هيومن رايتس ووتش تدعو المغرب للاستجابة لمطالب المحتجين والمحتجات
انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش استخدام العنف بحق المحتجين والمحتجات في المغرب وقالت أنها "تُقابَل بالقمع والعنف"، داعية السلطات الاستجابة للمطالب.

مركز الأخبار ـ نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بمراقبة حقوق الإنسان تقريراً أكدت فيه استخدام السلطات المغربية للعنف بحق "جيل Z212"، وقالت أن العنف أسفر عن وقوع ضحايا واعتقالات جماعية.
أكدت المنظمة في تقريرها الذي نشر في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء 14 تشرين الأول/أكتوبر أنه على السلطات أن تستجيب لمطالب المتظاهرين، وتضمن احترام حقوق الجميع في الرعاية الصحية والتعليم، وتحترم الحق في التظاهر السلمي، وتحقق في استخدام "الدرك الملكي" للقوة القاتلة، وحوادث الدهس بالسيارات، وغيرها من الانتهاكات الواسعة المزعومة ضد المتظاهرين من قبل قوات الأمن العام.
وذكر تقرير المنظمة بتوقيت اندلاع الاحتجاجات وأسبابها "اندلعت احتجاجات في جميع أنحاء البلاد في 27 سبتمبر/أيلول 2025، بعد أن دعت حركة "جيل زد 212" (GenZ212) الشبابية المغاربة للنزول إلى الشوارع سلمياً والمطالبة بزيادة الإنفاق على أنظمة الرعاية الصحية والتعليم العامة وإنهاء الفساد. انتقدوا الإنفاق العام على الأحداث الرياضية الضخمة التي من المقرر أن تستضيفها البلاد، مثل "كأس العالم لكرة القدم 2030" الذي ينظمه "الاتحاد الدولي لكرة القدم" (الفيفا)".
"سلمية إلى حد كبير"
وأكدت المنظمة أن تقارير أفادت أن بعض المتظاهرين ألحقوا أضراراً بالممتلكات الخاصة والعامة، بالمقابل ردت الشرطة والدرك الملكي بحظر الاحتجاجات وتفريق المتظاهرين بالقوة، بما في ذلك باستخدام القوة القاتلة، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات، "أفادت التقارير أن الشرطة اعتقلت ما يقرب من ألف شخص ورفعت دعاوى جنائية ضد 270 متظاهراً على الأقل، بينهم 39 طفلاً، لا يزالون رهن الاحتجاز. حكمت بعض المحاكم على متظاهرين بالسَّجن والغرامات".
وقالت حنان صلاح، المديرة المشاركة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش "يُعبّر شباب المغرب عن استيائهم من وضع الرعاية الصحية والتعليم في البلاد. على الحكومة أن تستجيب لمطالب المتظاهرين وتستبدل أساليب القمع بالحوار المجتمعي والإصلاحات الشاملة".
أوجه القصور في نظام الرعاية الصحية العامة، التي تفاقمت بسبب وفاة عدة حوامل مؤخراً في مستشفى عام في أكادير، ساهمت في إثارة غضب عارم وأجّجت الاحتجاجات، وفي غضون ذلك، يستعد المغرب لاستضافة "كأس الأمم الأفريقية" في كانون الأول/ديسمبر القادم والمشاركة في استضافة كأس العالم لكرة القدم 2030، حيث أفادت تقارير إنه ينفق 5 مليارات دولار أمريكي على إنشاء ملاعب، ومجمعات رياضية، ووسائل نقل عامة، وأماكن إقامة جديدة.
وقد اندلعت احتجاجات "سلمية إلى حد كبير" حسب وصف المنظمة في 11 مدينة وبلدة على الأقل، من ضمنها الرباط، والدار البيضاء، وطنجة، وسلا، وأكادير، ومراكش، وسيدي الطيبي وإنزكان.
