كاتبات تونسيات: يجب فسح المجال للإبداع النسوي
يكاد يكون نصيب كاتبات تونس من جوائز معرض الكتاب غائباً حيث حصلت مساء أمس امرأة واحدة على جائزة مقابل سبع جوائز للرجال، على هامش فعاليات الدورة التاسعة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب.

نزيهة بوسعيدي
تونس ـ لطالما لعب الإبداع الأدبي دوراً بارزاً في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمعات، وعكس الأدباء تجاربهم من خلال الكتابة، وعلى الرغم من أن المرأة أثبتت حضورها القوي في مجالات الفكر والأدب عبر التاريخ، إلا أن الاعتراف بإبداعها لا يزال يواجه بعض التحديات.
اشرفت أمينة الصرارفي وزيرة الشؤون الثقافية مساء أمس الأربعاء 30 نيسان/أبريل على حفل تسليم الجوائز والتكريمات التي التأمت على هامش فعاليات الدورة التاسعة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب والذي بدء في الخامس والعشرين من نيسان/أبريل ويستمر حتى الرابع من أيار/مايو الجاري.
وقد خصص المعرض في دورته الحالية ثماني جوائز، توزعت على ست جوائز للإبداع الأدبي والفكري والترجمة وجائزتين للنشر، وكانت كل الجوائز من نصيب الكتاب الرجال باستثناء جائزة واحدة وهي جائزة عبد القادر بالشيخ لنشر قصص الأطفال واليافعين التي حصلت عليها دار أمينة للنشر.
غياب أم تغييب
حصلت الكاتبات التونسيات على جائزة وحيدة في حدث ثقافي وطني مهم في تونس، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل لماذا تغيب المرأة الكاتبة عن الجوائز؟ هل الإبداع الأدبي شأن رجالي؟ وأن كان الأمر كذلك كيف يمكن تحفيز النساء على الإقبال عليه؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحتها وكالتنا على بعض الكاتبات على هامش حفل تسليم الجوائز فكانت البداية مع الكاتبة فاطمة محمود التي قالت "قبل أن أفسر لماذا الحضور النسائي ضعيف في هذا اللقاء الذي وزعت فيه الجوائز أشير إلى أن المرأة التونسية مبدعة ولا يمكن أن نشك في ذلك وبالعكس أعتقد أنها ذات كفاءة ومهارة ويظهر ذلك عندما نقارن كتاباتها بكتابات المرأة في مناطق أخرى".
وأكدت أن "المرأة التونسية تكتب بجرأة وبعمق وبحرية أكثر باطلاع واندفاع ويعود ذلك حسب اعتقادي إلى الخلفية القانونية والاجتماعية التي تنطلق منها المرأة التونسية من تاريخ الدولة بعد الاستقلال والذي فسح المجال أو مكن المرأة من مساحة هامة للتعبير عن ذاتها في التعليم والاهتمام بصحتها ونشأت في ظل بيئة اجتماعية تساند المرأة في التعليم وبذلك نلاحظ أن أعلى نسب التمدرس تحتلها النساء والفتيات تحديداً".
وأوضحت أنه على المستوى الإبداعي يبدو أن الوضع محتشم قليلاً ولا يتوازى مع وجود المرأة التونسية وأفسر هذا بضغوطات الحياة اليومية والروتين اليومي للحياة الذي يسلب المرأة الكثير من الطاقة، والجهد، والكثير من الوقت لفائدة العائلة لفائدة الأسرة والأبناء والحراك الاجتماعي لذلك يجعلها تستنزف كل طاقتها، وبهذا الشكل لا يمكن أن نتوقع منها العديد من الإصدارات التي يمكن أن تطور كتاباتها الإبداعية وأن تنميها وتجعلها في نفس المستوى وكفاءة الرجل.
وأضافت أنه "في الحقيقة أفسر هذا ليس من منطلق جوهري وإنما من منطلق قراءة سوسيولوجية ونفسية للمرأة التونسية لأنها أم بامتياز وتقدم الكثير ولدينا نماذج مهمة جداً للمرأة الأم التي تضحي وللمرأة الموظفة كيف تبذل الكثير من الجهد في سبيل العمل وللباحثة التي حققت اتصالات كبيرة على المستوى الدولي وليس على المستوى التونسي فقط لكن على مستوى الإبداع الذي يحتاج مساحة من الوقت وهذا لا يمكن أن يتوفر في ظل الماكينة اجتماعية والعائلية التي تغتال المرأة في موهبتها وتستنزف طاقتها".
ووجهت رسالة إلى النساء قالت فيها على كل امرأة مبدعة تحقيق ذاتها من خلال ابداعاتها وكتاباتها والمرأة التونسية تستطيع أن تحقيق انتصارات أكثر في كل المجالات الابداعية ويمكنها الحضور أكثر في الشعر في الرواية في كافة أنماط الإبداع.
من جانبها قالت الناشرة أمينة زريق عن دار أمينة للنشر وهي الوحيدة الحاصلة على الجائزة "أهدي هذه الجائرة لكل كتاب وكاتبات الدار ولفريق العمل في دار النشر على رأسهن الدكتورة أنيسة الرزاق، أن هذه الجائزة تتوج مجال عملنا وهو مجال الأطفال الذي يعتبر مجال إبداع كبير جداً ونتمنى أن تتوجه الأمهات والفتيات إلى الكتابة حوله لأن اللمسة الأنثوية في الكتابة مهمة جداً ونحتاجها جميعاً".
وأوضحت أن "فريق العمل نسوي مائة بالمائة وهوما يجعلنا نهتم بالتفاصيل، حيث تعتمد الكتابة دائماً على التفاصيل، وبمعنى أخر تبقى المسحة الجمالية الأنثوية هي الطاغية والموجودة وهي التي نحرص على وجودها"، مؤكدةً أن الكتابة لا تفرق بين المرأة والرجل بل هو فعل إنساني قبل كل شيء.
وفي السياق ذاته قالت الكاتبة سعاد لعويز وهي كاتبة تونسية جزائرية فرنسية تترجم من اللغة العربية "لاحظت عند دخول المعرض لافتات كبيرة لأدباء رجال ولا توجد أي امرأة ضمنهم كاتبة كانت أو شاعرة عالمية أو عربية أو أجنبية وهذا ما أعمل على مقاومته من خلال الاهتمام بترجمة الكتب النسائية والتعريف بها عالمياً".
وأشارت إلى أنها تهتم بالمرأة المقاومة وذلك من خلال ترجمة كتاب لشاعرة غزاوية أرادت من خلالها إيصال صوت المرأة الغزاوية "أن الترجمة هي وسيلة للتعريف بالكتابات النسوية وحصد الجوائز على غرار كتاب أميرة غنيم الذي حصل مؤخراً على جائزة بعد أن قمت بترجمته إلى اللغة الفرنسية".
وخلصت القول إلى أن الحضور النسوي يتطلب تغيير عقلية كاملة تقبل توجه المرأة نحو الإبداع والكتابة في كل المجالات وبالتالي لابد من فسح المجال للأبداع النسوي والتعريف به.