لغة السلام أداة حرب... مواقف دول الشرق الأوسط من الحرب الإيرانية الإسرائيلية
مع اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية في الثالث عشر من حزيران/يونيو الجاري، صرخ العالم العربي من أجل السلام، ولكن هل كان هذا الصوت صدى للخوف أم دبلوماسية محايدة بين الربح والصمت والتواطؤ؟.

شیلان سقزي
مركز الأخبار - في خضم واحدة من أندر المواجهات المباشرة بين إيران والقوات الإسرائيلية، تسعى الدول العربية بنهج حذر ومرن ومتعدد الأوجه، إلى تحقيق توازن هش بين المصالح الجيوسياسية، والاعتبارات الأمنية، والضغوط الدولية، فهذه الحرب تتجاوز كونها نزاعاً ثنائياً، إذ تشكّل تحدياً هيكلياً للنظام الإقليمي واقتصاد الطاقة، وردود فعل الدول العربية، بدلاً من أن تكون موحدة أو عدائية، تُعد انعكاساً لواقعية سياسية في أجواء تسودها الضبابية والحسابات الدقيقة والحاجة للحفاظ على الاستقرار.
في واحدة من أكثر الفترات توتراً في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، تحوّلت الحرب المباشرة التي استمرت 12 يوماً بين إيران والقوات الإسرائيلية، دون مشاركة من الجماعات الموالية لإيران، إلى أزمة إقليمية ذات أبعاد جيوسياسية واسعة، وقد اتخذت الدول العربية، التي تواجه كلٌ منها اعتبارات سياسية وأمنية ودينية واقتصادية مختلفة، مواقف معقدة ومتعددة الأوجه وأحياناً متناقضة، فبعض هذه الدول تربطها علاقات متنامية، رسمية أو غير رسمية، بالقوات الإسرائيلية، وتخشى من عودة النفوذ الإيراني في المنطقة، بينما يسعى البعض الآخر، بدافع من اعتبارات أمنية أو تحالفات استراتيجية أو تبعيات جيوسياسية لطهران، إلى تجنب الانخراط المباشر في النزاع، بل وربما يُظهر دعماً ظاهرياً لطهران من خلال جبهة ناعمة.
مواجهة تاريخية أم مصلحة دبلوماسية؟... الموقف الرمادي للرياض
تتّخذ المملكة العربية السعودية، بوصفها أقوى دولة عربية ومحور قيادة العالم السني، موقفاً متعدد الأبعاد ومعقداً وحذراً من الحرب المباشرة بين إيران والقوات الإسرائيلية. هذا الموقف نابع من تاريخ طويل من التوتر مع إيران، كما يتأثر بمحاولات الرياض الأخيرة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وإعادة بناء موقعها الإقليمي.
من التنافس الديني إلى الحروب بالوكالة، كانت السعودية وطهران منخرطتين في صراعات في اليمن وسوريا والعراق ولبنان. إيران دعمت جماعات كـ الحوثيين، الحشد الشعبي، وحزب الله، بينما وقفت السعودية إلى جانب الحكومات الرسمية والتيارات السنية. هذه المواجهات عمّقت النظرة الأمنية التي تتبناها الرياض تجاه صعود إيران، كما بدا ذلك في هجوم الطائرات المسيّرة على منشآت أرامكو عام 2019، الذي نُسب إلى طهران ورآه السعوديون تهديداً واضحاً.
بعد اتفاقات أبراهام، بدأ الحديث عن احتمال تطبيع بين السعودية والقوات الإسرائيلية، وظهر ذلك في زيارة نتنياهو السرّية إلى مدينة "نيوم" عام 2020، إلا أن الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ عام 2023 عرقل مؤقتاً هذه المساعي. في أزمة الحرب مع إيران، لم تنضم السعودية رسمياً إلى محور إسرائيل، لكنها تفضل رؤية طهران تضعف، شرط ألا تنخرط هي نفسها في الحرب.
