قتل الحياة... قصة موجة الإعدامات في إيران

أثارت راشين باكرو، الناشطة النسوية، بسؤالها كيف يُمكن حرمان شخصٍ هو جوهر الحياة من الحياة؟ ردة فعل واسعة في وجه موجة الإعدامات الواسعة في إيران؛ حيث تُعرّض حياة مئات الأشخاص للخطر لمجرد معتقداتهم، والصمت عليّها يعني الهزيمة.

سيران زكري

ليلاخ ـ شهدت موجة الإعدامات في إيران نمواً مُقلقاً وملحوظاً مُقارنةً بالسنوات السابقة، وأثارت قلقاً بالغاً لدى المواطنين، حيث يعتقد الكثيرون والناشطون وعلماء الاجتماع أن إيران تسعى من خلال اللجوء إلى الإعدامات، إلى خلق جوٍّ من الخوف والرعب للحفاظ على بقائها.

في شهر نيسان/أبريل 2025، بلغ عدد الأشخاص الذين أُعدموا 85 شخصاً؛ بينما لم يتجاوز هذا العدد 23 شخصاً في الشهر ذاته العام الماضي، حيث تُشير هذه الزيادة، التي تزيد عن ثلاثة أضعاف، إلى سياسة مُستهدفة ومُتسارعة، ويُذكر أن موجة الإعدامات هذه بدأت مباشرةً بعد عيد نوروز، في 9 أبريل/نيسان الماضي، دون انقطاع.

وأشار تقرير حملة "الثلاثاء لا للإعدام" إلى أن عدد حالات الإعدام في شهر أيار/مايو وحده بلغ نحو 129 شخصاً؛ بينهم أربع نساء وطفلان، كما تضاعف هذا الرقم عدة مرات مقارنةً بالشهر ذاته من العام الماضي.

وفي الوقت نفسه، فإن عدداً كبيراً من المعدومين هم سجناء سياسيون، ولا يزال كثيرون غيرهم يواجهون خطر الإعدام؛ الأمر الذي أثار غضب وقلق نشطاء حقوق الإنسان، الذين يسعون بكل ما أوتوا من قوة لكسر هذه الأحكام ووقف دوامة الإعدامات.

 

"الحرية مبنية على شجاعتهن"

وفي هذا الصدد، قالت الناشطة راشين باكرو "أكتب لمن تقبعن في السجون لمجرد أفكارهن ومعتقداتهن؛ لمن لا تزال أصواتهن حتى من خلف القضبان تُلهم الناس ولم تستطع سجونهن إسكاتهن، أكتب لأنني ربما سأُسجن يوماً ما بسبب معتقداتي؛ وأريد أن يتذكرني أحد، أتذكر وريشة، وبخشان، وزينب، وشريفة، وغيرهن من المناضلات؛ لم أنسهن قط في الأيام والشهور التي مضت".

وأضافت "في خيالي، أنا في السجن بجانبهن، أتحدث إليهن عن النساء، عن اضطهاد الشعوب والأقليات، أعلم أنهن لم يتوقفن عن المقاومة على الجانب الآخر من الجدران؛ أعلم أنهن أصوات نساء أخريات، يُخفين آلامهن ليكونن آذاناً صاغية للآخرين، لأنهن لا يستطعن ​​البقاء بلا هدف، ولا يبالين، إنهن الحياة نفسها؛ مليئة بالمعنى والحافز والشغف واليقظة، تتذكرهن الجبال، والأشجار أيضاً، والحرية، كلما سمعت أسماءهن، تُقسم بشجاعتهن".

وتساءلت راشين باركو "كيف يُمكن شنق فكرة راسخة كهذه؟ كيف يُمكن حرمان الحياة من جذورها التي تُمثل جوهر الحياة؟ لقد جاءت هؤلاء النساء ليُغيّرن هذا العالم الفاسد الذي خلقته البربرية، لا يُمكن إسكاتهنّ بهذه البساطة، لا يُمكن التظاهر بأنهنّ لم يعدن موجودات بسحب الكرسي من تحت أقدامهنّ".

 

"نكتب حتى لا نُنسى"

وأوضحت راشين باكرو "وظيفتي هي الكتابة؛ لتبقى في ذاكرة التاريخ، لتعرف الأجيال القادمة أي أنوار أشرقت في قلب الظلام، وأي نساء وقفن بصمت وثبات ضد الموت والصمت، ففي حملة "الثلاثاء لا للإعدام"، كرّسنا كل طاقتنا لرفع مستوى الوعي، أحياناً نتحدث عن السجناء في تجمعات عائلية، وأحياناً نجتمع في منازل بعضنا البعض، وفي كل مرة، ندعو النساء لمناقشة أوضاع هؤلاء المناضلات؛ وحول ما يمكن فعله؟ كيف يمكننا أن نكون مؤثرات؟ كيف يمكننا منع الإعدامات؟"

ولفتت إلى أنه "أحياناً تولد أفكار جديدة، وأحياناً تنضم إلينا نساء لم يسمعن قط بوريشة ورفيقاتها؛ لكن سماع هذه الأسماء يدفعهن للتفكير ويربط قلوبهن بهذا المسار، أؤمن بأن الوحدة ضرورة لا غنى عنها في كل خطوة، علينا، نحن النساء، أن نكون صوت بعضنا البعض؛ بغض النظر عن لغتنا أو جنسيتنا أو مكانتنا"، مضيفةً "نجتمع معاً ونقرأ الرسائل التي تنشرها هؤلاء النساء من السجن، هذه الرسائل قوة للمقاومة، بلسم للمخاوف، وحافز للثبات على الإيمان، إنها نضال من أجل حرية الفكر والتعبير، وما تستحقه المرأة، كإنسانة حرة، كل يوم ثلاثاء، نُذكر بأن حياةً على المحك، وليس لنا الحق في البقاء غير مبالين؛ لأنهن سُجنّ من أجل حريتنا".

وشددت على أنها "عكس العديد من الناشطات، لستُ مهتمة بالأعمال البراقة غير المثمرة، أؤمن بأن التغيير يبدأ من المنزل؛ من خلال التواصل الحميم والوثيق، من خلال محادثات صغيرة لكنها فعالة، يجب أن نصل إلى أرضية مشتركة من خلال العصف الذهني، والاستماع إلى مختلف الآراء، أؤمن بهذا المسار، وأعلم أن عدد النساء الواعيات، والمهتمات، والمؤمنات سيزداد يوماً بعد يوم، نساء قد يكنّ عالقات في روتين المنزل اليومي، لكن بإمكانهن، بل يجب عليهن، أن يكنّ أمهات واعيات".

وأكدت "إذا كنا حتى الآن قد رأينا في الغالب نساءً عاملاتٍ وخريجاتٍ جامعياتٍ في صفوف الناشطات، فقد حان الوقت الآن لربات البيوت، حتى غير المتعلمات، للانضمام إلى هذه المجموعات، لديهن تجارب رائعة، ويعرفن الحياة بشكل أفضل، ولمسنَ الألم بعمقٍ أكبر"، وفي النهاية، بأملٍ هادئٍ ولكنه راسخ، قالت "على أمل يومٍ تكون فيه السجون خالية، ولا يُسجن إنسانٌ بجريمة الفكر".