من خلال أفلامه... مهرجان خريبكة يحاول معالجة قضايا نسائية

تميزت العروض السينمائية التي طبعت الدورة 25 للمهرجان الدولي للسينما الأفريقية بالاهتمام بقضايا النساء، من خلال سلسلة من الأفلام لمخرجات أفريقيات، حاولن معالجة القضايا النسائية في علاقتها بالتحرر من القيود التي يفرضها المجتمع والتصدي للصور النمطية السائدة.

رجاء خيرات

المغرب ـ تتواصل فعاليات المهرجان الدولي للسينما الأفريقية من خلال تناول قضايا التمييز ضد النساء وانعدام المساواة داخل المجتمعات الأفريقية، وهو ما فتح نقاشاً أوسع حول هذه القضايا وأهمية معالجتها سينمائياً، حيث تلعب السينما دوراً مهماً في التدريب وتمرير الخطابات بشكل سلس ومؤثر. 

شهدت الدورة الخامسة والعشرون من المهرجان الدولي للسينما الأفريقية حضوراً لافتاً للأفلام التي تناولت قضايا المرأة، حيث برزت أعمال لمخرجات أفريقيات سلطت الضوء على معاناة النساء وسعيهن للتحرر من القيود المجتمعية، وقدمت هذه الأفلام مقاربات جريئة تهدف إلى كسر الصور النمطية السائدة وإعادة رسم ملامح الأنوثة من منظور مختلف وأكثر إنصافاً.

 

"إيميغاني"… احترام خصوصية الزوجة

"إيميغاني" تعني "الحكاية" وهو فيلم رواندي تم عرضه خلال المهرجان ويشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة للمخرج الرواندي دون كويزي، حيث يطرح الفيلم قضية مهمة تتعلق بحق الزوجات في الحفاظ على خصوصيتهن، كأن ترفض الزوجة أن يطلع زوجها على هاتفها ويعرف تفاصيل عن كل المتصلين بها، في حين يعطي لنفسه الحق في الحفاظ على خصوصياته بعيداً عن عين زوجته، وينتهي الفيلم بتعرض الزوجة للعنف من طرف الزوج الذي يجهز عليها ويسلبها الحياة بسبب شكه في سلوكها.

وشكلت الثقافة الرواندية والأمثال الشعبية واللغة المحلية عناصر أساسية في بناء الفيلم، وذلك من أجل نقل صور حيّة من صميم المجتمع الرواندي، بالإضافة إلى توظيف الموسيقى الرواندية وإرفاقها بالأبيات الشعرية للتعبير عن واقع النساء في رواندا.

 

"نكينزي" وإنجاب الإناث

وفي المجتمع الأوغندي ما يزال إنجاب الإناث يلاحق النساء، حيث ينظر إليهن على أنهن غير مكتملات، ويتم تحريض الزوج على الزواج من امرأة أخرى ليكون له أبناء ذكور يحملون اسمه.

هذه القضية الشائكة التي لاتزال تخيم على بعض المجتمعات الأفريقية شكلت محور فيلم "نيكينزي" للمخرجة الأوغندية رحيمة نانفوكو، وهو الفيلم الذي يشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان.

 

"ورثة"… حرمان الإناث من الميراث

ويسلط فيلم "ورثة" للمخرج التشادي أرون باداكي" الضوء على قضايا حرمان الإناث من الميراث وتزويد القاصرات والهيمنة الذكورية الأبوية، حيث تتمحور أحداث الفيلم حول الطفلة "صبورة" التي لها من اسمها نصيب، يحاول عمها ""بريمة" أن يحرمها من الميراث بعد وفاة والديها، ويقرر تزويجها من رجل في عمر أبيها.

وترفض "صبورة" بشجاعة قل نظيرها هذا المصير، فتقرر الدفاع عن نفسها وحقها في الإرث واختيار حياتها بالشكل الذي ترضاه لنفسها، لتصبح بذلك رمزاً لصوت المرأة الأفريقية في مواجهة الظلم والاضطهاد.