وفي آذار/مارس 2023، خلال ذروة احتجاجات "Jin, Jiyan, Azadî" في إيران، أعادت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بوساطة صينية، ما يدل على رغبتها في إدارة الأزمة بدل المواجهة المباشرة. الرياض لا تريد أن تتحول الحرب الحالية إلى أزمة أوسع تؤثر في استقرار المنطقة وسوق النفط، لذا تؤكد على دورها كوسيط للسلام وضامن لاستقرار الطاقة، خصوصاً وأنها تمثل نقطة محورية في الممر الاقتصادي لمجموعة السبع (الممر العربي ـ العبري ـ الغربي) الذي سيربط الهند بإسرائيل ثم أوروبا عبر الرياض. ولذلك، ترى أن استمرار هذه الحرب يُعد تهديداً خطيراً لأمن المنطقة الاقتصادي، وتسعى لتجنب أي تصعيد يعرّض وقف إطلاق النار الحالي أو سوق الطاقة للخطر.
الإمارات... لاعب صامت لكنه نشط
تنتهج الإمارات سياسة محافظة، حيث تدعو إلى وقف التصعيد وتشدد على أهمية ضبط النفس، وتسعى للعب دور الوسيط الإقليمي لمنع تفاقم الأزمة. هذا يعود إلى تنامي علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع القوات الإسرائيلية منذ اتفاقات أبراهام عام 2020، وهو ما يجعل من استقرار المنطقة أولوية لها.
وتعمل أبوظبي على الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع القوات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه تطرح نفسها كوسيط إقليمي محايد. من خلال تبنّي موقف معتدل، تراقب الإمارات ردود الأفعال الإقليمية ولا ترحب بتجدد الحرب بعد وقف إطلاق النار، بل تسعى إلى حلول دبلوماسية تعزز موقعها كمركز للوساطة الإقليمية.
قطر... دبلوماسية على الطريقة الدوحية
تتبنى قطر، بصفتها واحدة من أبرز الفاعلين الدبلوماسيين في الخليج العربي، نهجاً متميزاً وواقعياً ومتوازناً في تعاملها مع التوتر القائم بين إيران والقوات الإسرائيلية، وعلى عكس الإمارات والبحرين، لم تطبع الدوحة علاقاتها رسمياً مع القوات الإسرائيلية، وتحرص على الحيلولة دون تفاقم النزاع، محافظة على دورها كوسيط موثوق به إقليمياً، ورغم التباينات الأيديولوجية، تُعد قطر وإيران "جارين استراتيجيين في الخليج"، كما أن أكبر حقل غاز في العالم (حقل فارس الجنوبي ـ القبة الشمالية) مشترك بينهما.
خلال أزمة حصار قطر (2017–2021)، لعبت إيران دوراً محورياً في دعم الاقتصاد القطري، مما ساهم في ترسيخ علاقات بنّاءة بينهما. في هذا السياق، تتبنى الدوحة موقفاً محايداً وسلمياً تجاه الأزمة الراهنة، علاوة على ذلك كانت قطر من أبرز الداعمين الماليين لغزة وحركة حماس، وتقدم مساعدات مالية شهرية للقطاع، بموافقة القوات الإسرائيلية، لتغطية الرواتب والوقود والمساعدات الإنسانية، كما عملت بالتنسيق مع مصر على التهدئة خلال حروب غزة السابقة، ولعبت دوراً في استضافة المحادثات غير الرسمية بين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي.
من مضيق هرمز إلى طاولة المفاوضات... دبلوماسية نشطة لعُمان في ظل الحرب
يعتمد موقف سلطنة عُمان من الحرب الإيرانية الإسرائيلية على سياستها الخارجية التقليدية، المبنية على الحياد النشط والوساطة والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. لطالما حرصت عُمان على الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع جميع الأطراف، بهدف منع تفاقم النزاعات. فمنذ عقود، حافظت مسقط على علاقات وثيقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكانت في الوقت ذاته تحتفظ بعلاقات غير رسمية وأحياناً سرية مع القوات الإسرائيلية.
في عام 2018، شكّلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، إلى مسقط أحد أبرز مؤشرات السياسة المتوازنة التي تنتهجها عُمان، وفي الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، تدعو عُمان إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، وتسعى جاهدة لتخفيف حدة التوتر عبر القنوات الدبلوماسية، نظراً لإدراكها أن أي زعزعة في استقرار المنطقة قد تُهدد أمن الملاحة في مضيق هرمز، الذي يعد شرياناً حيوياً لعُمان.
