العاشر من محرّم في أفغانستان يتحول إلى ساحة للمقاومة تقودها النساء
باتت المناسبات الدينية في أفغانستان اليوم فرصة تعبّر فيها النساء الأفغانيات عن آلامهنّ وصمودهنّ، ففي ظلّ حكم طالبان تحوّلت المراسم الدينية إلى منبرٍ لصوت المقاومة، حيث لم تعد المرأة تبكي الماضي فحسب، بل أصبحت تصرخ مطالبةً بالعدالة والكرامة.

بهاران لهيب
كابل ـ أحيت أفغانستان أمس الأحد العاشر من شهر محرّم التي كانت تُعرف في الماضي بطابعها الديني البحت، ولكن في ظل حكم طالبان الحالي، تحوّل كل تحرّك اجتماعي خاصة من قبل النساء إلى رمز للمقاومة والتحدي، ما أضفى على هذه المناسبة بُعداً سياسياً واجتماعياً جديداً.
على الرغم من الغزوات الثلاث التي شنّتها القوات البريطانية على أفغانستان، ومجزرة الهزارة على يد عبد الرحمن خان 1910ـ1912 لم تنجح أيٌّ من هذه المحاولات في خلق شرخ بين الأعراق والقوميات المختلفة في البلاد، ولكن مع وقوع انقلاب السابع من ثور عام 1979 والتدخل السوفيتي الذي تلاه، وتأسيس الأحزاب المتطرفة في باكستان وإيران بدعم من السعودية والولايات المتحدة، بدأت محاولات إثارة الفتن العرقية والمذهبية والقومية، ومع ذلك فإن هذه المشاريع التقسيمية فشلت أيضاً، رغم أنّ بعض المثقفين الموالين للخارج حاولوا تقديم أنفسهم كـ "ممثلي" المكونات العرقية والقومية المختلفة وسعوا لتأجيج الانقسامات، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم.
أمس لم يكن العاشر من محرّم في أفغانستان مجرد مناسبة دينية، بل تحوّل إلى ساحة رمزية للمقاومة المدنية، تقودها النساء في مختلف أنحاء البلاد، وفي مناطق متفرقة من كابول خاصة في دشت برتشي ذات الأغلبية الهزارة، خرجت النساء لتخليد هذا اليوم بروحٍ مليئة بالتحدي رغم الرقابة المشددة من عناصر "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التابعة لطالبان، ففي كل زاوية وقف عدد من العناصر لمراقبة الحجاب والتدخل بأساليب قمعية، ورغم انقطاع الشبكات وانتشارهم في الأزقة، إلا أن النساء واصلن سيرهنّ بوجوهٍ لا تخلو من السخرية والاستهزاء في مشهدٍ يجسّد صموداً مدهشاً أمام القمع.
ورداً على هذا الجو القمعي، تبادلت النساء النكات فيما بينهن "الانتحاريون يخافون من زملائهم الممارسين، ولهذا السبب يتمتعون بكل هذا الأمن" في نهاية اليوم سارت مجموعة من الفتيات المراهقات في أحد الشوارع، لكن طالبان لم تسمح بالتصوير، كانت شعارات الفتيات تدعو إلى الحرية والديمقراطية والعدالة والحق في التعليم والحق في العمل، لم تسمح طالبان التي كانت حاضرة في مكان الحادث بتدخل من وجهاء المنطقة باستمرار المسيرة وفرّقت المتظاهرين بالعصي في مشهد يُجسّد بوضوح كيف أن يوماً دينياً تقليدياً تحوّل في ظل الظلم إلى مساحة احتجاجية تنشد التغيير.
من دشت برتشي، توجهنا إلى منطقة أخرى في كابول تُدعى كارتي سخي، حيث تعيش عرقيات وجنسيات أخرى إلى جانب الهزارة. كان بداية الطريق مسدودة تماماً ولم يُسمح لأحد بالدخول، وقيل إن نساء تلك المنطقة خرجن أيضاً في مسيرة للانضمام إلى نساء برتشي لكن لم يُسمح لهن بمغادرة المنطقة في محاولة واضحة لعزل الاحتجاجات ومنع امتدادها رغم الطابع التضامني والمدني الذي ميّز هذه التحركات في يوم عاشوراء.
وبسبب تلك الأوضاع المشددة، تمّ منع دخول جميع النساء إلى المنطقة حتى ساعات المساء، حاولنا مراراً الدخول لكن دون جدوى، إذ أُغلقت الطرق في وجه الجميع من الجهة الأخرى، ولم يُسمح حتى للنساء المقيمات داخل المنطقة بالدخول إلى موقع التجمع، مما يعكس حجم التضييق المفروض على أي تحرك نسائي.
زهرة وحيد إحدى النساء اللواتي تسكن الحي والمشاركات في المسيرة كانت ملامحها مشحونة بالغضب وقالت "نحن النساء لا نملك شيئاً سوى بعض الأوراق لكننا أعداء طالبان الألداء، هم يخافون منّا بشدّة لحسن الحظ أدركت النساء الأفغانيات اليوم أن عليهن انتهاز كل فرصة لإسماع أصواتهنّ المكبوتة وأنا فخورة بهن".
وتحت ظل حكم طالبان تحوّلت المناسبات الدينية التقليدية مثل عاشوراء إلى مساحات للاحتجاج الرمزي، حيث باتت تُعبّر عن صرخات النساء في سبيل الحرية، العدالة والكرامة الإنسانية، المرأة الأفغانية اليوم لا تكتفي بالحِداد على الماضي المؤلم، بل تحمل رؤيا واضحة لمستقبلٍ أكثر إنسانيةً وانفتاح، أصبحت رمزاً للأمل والوعي، وباتت تقف ببسالة في وجه القمع، حتى وإن كان سلاحها الوحيد بضع أوراق وهتافٌ يُصرّ على أن يُسمع، هذا التحوّل يُجسّد كيف تحوّل الألم والظلم إلى شعلة مقاومة، تقودها نساءٍ لا تملكن سوى الشجاعة والإيمان بالحق.