعات، وفي حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر ذهبتِ إلى الساحة الخارجية للعب الكرة الطائرة، تأخذين اللعب بجدية كأنك في مسابقة رسمية مع فريق محترف، عندما يرتكب أحدهم خطأ تغضبين، وبجسدك النحيل، تضربين الكرة بقوة لدرجة أن أثرها يُرى في الهواء، أكثر من مرة، أرسلت الكرة خارج أسوار السجن المرتفعة والأسلاك الشائكة إلى الساحة الخارجية للجناح الرابع، من عاداتك أن تشعلي سيجارة بين كل شوط، ولكنك نادراً ما تتمكنين من أخذ أكثر من نفس عميقين.
كما تقولين دائماً، الوقت الوحيد الذي لا تفكرين فيه بأي شيء سوى اللعبة هو عندما تلعبين الكرة الطائرة، وحوالي الساعة السادسة مساءً أراكِ مرة أخرى، أعددت المائدة نفسها وكنتِ تفصلين نوى التمر بعناية، وتضعينه بدقة في وسط العجين، يبدو أن ظلال نظراتي تثقل عليك، ترفعين رأسكِ وتبتسمين عيناكِ تتلألآن وتبرقان.
حوالي الساعة 8 مساءً تسنيم، التي وُلِدت حديثًا في جناح النساء بسجن إيفين وأكملت عامها الأول، تصل إلى الجناح في حضن والدتها قادمة من العزل، عندما تمر تسنيم عبر باب العزل إلى الجناح، تبدو متحمسة وكأنها تشعر بالخروج من قفصها الصغير والرطب والمُظلم إلى قفص أكبر، حيث الجميع متشوق لرؤيتها.
أما أنتِ فعندما ترين تسنيم، يذهب عقلك وقلبك بعيداً، ضحكات تسنيم العذبة ربما يكون الشيء الوحيد الذي يذكرنا بالحياة خارج جدران السجن، يذكرنا بالحياة نفسها تقتربين منها قائلة، تسنيم جيان، تحتضنينها، وتغمرينها بمشاعر الحب بلغتك الأم، ويبدو أنها تفهمك جيداً، إذ ترد عليك بضحكات نابعة من القلب وعينيها البريئتين المليئتين بالفضول، تمضيان نحو سريرك، تروين لها قصة، قصة تحمل بين طياتها الألم والأمل، ثم تبدئين في غناء تهويدة كردية لها، خلال كل هذا، أظل أستمع إلى صوتك وصوت تسنيم، لا أفهم معنى التهويدة، لكنني أشعر بألم غريب وعشق نبيل يتجلى في كلماتها، أهمس لنفسي بخشان تعني الشعر، أردد في داخلي أنتِ داعمة رائعة، تعشقين الأطفال، وتحملين هموم النساء والأطفال.
ذات يوم كنتي تداوين جراح نساء وأطفال كوباني في مواجهة داعش داخل المخيمات، والآن هنا خلف هذه الجدران، تحت وطأة حكم الإعدام الظالم واللاإنساني، تمنحين الأمل والدفء لطفلة صغيرة، والديها متهمان بالانتماء لداعش، أنتي رفيقة ومساندة لوالدتها، تصنعين خبز التمر لسبع نساء في السجن، جميعهن متهمات بالانتماء لداعش، الحياة والإنسانية تأخذان معنى عظيم لديكي، لو يعلم من أصدر حكم إعدامك أن البذور التي زرعتِها بيديك خبز التمر ضحكات تسنيم أمل هؤلاء النسوة ستنبت يوماً بين جدران السجن، كيف سيكون شعوره؟ التاريخ سيُدين الظالمين، أما اسمكِ، فسيبقى كالشعلة في الظلام، الحياة، بالنسبة لكي تحمل معنىً خاص حتى وأنتِ واقفةٌ في ظل الموت".