من الأمثلة الحديثة على دورها الوسيط، استضافت مسقط قبل شهر مفاوضات غير معلنة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي، وإذا تم استئناف التفاوض واستمر وقف إطلاق النار بين إيران والقوات الإسرائيلية، فمن المرجح أن تعود عُمان إلى هذا الدور. في المجمل، لا تنحاز عُمان انحيازاً كاملاً لا لإيران ولا للقوات الإسرائيلية، بل تسعى للبقاء وسيطاً حيادياً يحول دون تصعيد التوتر باستخدام أدوات الدبلوماسية.
البحرين في معسكر دبلوماسية اتفاقيات أبراهام
تُعد البحرين، رغم كونها دولة صغيرة ولكنها استراتيجية في الخليج العربي، ذات موقف شبه متماهٍ مع السياسات الإقليمية لكل من إسرائيل والسعودية، فمنذ عام 2020 حين وقعت على "اتفاقيات أبراهام" أقامت علاقات رسمية مع القوات الإسرائيلية وسعت إلى ترسيخ موقعها كحليف إقليمي لها وللغرب.
في الحرب الأخيرة، تبنت البحرين موقفاً أكثر صراحة وارتكازاً على الأمن مقارنةً ببعض الدول العربية الأخرى، فمع أن غالبية سكانها من الشيعة بينما يحكمها نظام سني، لطالما اعتبرت البحرين إيران تهديداً أمنياً وأيديولوجياً، وقد اتهم مسؤولوها طهران مراراً بالتدخل في الشؤون الداخلية وتحريض الشيعة البحرينيين وتقديم الدعم المالي للمجموعات المعارضة.
هذا التصور جعل البحرين تقف دوماً في مواجهة طهران، وفي ظل تطبيع العلاقات، أصبحت تستقبل وفوداً أمنية وعسكرية إسرائيلية، ففي آذار/مارس 2022، زار وزير الدفاع الإسرائيلي المنامة ووقّع البلدان اتفاقية تعاون أمني.
كما تستضيف البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، ما يبرز أهميتها كقاعدة استراتيجية للعمليات الغربية في المنطقة.
وفي ظل تصاعد التوتر بين إيران والقوات الإسرائيلية، ورغم عدم مشاركتها العسكرية المباشرة، دافعت البحرين عن مواقف إسرائيل ودعت إلى كبح "التهديد الإيراني"، مع حرصها على أن تبقى الأزمة ضمن حدود لا تؤثر في استقرار المنطقة واقتصادها وأمنها الداخلي.
موقف البحرين يعكس مزيجاً من التحالفات الأمنية، والخوف من النفوذ الإيراني، والتقارب مع القوات الإٍسرائيلية والغرب، والالتزام بالنظام الإقليمي المدعوم أمريكياً.
القاهرة... محور الاعتدال العربي
تُعد مصر من أبرز الفاعلين في العالم العربي، وقد اتبعت نهجاً محافظاً ومتحفظاً واستراتيجياً تجاه التوتر بين إيران والقوات الإٍسرائيلية، وبسبب موقعها الجغرافي في شمال أفريقيا، وتحكمها في قناة السويس الحيوية، ودورها التاريخي في القضية الفلسطينية، سعت القاهرة دائماً للعب دور استقراري في أزمات المنطقة.
في الحرب الأخيرة، تفضل مصر أن تؤدي دور الوسيط أو المراقب لتجنّب زعزعة الاستقرار على حدودها الشرقية، وخاصة في غزة وسيناء، ومنذ توقيع اتفاقية السلام في "كامب ديفيد" عام 1979، تقيم القاهرة علاقات رسمية مع القوات الإسرائيلية، وشملت التعاونات الأمنية بينهما جهوداً مشتركة للحد من نفوذ حماس في غزة، كما أن مصر كانت ولا تزال طرفاً وسيطاً في صفقات وقف إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، كان آخرها قبل هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكذلك بعد مواجهات أيار/مايو 2021.
