"كورنيش" فسحة أمان للنساء تجمع بين التاريخ والطبيعة

في مدينة زركان بمقاطعة الجزيرة بإقليم شمال وشرق سوريا، تلجأ النساء بعد يوم عمل شاق إلى حديقة كورنيش بهدف الحصول على الطاقة الإيجابية، معتبرات أن الحديقة تمثل أحد الأماكن الآمنة للتجمع مع الأطفال والفتيات.

سوركل شيخو

زركان ـ يعيش سكان زركان منذ سنوات تحت وطأة الهجمات المتكررة من قبل الدولة التركية، مما أثر على جميع الفئات من الأطفال إلى النساء وكبار السن، فباتت حياتهم مليئة بالخوف والمقاومة، ومع ذلك، لعبت الأماكن العامة مثل الحدائق دوراً كبيراً في دعم الصحة النفسية للأهالي.

أُنشئت حديقة كورنيش على ضفاف نهر زركان، وكانت متنفساً للعديد من الفتيات والنساء هناك، وتضم الحديقة عمامة أثرية يعود تاريخها إلى آلاف السنين، تحديداً إلى العصور النيوليتية، حيث كانت تُزرع فيها الحبوب، هذه العمامة تمثل معلماً تاريخياً يثير اهتمام الزوار ويحفزهم على التقاط صور لها، وتُعد رمزاً للذاكرة الثقافية المتوارثة، حيث تبذل الأمهات جهداً للحفاظ عليها وتعليم الجيل الجديد أهميتها.

 

التجول حول العمامة رحلة روحية في قلب التاريخ

الزائرات يقمن بجولات حول هذه العمامة التاريخية، لا كتحرك اعتيادي بل كنوع من استعادة الماضي وإحياء الروح المرتبطة بذلك الزمن.

كما تم تصميم المقاعد والطاولات في الحديقة من خشب الأشجار بطريقة جميلة تجذب أنظار الزوار، حتى جذوع الأشجار تم تحويلها إلى أماكن جلوس مريحة، وعليها توجد أدوات شرب تقليدية كانت الأمهات تستخدمها في الماضي لتقديم الماء فوق رؤوسهن.

 

بيئة آمنة للنساء والفتيات

تتميز حديقة كورنيش بجمال طبيعتها وأشجارها، وتوفر جواً مريحاً للنساء اللواتي يبحثن عن الراحة بعد يوم طويل وشاق، فهن يشاركن يومهن ويتبادلن النقاشات حول التحديات التي واجهنها، ويتعلمن من تجارب بعضهن.

كما تصبح الحديقة مكاناً يجمع النساء اللاتي تضررن نفسياً من الحروب والأزمات، وتوفر لهن فرصة للاندماج الاجتماعي والمشاركة الفعالة في مواجهة الظلم المجتمعي.

وقد شاركت كل من سماح حمادي وهناء خليل، اللتين تزوران الحديقة، قصصهما وتجربتهما، مؤكدتين على أثر هذا المكان على حياتهن النفسية والاجتماعية.

 

مكان لتفريغ الطاقة السلبية للنساء العاملات والمزارعات

قالت سماح حمادي إن وجود فضاءات آمنة للنساء المزارعات والعاملات، وكذلك لبقية أفراد المجتمع، يُعد ضرورة لتفريغ طاقتهم السلبية "بالنسبة للنساء اللواتي تعملن في الزراعة أو في قطاعات أخرى، فإن زيارة الحديقة خلال وقت الغروب أمر ضروري لتصفية الذهن والتخلص من الطاقة السلبية المتراكمة خلال اليوم".

ولفتت إلى أن "أجمل ما في هذه الطبيعة أن المقاعد الخشبية وألوانها المتنوعة أضفت جمالية خاصة على الحديقة، كما أن الأواني التقليدية الموضوعة فيها تُعد جزءاً من الثقافة المجتمعية، عندما نرى هذه المساحات وسط الطبيعة، نشعر براحة أكبر وكأن ذكرياتنا تُصاغ من جديد، سواء كانت قديمة أو حديثة".

وأضافت "نحن هنا نتحرك بحرية، ولا توجد قيود مفروضة على النساء، التواصل مع البيئة يجلب الراحة الداخلية للأطفال والنساء والرجال، حتى الاستماع إلى الموسيقى وسط الطبيعة يُحدث تأثيراً إيجابياً على أرواحنا، فصوت الكرة أو الطائرات يُستبدل بصوت الموسيقى".

بدورها، قالت هناء خليل، نازحة من قرية "دادا عبد الله" في منطقة زركان، إن النساء بدأن يتجمعن من جديد ويستعدن بعض ملامح الحياة بعد سنوات من الحرب والخوف والقتل "بعد كل ما مررنا به من اعتداءات وخوف، بدأت النساء بالاجتماع مجدداً لتسترجعن جوانب من حياتهن، وجود النساء معاً يجلب الطمأنينة".

وأوضحت أن "الحديقة هي مكان لنا أيضاً، وليست مقتصرة على الرجال فقط، يجب على من يساند الفكر الرجعي أن يدرك أن كل مكان هو للنساء أيضاً، المنزل ليس سجناً للمرأة، والحديقة ليست للرجال فقط، لذا يجب أن نكون متضامنات ونعيش الحرية المشتركة، نحن نعمل، ونتشارك أيضاً أوقاتنا الصعبة ونعين بعضنا البعض".