من الاستقلال إلى الانهيار... الاقتصاد يخذل الإيرانيات أمام الأزمات

في ظلّ حربٍ مفروضة، تتحمّل النساء العبء المزدوج ليس فقط في إدارة الأسرة، بل في مواجهة الانهيار الاقتصادي، والقلق الاجتماعي، ومستقبلٍ غامض.

ماريا قديمي

سنه ـ لا تقتصر أضرار الحرب على الخسائر البشرية والنفسية، بل تصيب النساء أيضاً بأضرار اقتصادية جسيمة قد لا تُعوّض، ففي بيئة الحرب، تتحمّلن عبء الحياة الثقيل؛ فهنّ الملاذ الآمن للعائلة، تسعين لإعادة الهدوء إلى أجواء المنزل، وتجتهدن في تأمين الغذاء وتخزينه.

عدد من النساء العاملات في مجالات مهنية مختلفة تعانين أضرار متنوعة إزاء الحرب التي اندلعت بين إيران وإسرائيل منها اقتصادية جسيمة، حيث قالت ليندا عظیمي، مبرمجة من مريوان ومقيمة في سنه شرق كردستان، كانت تعيش حياة مستقلة قبل اندلاع الحرب، لم تكن فقط تؤمّن نفقاتها، بل كانت تقدم الدعم المالي لعائلتها أيضاً، لكنها اليوم بلا عمل "منذ بداية هذه الحرب، فقدت عملي الذي يعتمد كليّاً على الإنترنت، ومن دون شبكة مستقرة وسريعة، لا يمكنني إنجاز شيء، في السابق، كان الإنترنت غير مستقر ويعاني من انقطاعات متكررة، أما الآن فهو مقطوع تماماً في كثير من الأيام".

وأوضحت "ما يقلقني أكثر من وضعي الشخصي هو حال الأهالي، هناك أيام تُغلق فيها الأسواق وتتوقف الأعمال، يكون الفقراء هم أول من يسحق تحت الضغط، حين أفكر فيمن لديهم أطفال، أو مرضى بحاجة إلى علاج، أو يواجهون عشرات النفقات الضرورية الأخرى، أشعر بحزن شديد يتعمّق حين أرى كيف أن حكومتين، باسم البقاء ومصالحهما، جعلتا حياة ملايين البشر رهينةً لذلك، هذه المقامرة بأرواح الناس تقلقني".

 

"حلم بُني بالتقسيط ينهار بانقطاع الإنترنت"

سروه مشايخي، صاحبة متجر إلكتروني، قالت "لقد أمضيت ثلاث سنوات في محاولة إطلاق متجري الإلكتروني، كنت على وشك الوصول إلى دخل مستقر، لكن الآن كل شيء ينهار بسهولة، انقطاع الإنترنت وضعفه من جهة، وتراجع القدرة الشرائية لدى الناس من جهة أخرى، حتى لو تغاضيت عن بطء الإنترنت، فماذا أفعل أمام هذا الإحباط وغياب القدرة المادية لدى الزبائن؟ لم يعد لدى الناس رغبة في شراء ما هو غير ضروري، لأن أولويتهم أصبحت البقاء، لا أسلوب الحياة".

وأضافت "الآن أجد نفسي مع كمية ضخمة من البضائع التي اشتريتها بالتقسيط، ولا يوجد أي عائد منها، لا يوجد عمل يمكن أن يدوم في إيران؛ كل يوم تظهر أزمة جديدة تقوض جميع الخطط والآمال، لا أعلم حقاً إلى أين يمكن أن نلجأ من أجل الحصول على حياة طبيعية".

 

ورشة صغيرة تحت أنقاض الحروب الكبرى

بدورها، قالت آذر نيكبي، فنانة تعمل في ورشتها الصغيرة في الصناعات اليدوية والفنية، وهي أيضاً تمرّ بأيام صعبة "في الفترة الأخيرة، تراجعت الطلبات بشكل حاد، ولم يكن لدي أي دخل فعلي، حتى تكلفة شراء المواد الأولية لم أستطع تعويضها، هل من الممكن أن نواصل العيش في هذا البلد من دون دخل؟ خاصة في مكان تتغير فيه الأسعار ليس شهرياً، بل كل ساعة".

وأوضحت "مع الحرب، يرتفع سعر الدولار، ومع الدولار، ترتفع أسعار كل شيء، أي أننا نواجه في لحظة واحدة عدة حروب سياسية، اقتصادية، نفسية، والتفكير في احتمال دخول أزمة جديدة في أي لحظة، وهذا الترقب الدائم، أمر مؤلم حقاً".

وفي ختام حديثها قالت "ليت السياسيون لا يجعلوننا ضحايا لرغباتهم وأنانيّاتهم، النساء لا تناضلن من أجل لقمة يومهن فقط، بل من أجل بقاء أحبّائهن أيضاً".

