في القرن الـ 21 تحول الشرق الأوسط إلى ساحة مقاومة ضد الذهنية الذكورية

تفاقمت معاناة النساء في القرن الحادي والعشرين وسط صمت الدولة الذكورية، إلا أن نضالهن المتواصل يبرز في كردستان وإيران وأفغانستان. وشعار Jin Jiyan Azadî"" تحوّل إلى أسلوب حياة وتنظيم عالمي يقود نحو مجتمع ديمقراطي وحياة حرة.

مقال بقلم الصحفية جيندا أمار

رغم أن القرن الحادي والعشرين يُعرف بقرن نضال المرأة، إلا أن النساء ما زلن يتعرضن فيه لأبشع أشكال القتل والاستغلال والانتهاكات. فكلما تصاعدت حركة نضال النساء، ازدادت في المقابل شراسة هجمات الرجل المتسلّط الذي يوظّف مختلف أدوات الحرب لقمع المقاومة وإسكات صوت المرأة.


القرن الحادي والعشرون… نضال المرأة في مواجهة القتل والاستغلال

لقد سخّر النظام الرأسمالي الحديث تقنياته وأدواته لخدمة مصالح الرجل، مستغلاً الطبيعة وجسد المرأة على حد سواء، ليحوّل المجتمع إلى دائرة من الإبادة الممنهجة. وفي عصر الإنترنت، تُستغل المرأة كسلعة جنسية، وتتعرض عبر المنصات الرقمية لهجمات متواصلة، حتى باتت تُستخدم كسلاح خاص في الحروب، وتُستغل من قبل الدول في سياسات القمع والسيطرة.

ففي كردستان تتجلى صور عديدة للواقع القاسي الذي تواجهه النساء؛ فاللواتي يرفضن القيود أو يقاومنها يتعرضن للقتل أو التهديد، أو يُوصمن داخل المجتمع بصفة "المرأة السيئة"، ليُدفعن بذلك إلى التهميش والإقصاء. المرأة التي أسست الحياة الاجتماعية تُعرض اليوم في واجهة المجتمع ككائن ضعيف، والمرأة التي منحت الإنسانية قيمتها تُزج خلف الجدران. أما المرأة التي كانت رمزاً للعدالة والسلام، فقد تحولت في ساحات الحرب إلى هدف للانتهاكات الجماعية، وتُباع كغنيمة حرب في الأسواق.

والحروب الدائرة في الشرق الأوسط تُلقي بظلالها الثقيلة على النساء والأطفال، فهم الأكثر تضرراً من تبعاتها. فالقوى المهيمنة التي ترتكب المجازر اليوم لا تستهدف فقط المرأة والمجتمع، بل تضرب مستقبل البلاد من خلال استهداف الطفولة. وعند النظر إلى حصيلة هذه الصراعات، تتجلى بوضوح وحشية المشهد؛ إذ قُتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال، فيما اضطر الناجون إلى النزوح عن ديارهم.

ففي السودان، النزاع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع جعلت النساء والأطفال وقوداً لها، حيث تتوالى يومياً أخبار القتل والانتهاكات الجماعية. وفي الواقع، كلا الطرفين يمارس الأساليب نفسها من العنف والدمار، مستهدفين الأبرياء بلا حماية، ما يجعل هذا النزاع بعيد عن خدمة المجتمع، بل يدفع بمستقبل النساء والأطفال نحو المجهول. ويمكن القول إن حروب القرن الحادي والعشرين ما زالت قائمة، والمستفيدين منها هم مرتكبو المجازر بحق الأبرياء.

لا تنعم النساء بالأمان في مختلف مجالات الحياة؛ فكل يوم تُقتل عشرات منهن في المنازل، أماكن العمل أو في الشوارع على يد الرجال. ويُروّج الرجل المتسلّط لفكرة أن البيت هو المكان الأكثر "أماناً" للمرأة، لكنه في ذات المكان يمارس ضدها أبشع أشكال العنف والقتل. إن وحشية الجرائم بحق النساء حاضرة في كل مكان، لتكشف أن مفهوم "الأمان" الذي يفرضه الرجل ليس سوى أداة للسيطرة والإقصاء.

تقف الدولة الذكورية صامتةً أمام جرائم قتل النساء، وصمتها هذا ليس عفوياً بل نابع من سياسات قائمة على القمع والاستغلال. فالرجل الذي يرتكب جريمة قتل بحق المرأة غالباً ما ينال عقوبة مخففة أشبه بالمكافأة، مما يمنحه مزيداً من القوة ويجعله يعتقد أن سجنه لثلاث أو أربع سنوات ثم خروجه أمر يسير، فيواصل جرائمه بلا رادع.