نظراً لأزمتها الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم والغضب الشعبي، فإن حكومة عبد الفتاح السيسي لا ترغب في الانخراط في صراعات إقليمية مكلفة، إذ إن استقرار الداخل أولوية أولى، فالحروب قد تؤثر سلباً على إيرادات حيوية مثل رسوم العبور في قناة السويس أو قطاع السياحة.
من جهة أخرى، تحاول مصر التنسيق مع السعودية والأردن والإمارات ضمن ما يُعرف بـ "محور الاعتدال"، لكنها تتجنب الانسياق الكامل وراء سياساتهم تجاه إيران. هذا النوع من السياسة يمنح القاهرة قدراً من المرونة في مواجهة مختلف السيناريوهات، ولهذا اختارت "الاستقرار السلبي" بدلاً من خوض صراعات بالوكالة أو تبنّي نهج هجومي.
وفي حال تصاعد المواجهة بعد وقف إطلاق النار، ستسعى القاهرة مجدداً للعمل مع جهات مثل جامعة الدول العربية لتقديم حلول سياسية لأن أمن حدودها الشرقية واقتصادها الهش لا يسمحان لها بالمغامرة عسكرياً.
الأردن... الحلقة الوسطى بين التوتر والتنفس الدبلوماسي
يُعد الأردن دولة صغيرة، لكنه يتمتع بموقع جيوسياسي حساس في قلب الشرق الأوسط، وقد تبنّى موقفاً حذراً وأمنياً يتماشى إلى حد كبير مع الغرب والقوات الإسرائيلية في ظل حربها الأخيرة مع إيران، وعلى الرغم من سعيه الدائم للعب دور الوسيط في أزمات المنطقة، فإن مصالحه وموقعه جعلاه أقرب إلى إسرائيل والمحور الغربي.
كان الأردن من أوائل الدول العربية التي وقّعت معاهدة سلام رسمية مع القوات الإسرائيلية (وادي عربة 1994)، ومنذ ذلك الحين تربطه بإسرائيل علاقات وثيقة على الصعيدين الأمني والاستخباراتي، وأحياناً الاقتصادي، كما يُعد من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ويحظى بدعم مالي وعسكري سنوي من واشنطن، وهو ما يدفعه لتجنب أي موقف عدائي مباشر ضد القوات الإسرائيلية.
لطالما حذّر العاهل الأردني من توسّع النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، مشيراً إلى مفهوم "الهلال الشيعي" الذي يمتد من طهران إلى البحر المتوسط، وقد دعا الأردن رسمياً إلى ضبط النفس ومنع التصعيد بين إيران والقوات الإسرائيلية، وذكرت بعض التقارير أنه منع مرور طائرات أو صواريخ إيرانية عبر أجوائه باتجاه إسرائيل.
في المقابل، يضم الأردن نسبة كبيرة من السكان من أصول فلسطينية، مما يجعل أي تقارب ظاهر مع القوات الإسرائيلية محفوفاً بالمخاطر الداخلية. لذا، تسعى الحكومة الأردنية، رغم التنسيق الأمني مع تل أبيب، إلى الحفاظ على حيادها الظاهري في الخطاب السياسي والإعلامي.
يمكن القول إن موقف الأردن يستند إلى براغماتية استراتيجية.
لبنان بين الجغرافيا والإيديولوجيا
تقف بيروت في موقعٍ من أكثر المواقف الجيوسياسية والسياسية تعقيداً وتناقضاً، في ظل الحرب الإيرانية الإسرائيلية. يتكوّن لبنان من نسيج هش من الجماعات العرقية الدينية والسياسية، لكل منها موقف مختلف من هذا النزاع.
تحاول الحكومة اللبنانية رسمياً الحفاظ على حيادها في أزمات المنطقة، لكنها فعلياً لا تسيطر على القرارات العسكرية المتسرعة التي تتخذها بقايا حزب الله. هذا الانقسام البنيوي يؤدي إلى موقف مزدوج للبنان أي على الساحة الدولية يظهر كدولة محايدة، بينما على أرض الواقع يبدو كجزء من محور المقاومة المنهار بقيادة إيران.