فيديوهات تكشف العنف
وحددت هيومن رايتس ووتش الموقع الجغرافي لفيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، يُظهر "شاحنة صغيرة داكنة اللون تابعة لقوات الأمن تدهس متظاهرين عند دوار في وجدة ليلة 30 سبتمبر/أيلول، قبل أن تغادر المكان، ويُظهر فيديو آخر نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي في 1 أكتوبر/تشرين الأول، وحدد الباحثون موقعه الجغرافي، شاحنة صغيرة داكنة اللون تابعة لقوات الأمن تصدم مجموعة من المتظاهرين على بعد حوالي 350 متر من الدوار في وجدة، وتسحق رجلاً على حائط قبل أن تتراجع وتبتعد. وفقاً لتقارير إخبارية، أصيب شخصان على الأقل في حوادث دهس بسيارات قوات الأمن في وجدة تلك الليلة، وهما وسيم الطيبي (17 عاماً)، والذي قالت والدته للصحفيين إنه احتاج إلى رعاية طبية عاجلة، وأمين بوسعادة (19 عاماً)، والذي قال والده إن ساقه اليسرى بُترت".
وأكدت المنظمة أيضاً أنه في الاول من تشرين الأول/أكتوبر استخدمت قوات الدرك الملكي القوة القاتلة لقمع الاحتجاجات التي تحولت إلى أعمال عنف أمام مركز للدرك في القليعة، في أكادير، ما أسفر بحسب تقارير لها عن مقتل ثلاثة رجال وإصابة آخرين، بينهم طفل. ومن بين الضحايا "عبد الصمد أوبلا، طالب سينما عمره 22 عاما، ورجل عمره 25 عاماً".
تبرير العنف
وانتقدت هيومن رايتس ووتش البيان المتلفز للمتحدث باسم وزارة الداخلية في 2 تشرين الأول/أكتوبر، وقالت أنه "سعى إلى تبرير استخدام القوة القاتلة، قائلاً إن المتظاهرين استخدموا الحجارة والسكاكين كأسلحة، وقال إن القوات استخدمت الغاز المسيل للدموع أولا لتفريق الحشود ثم استخدمت أسلحتها النارية دفاعاً عن النفس".
أعيرة نارية وغاز مسيل للدموع
وكذلك حللت هيومن رايتس ووتش وحددت الموقع الجغرافي لسلسلة من الفيديوهات التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر والتي تظهر الأحداث في القليعة.
وقالت أن "لقطات فيديو من كاميرات المراقبة الخارجية لمركز الدرك تحمل توقيت 9:28 مساء، أظهرت عشرات المتظاهرين يلقون حجارة كبيرة، ويحطمون البوابة الأمامية، ويشعلون النيران. يُظهر الفيديو الذي نُشر على الإنترنت مقاطع مجمعة من فيديو كاميرات المراقبة. يظهر فيه رجل يرتدي زياً رسمياً داخل المركز وهو يطلق النار على المتظاهرين ويظهر التوقيت على الفيديو على أنه 9:34 مساء".
وأضافت أن اللقطات "تُظهر أيضاً استخدام الغاز المسيل للدموع خارج المبنى بعد دقيقة واحدة"، لكن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من تحديد بشكل قاطع ما إذا كانت السلطات قد استخدمت الغاز المسيل للدموع قبل استخدام القوة القاتلة، "أظهر أحد الفيديوهات رجلاً مصاباً بجروح خطيرة، أو ربما ميتاً، ملقى على بعد حوالي 70 متر من المدخل، مع جرح دامٍ في ظهره، لكن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من تحديد بشكل قاطع ما إذا كان قد أصيب بطلق ناري في ظهره".
إجراء تحقيق شفاف وعاجل
وفي تقريرها دعت هيومن رايتس ووتش السلطات المغربية لإجراء تحقيق "شفاف وعاجل" في أحداث القليعة ومقتل الرجال الثلاثة المبلغ عنه، ومحاسبة أي أفراد من الدرك تثبت مسؤوليته عن ارتكاب مخالفات، مؤكدةً أن "الملاحقات القضائية ضد المحتجين مستمرة. في 4 أكتوبر/تشرين الأول، أفادت تقارير بأن "المحكمة الابتدائية بأكادير" حكمت على رجل بالسَّجن أربع سنوات وغرامة قدرها 50 ألف درهم (حوالي 5,400 دولار) بتهمة "التحريض على ارتكاب جنح وجرائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي". في 8 أكتوبر/تشرين الأول، أفادت تقارير بأن "محكمة الاستئناف بأكادير" حكمت على رجل بالسَّجن 10 سنوات لدوره المزعوم في تخريب ممتلكات عامة خلال أحداث القليعة والعنف المزعوم ضد رجال الأمن. في 9 أكتوبر/تشرين الأول، أفادت تقارير بأن "محكمة الاستئناف بسلا" حكمت على عدة متهمين بالسَّجن لمدة تصل إلى 20 عاما بتهمة ارتكاب "أعمال تخريب".