ويثير الفيلم النقاش حول التمييز ضد النساء في المجتمعات الأفريقية، وتجسد "صبورة" وضعية العديد من الفتيات في المجتمعات الأفريقية اللواتي تعانين من الظلم والإقصاء تحت مظلة العادات والتقاليد، وينتهي الفيلم بقتل العم من طرف مجموعة من أطفال الشوارع المشردين، في إشارة إلى غياب قوانين منصفة وعدالة.

 

"راضية" وتحرر النساء من القيود المجتمعية

ويطرح فيلم "راضية" للمخرجة المغربية خولة أسباب بنعمر قضية تحرر النساء من القيود التي يفرضها المجتمع الذكوري بالأبيض والأسود، اختارت المخرجة أن تصور الفيلم الذي يتناول قضية "راضية" امرأة استسلمت للعادات والتقاليد، حين قبلت أن تكون ممزقة بين أعباء البيت والعناية بالأطفال، وتمر السنوات وهي غارقة في المهام التي حددتها لها الثقافة الذكورية للمجتمع، دون أن تلتفت لرغباتها ومشاريعها الخاصة.

ويكبر الأبناء ويموت الزوج فتصبح "راضية" وحيدة، بعد أن انفض الأبناء وذهبوا إلى حياتهم الخاصة، تتلقى "راضية" حصصاً من العلاج النفسي بسبب حالة الاكتئاب التي أصابتها، وأثناء جلسات البوح تخبر المعالجة أن المرأة تبدأ رحلة عمرها باللباس الأبيض (لباس العروس)، ثم يموت الزوج وتلبس الأبيض حتى لا ينظر إليها أي رجل قبل انتهاء العدة (ثلاثة أشهر) ثم تلبس الأبيض إلى مثواها الأخير (الكفن)، وفي نهاية الفيلم تنتفض وتتمرد امرأة تولد من جديد على "راضية" القديمة المنوعة والمستسلمة للعادات والتقاليد، وتقرر أن تتحرر من القيود و تبدأ من جديد، من خلال إخراج الدراجة النارية من مرآب البيت والركوب عليها والانطلاق في رحلة جديدة، لتقول إن امرأة بداخلها قررت أن تبدأ من جديد.

وعن اختيار الأبيض والأسود، قالت المخرجة المغربية خولة أسباب بنعمر، إنها سبق وأن صورت فيلمها الروائي الطويل الأول الذي يحمل عنوان "نور في الظلام" بالأبيض والأسود، وقد ارتاحت لهذا الاختيار فقررت أن تصور فيلمها "راضية " الذي يشارك ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان خريبكة بنفس الطريقة.

وعما إذا كانت "راضية" قد انتصرت للمرأة المتمردة والثائرة على التقاليد، أكدت إن الهدف من تصوير هذا الفيلم ليس الانتصار لفئة من النساء تمردن على الأوضاع السائدة، إنما أرادت أن تسلط الضوء على جانب مهم من حياة النساء اللواتي استسلمن لما هو سائد في المجتمع، واخترن أن تقبلن بكل ما يفرضه المجتمع عليهن، في حين هناك دائما اختيارات أخرى في الحياة.

وأوضحت أن "راضية" بطلة الفيلم اتخذت قرارات في حياتها دمرتها وأساءت للعديد من الناس المحيطين بها، ظلت تتفانى في خدمة الآخرين ونسيت أن تهتم بنفسها وبرغباتها الخاصة، وبعد مرور السنين، وجدت نفسها قد خسرت العديد من الأشخاص من حولها، وهي بما كانت تسديه من خدمات لم يطلب منها أحدهم أن تقوم بما قامت به.

وأشارت إلى أن بطلة الفيلم ظلت تركض طيلة حياتها لتضع نفسها في قوالب لم تفرض عليها، إنما هي من اختارت أن تكون في تلك الوضعية إرضاءً لغيرها "أن العديد من النساء بحاجة إلى إعادة النظر في طريقة عيشهن، بسبب اختياراتهن الخاطئة، وحيث أنه أحيانا كثيرة تكون لهن حرية الاختيار بعيداً عن القوالب الجاهزة".