 

حرب بلا إذن... النساء بين الانهيار والمقاومة

ثُريّا دلشاد، من سكان طهران، أمٌّ تشعر بثقل الحياة هذه الأيام لا في متطلبات الأسرة فحسب، بل في أعماق نفسها أيضاً، قالت "أحد أطفالي مصاب بالتوحّد؛ يفرّ من الناس ويشعر بانعدام الأمان بدرجة تفوق الشخص العادي، في هذه الأيام المتوترة، اضطررت ألّا أفارقه لحظة واحدة، حاولت أن أزرع داخله شيئاً من الطمأنينة من خلال بقائي الدائم إلى جانبه، كونه يتأذى حتى من أبسط الأصوات".

وبينت أنه "مصدر دخل أسرتنا كان متجراً لبيع الملابس، لكنه الآن مغلق فعليّاً، تأخرت في دفع إيجار البيت والمتجر، ولم نعد قادرين حتى على توفير أبسط احتياجاتنا الأساسية، حين أجمع بين الضغوط المالية، القلق على المستقبل، وقلق طفلي المستمر، أجد نفسي منهكة وذهني مشوش".

وأوضحت أنه "في أيامنا هذه، الأمومة لا تعني فقط التربية؛ بل الوقوف في الصف الأول لمواجهة الانهيار النفسي والفقر، دون أن تنكسر".

نظرة النساء إلى الحرب وتبعاتها ليست واحدة، فالكثير من النساء اللواتي عملن لسنوات لبناء حياة مستقلّة، يعتبرن إغلاق الورش وتعليق أعمالهنّ اليوم هزيمة مُرَّة، وبالنسبة لهنّ، العمل لم يكن واجباً اقتصادياً فقط؛ بل شكلاً من أشكال المقاومة ضد البنى الذكورية التي سعت لحصرهنّ في المنازل.

الكثير من هؤلاء النساء وصلن لتوّهن إلى قدر من الاستقلال بعد سنوات من الجهد، وها هنّ اليوم تشهدن كيف أن كل تلك المكاسب مهدّدة بالزوال، ومع ذلك، لا ترى كل النساء في هذه الظروف نهاية الطريق، فبحسب البعض، ما لا يمكننا السيطرة عليه لا يجب أن يتحوّل إلى شعور بالهزيمة.

 

الوعي الجماعي... الترياق في مواجهة الأزمة

هاني رسولي، برؤية واقعية للواقع المعاش، تدعو النساء إلى عدم الاستسلام لليأس، بل الاعتماد على قوتهنّ "أعلم أن كثيراً من النساء مثلي فقدنَ وظائفهن أو تعطلت أعمالهن، لكن اليأس هو آخر ما يجب اللجوء إليه، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على النساء أن يتقرّبن من بعضهن، يتعاونّ لتجاوز هذه المرحلة الصعبة، وتشاركن أفكارهنّ لإيجاد سُبلٍ لتقليل الأضرار، سواء اقتصادياً أو نفسياً أو اجتماعياً".

وقالت "المؤشرات تشير إلى أن هذه الحرب مستمرة، لذا، قبل أن تزداد الأمور سوءاً، ينبغي أن تجتمع النساء الواعية، تعقدن جلسات عصف ذهني، وتبحثن عن حلول عملية لأوضاع مثل انقطاع الإنترنت أو الفوضى الاجتماعية، حيث يمكن أن تكون هذه التجمعات محلية، ودّية، أو ضمن الأطر العائلية والقبلية".

وأكدت أن "الناس أثبتوا مراراً قدرتهم على التحرك التلقائي والفعال في الأزمات، لكن هذه المرة، ينبغي أن نتقدم بوعي واستعداد أكبر، ويجب ألا نغفل عن تجربة النساء اللواتي عشن الحروب، فهنّ قادرات على تعليم الأجيال الشابة كيفية توزيع المهام، الحفاظ على الهدوء، وتمهيد طريق النجاة في قلب الأزمة، فهذه ليست ظروفاً يتمناها أحد، لكن إن أردنا ألّا نبقى سلبيين، علينا أن نُفعّل وعينا الجماعي".

 

التغيير الحقيقي ينبع من الشعب ذاته

بدورها، انتقدت شاهده أردلان، الواقع "هذه الحرب لم تكن خيارنا، ودعم أمريكا لن يكون طوق نجاة، التغيير الحقيقي يجب أن ينبع من الداخل، من الشعب نفسه، وإلا، فلن تتغير سوى الوجوه، وسنبقى أسرى لقوانين جديدة، لكن بنفس القيد".

وأعطت صورة واضحة لهذه الحرب "نريد الديمقراطية، لكن هذه الحرب لا تمتّ للحرية ولا لحكم الشعب بصلة؛ بل ستخلّف دماراً فقط، يجب أن نكون واعين، وألّا نقع في فخ الوعود الكاذبة، التجربة أثبتت أن لا أحد يفهم معاناة الشعب سوى الشعب نفسه".

وأضافت "هؤلاء الناس عاشوا لعقود مع العنف، السجن، الإعدام، الرقابة، والفقر، وهم يواجهون يومياً تضخماً غير منطقي وبطالة متزايدة، وكأنهم مدينون بحياة كاملة لهذا النظام والعالم من حولهم، إذاً، إن كان لا بد من تغيير، فيجب أن ينبع من قلب هذا الشعب".