ما هو الأسوأ التعليم وفق المناهج المؤدلجة أم بقاءنا في أمية؟

عندما عبر الشعب السوري عن مخاوفه من إنشاء أفغانستان ثانية جاءت التطمينات لكن كل شيء يقول أن وجود فكر جهادي واضح لهيئة تحرير الشام يجعل سوريا في دائرة الخطر.

سناء العلي

يسلب من الشعب السوري حقه في العلم الذي يرفع من شأن الإنسان وتدس الأفكار والأيديولوجية لإنشاء أجيال فاقدة للمعرفة الحقيقية لا تعرف الخطأ من الصواب، بل العمل يجري على قدم وساق لإدخالها في القطيع.

فخلال سنوات الحرب التي تنشب كل عدة سنوات في بلد ما يفقد الأطفال حقهم في التعليم فينشأ جيل أمي لا يحسن القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، كما حدث في العراق ثم ليبيا ولبنان والسودان وسوريا وفلسطين والبلدان الأفريقية التي تعيش أزمة إنسانية بسبب قلة الموارد والفساد الحكومي ربما، فأصبحت تذكر هذه الشعوب في نشرات الأخبار على أنها على شفا المجاعة مع عبارات الاستنكار الدولي المعهودة.

في سوريا عندما سقط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي نهاية عام 2024 سارعت السلطات الجديدة للتلاعب بالمنهاج التعليمي وتغيير الايدلوجية البعثية التي تضمنها لسنوات لغسل الأدمغة، ولكن النوايا لم تكن حسنة فهناك عملية غسل جديدة لأدمغة السوريين وعلى الطريقة الجهادية هذه المرة، فالتغيير بكل تأكيد ووضوح لم يكن باتجاه الأفضل ولكن "التعديلات" أو الأصح تسميتها التشوهات الجديدة أتت على رأس هرم مبادئ أي شعب فما بالك الشعب السوري المعروف بحبه لبلاده، فبدلاً أن يرفع النظام الجديد الحس الوطني لديه بعد سنوات من الحرب من خلال الدفاع عن الأرض يسعى نظام الجولاني إلى رفع الحس الديني بتبديل كلمة الموت في سبيل الوطن للموت في سبيل الله، فما المنتظر من العلمانيين والاشتراكيين والنسويات إلا أن يكفروا بهذا الوطن الذي يحتكره المتدينون، وبالطبع لن يدافعوا عن هذه الخلافة الحديثة لأن ذلك يعارض مبادئهم، أما الإيزيديون فعن أي وطن سيدافعون؟ خاصة أنه تم تحديد الشهيد بأنه "من قتل لإعلاء كلمة الله" وليس من دافع عن أرضه.

عندما عبر الشعب السوري عن مخاوفه من إنشاء أفغانستان ثانية جاءت التطمينات من أحمد الشرع "الجولاني" بأنه لا يمكن تحويل سوريا إلى هذا النموذج، لكن كل شيء يقول أن الرئيس غير المنتخب أحمد الشرع "الجولاني" لم يكن صادقاً أو ليس قادراً على فعل شيء مع وجود فكر جهادي واضح لهيئة تحرير الشام، ومن أتوا من مختلف أصقاع العالم لتطبيق الشريعة الإسلامية في سوريا لن يقبلوا إلا أن تتحقق أمانيهم، وإلا فالجولاني يصبح خائناً لعهده معهم.

يأتي التعديل الثاني في مادة التربية الإسلامية ليجعل منها أساسية في المنهاج الجديد، ومن الممكن أن تتسبب للطلبة في إعادة سنة كاملة من دراستهم إذا فشلو بالنجاح بها حتى وإن كانت ليست من ضمن اختصاصاتهم، فيصبح الدين فرضاً على الإنسان بدل أن يكون وسيلة سلام داخلي تطمئن الإنسان، وبذلك يبتعد الدين عن هدفه الروحي الأسمى وينشأ شعب ليس متدين بالضرورة بل منافق مضطر أن يظهر ما لا يبطن والسوريين الميالين للصوفية مجبرين على أن يكونوا سلفيين ويبالغوا في إظهار تشددهم لإرضاء السلطة الحاكمة.

ففي "سوريا الأفغانية" الذي يساورهم حلم إنشائها، السراط المستقيم هو طريق الإسلام ولا شيء غيره وتفسير كلمة الضالين باليهود والنصارى يشعل الكراهية بين الطوائف المختلفة في البلاد، فكيف لسلطة تدعي أنها جامعة للشعب السوري وأنها قادرة على ضمان السلم الأهلي أن تصف المسيحيين بالضالين.

حتى التاريخ يتم تزويره فتصبح الدولة العثمانية فاتحة بدلاً من احتلال ويتم حذف كل ما يتعلق بجرائمها في سوريا والبلدان التي وصلتها جيوشها والانتهاكات والإبادة بحق مختلف الشعوب لـ 400 سنة من سيطرتها الواسعة على بلدان وشعوب عانت ما عانت من استغلال وتهميش وتجنيد للشبان في الحرب العالمية الأولى ليكونوا وقود حرب لاستمرار سيطرتها.