حركة شبابية عابرة للحدود
تأتي احتجاجات "جيل Z212" المغربية في أعقاب احتجاجات "جيل زد" التي شهدتها مدغشقر، وإندونيسيا، وكينيا، ونيبال، وبيرو والفلبين، وتعكس مطالب الفئة الشابة لدرء مظالم طويلة الأمد، حيث يواجه ثلث الشباب المغربي البطالة، فضلاً عن تردي جودة نظام التعليم العام والخدمات الصحية وشبكة الأمان الاجتماعي.
احصائيات لهيومن رايتس ووتش
وبينت المنظمة في التقرير نفسه أنه في 2022، بلغ الإنفاق العام للمغرب على الرعاية الصحية 2.3% فقط من ناتجه المحلي الإجمالي، أي أقل من نصف المعيار الدولي البالغ 5% على الأقل، مستشهدة بتقارير وبيانات لـ "منظمة الصحة العالمية"، مشيرةً إلى أن البلاد تعهدت بوضوح بموجب "إعلان أبوجا لعام 2001" بإنفاق ما لا يقل عن 15% من ميزانيته الوطنية على تعزيز الصحة، لكن المغرب أنفق أقل من نصف ذلك في 2022.
كما سعى "القانون الإطار للمغرب لعام 2021 المتعلق بالحماية الاجتماعية" إلى سد فجوات الحماية الاجتماعية، لكن حوالي نصف سكان البلاد البالغ عددهم 38 مليون نسمة يفتقرون إلى التغطية الصحية.
وبلغ الإنفاق العام على التعليم في المغرب، باستثناء إقليم الصحراء الغربية 6% من ناتجه المحلي الإجمالي في 2023، وهو ما يقع ضمن المعيار الموصى به عالمياً للإنفاق العام على التعليم، وأقل من 20 % من المراهقين حققوا الحد الأدنى من المهارات في القراءة والرياضيات في 2022، وظلت معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة لدى البالغين والشباب عند 77 % في 2022.
الخطاب الملكي تجاهل الاحتجاجات
ولفت التقرير إلى خطاب العاهل المغربي في 10 تشرين الأول/أكتوبر، الذي جاء فيه ضرورة "توفير فرص عمل للشباب، والتحسين الملموس لقطاعي التعليم والصحة" باعتبارها من الأولويات، لكنه لم يتطرق إلى احتجاجات الشباب أو الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لتحقيق هذه الأهداف.
دعوة للإصلاح
ودعت هيومن رايتس ووتش السلطات المغربية لتبني "نهجاً قائماً على حقوق الإنسان يُركز على التوزيع العادل للموارد من أجل إعمال حقوق مثل حصول الجميع على مستويات جيدة من الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وضمان حصول الناس على أجر يكفيهم للعيش الكريم. يضمن دستور البلاد لعام 2011 "الحق في العلاج والعناية الصحية... والحماية الاجتماعية، والتعليم، والسكن اللائق، والعمل". بموجب قانون حقوق الإنسان، يتعين على الحكومات والمؤسسات المالية الدولية التي تدعمها الاستجابة للأزمات الاقتصادية بطرق تبذل فيها كل ما في وسعها لحماية الحقوق وتعزيزها. يُتوقّع منها أن تضمن أن الإصلاحات المقترحة، بما في ذلك السياسة المالية والإنفاق العام، تفي على أفضل وجه بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للناس".
الأولوية حماية الأرواح
وأضاف هيومن رايتس ووتش "يكفل "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، والمغرب طرف فيه، الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي. ينبغي أن تلتزم أي استجابة من جانب سلطات إنفاذ القانون للاحتجاجات بالمعايير الدولية. تنص "المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون" على أنه ينبغي لقوات الأمن أن تستخدم الوسائل غير العنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة. وحيثما يكون استخدام القوة ضرورياً لغرض مشروع لإنفاذ القانون أثناء تجمع ما، لا يجوز استخدامها إلا بالحد الأدنى الضروري. لا يجوز الاستخدام المتعمد للأسلحة النارية الفتاكة إلا عندما يتعذر تماماً تجنبه من أجل حماية الأرواح".