الرأي العام اللبناني كذلك متنوع بسبب التعدد الديني (شيعة، سنة، مسيحيون، ودروز)، في حين أن جزءاً من الطائفة الشيعية يدعم مقاومة إيران لإسرائيل، فإن فئات أخرى من المجتمع اللبناني تتخذ مواقف مغايرة.
بغداد في برزخ الجغرافيا السياسية أو جدار الدبلوماسية الدفاعية
تقف العراق في موقع حساس ومعقد للغاية وسط الحرب الإيرانية الإسرائيلية، فهي لا تقع جغرافياً بين محورين متخاصمين فحسب، بل تتعرض أيضاً سياسياً ومذهبياً لنفوذ مباشر من النظام الإيراني ذي الطابع الولائي، ومع ذلك، تحاول بغداد ظاهرياً الحفاظ على حيادها وتجنّب التوتر، في حين أن بعض أطراف الحكم وقوات شبه عسكرية مثل الحشد الشعبي تنتمي بوضوح إلى محور إيران.
تحاول الحكومة المركزية بقيادة محمد شياع السوداني أن تنأى بنفسها عن صراع طهران وتل أبيب، وقد أكد في تصريحاته الرسمية الحفاظ على السيادة الوطنية، ورفض استخدام الأراضي العراقية لشنّ هجمات، وعدم التدخل في الحرب الإيرانية الإسرائيلية.
هذا التناقض يُعد من التحديات المزمنة في السياسة العراقية، فبغداد ممزّقة بين الرغبة في الحياد وحماية الأمن القومي من جهة، وواقع نفوذ إيران عبر آخر المليشيات المتبقية من محور المقاومة من جهة أخرى. هذا التناقض قد يجعل العراق يدخل ساحة الحرب دون قصد.
في أفضل السيناريوهات، تستطيع الحكومة الحفاظ على سيادتها ومنع التصعيد بعد وقف إطلاق النار، وفي أسوأها، قد تؤدي تعبئة الجماعات المسلحة إلى أزمة أمنية خطيرة تُدخل العراق مجدداً في أتون صراعات خارجية.
روج آفا على هامش النار
في مرحلة ما بعد الأسد ومحور المقاومة، أصبحت أجزاء من سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية. موقف سوريا تجاه الحرب الإيرانية الإسرائيلية يختلف عن مواقف الدول العربية الأخرى.
"قسد" التي تتبنى مشروع "الكونفدرالية الديمقراطية"، تتخذ موقفاً حيادياً لكن حذراً من هذه الحرب. في المقابل، يتبنى جهاديي هيئة تحرير الشام القريبة من تركيا موقفاً معادياً لإيران، مع الابتعاد عن القوات الإسرائيلية. هذه الجماعة، بصفتها تياراً سياسياً إسلامياً، تعارض تقليدياً النفوذ الإيراني والمذهب الشيعي، وقد ترحب بإضعاف إيران، لكنها لا تميل إلى التحالف العلني مع القوات الإسرائيلية، وتركز على الحلول السياسية عبر قطر أو تركيا.
اليوم، يسعى كل من الكرد والعرب في إقليم شمال وشرق سوريا إلى قدر من الاستقرار بعد سنوات من الحرب الأهلية، وتتمثل سياستهم الخارجية في الحفاظ على السيطرة المحلية والحصول على الدعم الدولي، لذا فإن سوريا الحالية، تسعى إلى إعادة الإعمار، وتحقيق الاستقرار الداخلي، وكسب الدعم الدولي، بدلاً من الانخراط في الحروب الإيديولوجية الإقليمية.
أما الدول العربية، فبسبب أزماتها الداخلية، تتخذ مواقف متباينة من الحرب الإيرانية الإسرائيلية بعضها يسعى إلى تعزيز التحالف ضد إيران والتعاون مع القوات الإسرائيلية، وبعضها يحاول تجنب التصعيد والقيام بدور الوسيط، بينما البعض الآخر، بسبب ارتباطاته الداخلية والإقليمية، قد يشارك مباشرة أو يهدد بتوسيع دائرة الصراع.
كل هذه التعقيدات تجعل مستقبل المنطقة غير مستقر ومشحون بالتوتر، حيث يمكن لأي تحرك عسكري أو سياسي أن يطلق سلسلة من ردود الفعل والتداعيات غير المتوقعة.