سواء اتفقنا أم اختلفنا فالحقائق التي اثبتها العلم وعلى رأسه علم الآثار لا يمكن تجاهلها، حيث تم الجزم بما لا يدع مجالاً للشك بأن مجتمع أمومي قائم بحد ذاته شهدته البشرية قُدست فيه المرأة إيما تقديس، وعرفت الإلهات بصفات كلها خير فكانت سيريز أو سيرس في الديانة الرومانية القديمة، وتانيت رمز الأمومة والخصب والنماء وازدهار الحياة لدى الأمازيغ وشعوب قرطاج عموماً، وإنانا أو عشتار إلهة بلاد الرافدين القديمة المرتبطة بالحب والجمال والخصوبة والعدالة، وإلهة الأرض عند اليونان جبا رجی، دريا، وديمتر، وعند العرب اللات، وسبيل، وعند اليونان هيرا. وهناك أبحاث في أصل كلمة الله تقول أنه مأخوذ من اسم الإلهة العربية اللات.

ليأتي النظام الجديد في سوريا ويلغي كل هذه الحقائق التاريخية، ويحذف مثلاً كلمة معبودة من وصف المرأة في العصور التاريخية إضافةً لصور التماثيل وهي منحوتات تركها لنا الإنسان الذي عاش قبلنا بآلاف السنوات، وحذف كذلك صورة الإلهة مردوخ والشرح المتعلق بها، وجميع كلمات "الإله والآلهة"، ولكن للأسف تم تبسيط التعديلات ومخاطرها كثيراً في الإعلام وخاصةً في الشارع السوري وحصرها في حذف اسم زنوبيا من كتاب التربية الإسلامية باعتبارها شخصية خرافية وإلهاء الشعب السوري بهذا التفصيل، وترك بقية التعديلات المتعلقة بالمرأة وتاريخها والعلوم تمر دون جهود لتداركها.

العلم هو أحد أهم الجوانب لتطور البشرية خاصةً في هذه المرحلة من تاريخ الإنسان، بالمقابل يتم على قدم وساق العمل لإنشاء جيل جاهل أو أكثر جهلاً مما هو عليه بالعلوم من خلال التلاعب بحقائق علمية وغسل العقول منذ الصف الأول الابتدائي أي لطفل عمره 6 أو 7 سنوات فقط.

ويبدو أن السلطة الحالية في سوريا ليست فقط ضد فصل السلطات بل أيضاً لا تفصل بين المادة العلمية واللاهوتية، ففي مادة العلوم وبدلاً من اتباع قواعد معينة للوصول إلى نتيجة يتم قتل أي محاولة للتفكير بالقول أن كل شيء هو عطاء الله، أي كل شيء وفق نظرية "كن فيكون" السحرية التي ليست خاضعة لأي قوانين، ويمكن القياس على ذلك جميع المسائل العلمية المرتبطة بالكون والطبيعة وجسد الإنسان، وهذا يبرز بشكل أوضح وما لا يدع مجالاً للشك في تعمد حذف فقرة "أصل الحياة وتطورها على الأرض"، بشكل كامل من كتاب العلوم للصف الثامن الإعدادي، وحذف الوحدة الكاملة "أصل وتطور الحياة" الموجودة في كتاب الثالث الثانوي العلمي، إضافةً لحذف فقرة تطور الدماغ.

أما في المنطقة التي تقع شمال شرق سوريا فهناك إقليم يعيش في عالم مختلف عما تعيشه سوريا على مختلف الأصعدة وفي الجانب التعليمي تم تطوير المناهج التي تخدم الأجيال القادمة بتضمنها لمعلومات هامة تزيد من فرصة مستقبل شباب المستقبل على الأصعدة العلمية والفكرية والفنية، والمميز في هذه المناهج أنها لا توجه الطالب لايدلوجية محددة بل تترك له حرية الفكر في أن تضع أمامه مختلف النظريات الفلسفية والحقائق التاريخية.

ورغم أن التجربة حديثة العهد إلا أن المناهج تم تعديلها العام الماضي لتشمل التغييرات محتوى الكتب وأساليب التدريس اعتماداً على التطورات التكنولوجية والعلمية واللغوية والفلسفية، وعلى عكس حكومة "هيئة تحرير الشام" فإن أحد أبرز الأهداف بهذا التعديلات تنمية جوانب البحث، والمسؤولية، والتعاون والاستنتاج لدى الطلبة.

يمكن اعتبار تزوير المناهج الدراسة الوجه الأقبح للجهل ولكن الأمية هي الوجه الثاني له، الأمية هي الوجه الواضح ولكن ربما ليس الأخطر، وبحسب الإحصاءات الأخيرة يقدر عدد الأميين في البلدان العربية بحوالي 70 إلى 100 مليون نسمة، أي أنهم يُمثلون ما نسبته 27 بالمئة من سكان المنطقة، وتبلغ نسبة الإناث من الأميين حوالي 60 إلى 80 بالمئة، بالإجمال، تبلغ نسبة الأمية بين الذكور في الوطن العربي 25%، وبين الإناث 46%.

تُسرق الحقائق من الناس لكن لا يمكنهم الاستسلام فالإنترنت يتيح للإنسان التعلم أكثر وهناك شخصيات هامة ومثقفة تبث محتوى هادف وحقيقي يمكن من خلاله معرفة الحقيقة والأهم هو عدم الصمت حيال تشويه المناهج التعليمية ويجب أن تكون على سلم أولويات السوريين وجميع الشعوب لأنها تصنع جيلاً يحمي تاريخه والمواطنين ويحترم المرأة.

ويبقى السؤال من هو الضحية بين من يجهل القراءة والكتابة وبين من يتعلم تاريخ مزور، وأيهما في خطر أكبر، أو إيهما يشكل الخطر الأكبر على الشعوب؟