أما المحاكم التابعة للدولة، فهي نفسها التي تستغل النساء ولا تضع قوانين تضمن أمنهن وحياتهن. هذه الحقيقة تتجلى في كثير من بلدان الشرق الأوسط، حيث تُدار المحاكم بعقلية الرجل المتسلّط، فلا تعترف بحقوق المرأة في قضايا أساسية مثل الزواج والطلاق وغيرها، لتبقى حقوق النساء مغيبة ومهملة.


Jin Jiyan Azadî"" من شعار إلى ثورة عالمية ضد الهيمنة الذكورية

كلما واجهنا تلك الممارسات غير الإنسانية، يتضح أن النساء يرفعن أصواتهن أكثر فأكثر ضد هيمنة القتل الذكوري. ففي كردستان، كما في مختلف أنحاء العالم، يتواصل نضال النساء ضد النظام الدولتي وهيمنة الرجل. وقد تجلى ذلك بوضوح في 25 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، حين خرجت النساء بأصواتهن وألوانهن إلى الشوارع، معلنات إرادتهن بقوة ووضوح، ليظهر أنهن أكثر وعياً وتصميماً في مواجهة الذهنية الرجعية الذكورية.

هذا الغضب يتجسد أيضاً في نضال نساء أفغانستان اللواتي يواجهن منذ سنوات سياسات حكومة طالبان القمعية، وكما رأيناه في انتفاضة Jin Jiyan Azadî"" التي قادتها النساء، ولا تزال مستمرة بأشكال وأساليب متنوعة. واليوم، النساء يرفضن كل السياسات والقوانين التي تُسخّر لخدمة الرجل، ويواجهنها بالرفض والمقاومة، ليؤكدن أنهن شريكات أساسيات في صياغة مستقبل أكثر عدلاً وحرية.

كما أوضح القائد أوجلان أن Jin Jiyan Azadî"" لم يعد مجرد شعار، بل تحوّل إلى أسلوب حياة تتبناه النساء. ففي إيران، خرجت النساء بهذا الشعار إلى الشوارع، وأشعلن انتفاضة شملت المجتمع بأسره. هذه الانتفاضة التي بلغت مستوى الثورة هزّت الذهنية الذكورية ونظامها، وانتقدته وزعزعت جذوره، لتؤكد النساء أن إيران لن تكون كما كانت في السابق.

اليوم، يتضح أن الواقع في إيران تغيّر جذرياً؛ فالنظام الذي يعادي النساء يعيش أزمة عميقة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي شوارع شرق كردستان وإيران، تسير النساء بلا خوف، لتبعثن رسالة أعمق من مجرد شجاعة، إنهن لم يعدن يخشين قمع الدولة، ولن يصمتن أمام الرجعية، بل يواجهنها بإصرار وإرادة لا تلين.

وكما قال القائد أوجلان "من دون التنظيم في كردستان، لا يمكن تحقيق أي خطوة"، وقد أثبتت التجارب عبر السنين صدق هذه المقولة. فهي ليست موجهة فقط إلى نساء كردستان، بل إلى جميع النساء اللواتي يناضلن ضد الذهنية الذكورية، وتكتسب أهمية خاصة بالنسبة لنساء إيران وشرق كردستان، حيث يفرض النظام القائم قوانين صارمة تقمع المرأة والمجتمع.

لهذا، على النساء الإيرانيات أن يحوّلن طاقتهن وغضبهن إلى قوة تنظيمية، لأن المرأة حين تنظم نفسها يصبح المجتمع بأسره جزءاً من هذا التنظيم، ويتحول إلى قوة جبارة في مواجهة الظلم. مستوى التنظيم الذي تحقق اليوم لا يمكن إنكاره، لكن الذهنية الذكورية التي نواجهها تمتد جذورها إلى آلاف السنين، مما يجعل الحاجة إلى التنظيم والنشاط أكثر إلحاحاً وتأثيراً.

ولا ينبغي أن يقتصر هذا التنظيم على كردستان وحدها، بل يجب أن يشمل جميع نساء العالم. ففي هذا العصر، يمكن للنساء أن يتخطين الثقافة الذكورية التي فرضت نفسها عبر إنتاج الرجل ـ الإله، وصولاً إلى يومنا هذا، وأن يفتحْن الطريق أمام مجتمع ديمقراطي يقود إلى وطن وحياة حرة.