"فلسطينيات" توثق قصص الصحفيات كيلا يبقين أرقاماً

حولت القوات الإسرائيلية السترات الواقية والموسومة بـ "press" إلى أهداف متحركة تفتح شهية الجنود على قتل المزيد كلما لمحوها أمامهم.

رفيف اسليم

غزة ـ في ظل الهجوم المستمر على قطاع غزة، تفقد الصحافة الفلسطينية رموزها، حيث قُتلت عشرات الصحفيات أثناء أداء واجبهن المهني في نقل الحقيقة، وفي محاولة للحفاظ على إرثهن وكشف حجم الانتهاكات التي تعرضن لها، يتم توثيق قصصهن من خلال شهادات الأصدقاء والعائلات.

عقدت مؤسسة "فلسطينيات" مؤخراً معرض صور بعنوان "مش سترة واقية" في مقرها بمدينة رام الله، ومن المقرر أن ينتقل ذلك المعرض في الأيام المقبلة إلى هامش مناسبات محلية ودولية، ليوثق قصص مقتل (41) صحفية فلسطينية بشكل متعمد من قبل القوات الإسرائيلية، التي حولت السترات الواقية والموسومة بـ "press" إلى أهداف متحركة تفتح شهية الجنود على قتل المزيد كلما لمحوها أمامهم.

 

توثيق الجرائم التي تٌرتكب بحق الإنسانية في غزة

وتقول شيرين خليفة صحفية من مؤسسة فلسطينيات، أن فكرة المشروع تقوم على توثيق قصص الصحفيات الفلسطينيات اللواتي قتلن خلال الهجوم على قطاع غزة، والذي بدأ منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، لافتة أنه حتى هذه اللحظة أي لحظة إجراء المقابلة فقدت المدينة المحاصرة 42 صحفية فلسطينية.

"تلك الصحفيات لسن أرقاماً" هذا ما تؤكده شيرين خليفة خلال حديثها، فكل صحفية لديها قصة وحلم كانت تتمنى تحقيقه لكن آلة البطش الإسرائيلية قضت عليه قبل أن يكتمل، وجميع الصحفيات يشكلن جزء أصيل من عائلاتهن ومجتمعهن، لذلك كان من الصعب تركيز الحديث عنهن كأرقام ترد في نشرات الأخبار اليومية أو ضمن تقارير المؤسسات المحلية والدولية.

 

تفاصيل دفنت تحت الركام

وترى أن المعرض هو نوع من الوفاء للصحفيات الراحلات عبر توثيق قصص نجاحهن والحديث عن طموحاتهن المهنية، فماذا يخططن للمستقبل، وكيف كن يقضين أوقاتهن مع أطفالهن وأمهاتهن وأباءهن، هي جميعها تفاصيل دفنت تحت الركام بعد قتلهن، مشيرةً إلى أن العمل يعيد إحياء قصة كل منهن بلسان الأصدقاء من الصحفيين والصحفيات وأيضاً عائلاتهن.

ولاحظت شيرين خليفة، خلال رحلة البحث والتوثيق تضارب في الأرقام التي ترصد عدد الصحفيات، فالمؤسسات الرسمية وثقت مقتل 32 صحفية في رحى الإبادة الدائرة بغزة، بينما رصدت مؤسسة فلسطينيات 42 صحفية، بالتالي هناك العديد من الصحفيات سقطن من هذا التوثيق ولم يتم ذكرهن حتى كأرقام، لتتدارك مؤسسة فلسطينيات الأمر وتعمل على توثيق أسماء جمعيهن.

ولفتت إلى أن هناك صحفيات لم يقتلن بالنيران الإسرائيلية، بل لأسباب أخرى متصلة بشكل مباشر في الهجوم كما حدث مع سعاد سكيك التي توفيت من الخوف إثر شراسة وقوة أصوات الهجمات المتتالية التي تصب غضبها على المدنيين عبر الصواريخ، أو المدفعية، أو القذائف، وأخريات توفين نتيجة البرد الشديد خلال إقامتهن في الخيام بعد إجبارهن على النزوح من بيوتهن قسرياً.

وبينت أن التحديات تمثلت في "التواصل مع العائلات كان مشكلة كبرى فمع شراسة موجة النزوح التي تفرضها القوات الإسرائيلية، وانقطاع الاتصالات، يزداد الأمر صعوبة في التواصل مع عائلاتهن وجمع المعلومات المطلوبة عنهن لإعداد تلك القصص أو الحصول على صورة شخصية، كون بعض الصحفيات لم يكن ينشرن صورهن عبر حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي".

 

صحفيات تركن  بصمتهم في التاريخ

وتكمن أهمية العمل وفقاً، لشيرين خلفية، في توثيق الانتهاكات التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة بحق الصحفيات، خاصة أن بعضهن تركن وصية برواية الحكاية بعدهن، مثل الصحفية فاطمة حسونة التي كتبت عبر صفحتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي "إذا مت، أريد موتاً صاخباً، لا أريد أن أكون مجرد خبر عاجل، أو مجرد رقم في مجموعة، أريد موتاً يسمعه العالم، وأثراً يبقى عبر الزمن، وصورة خالدة لا يمحى أثرها بمرور الزمان أو المكان".

وتوصي شرين خليفة، بضرورة التحرك لأجل وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، "الصحفيات هن جزء من المجتمع الفلسطيني ذقن ويلات النزوح، ومرارة التشرد والعيش بالخيام، واشتداد المجاعة التي تعصف بالأمعاء الخاوية، ووقع على عاتقهن إضافة لتلك الأعباء بقائهن يقظات في الميدان لنقل الصورة وكتابة الخبر والقصة عن شعب يباد ويجوع في ظل صمت عربي ودولي".

واختتمت الصحفية بمؤسسة فلسطينيات شرين خليفة، حديثها بالتأكيد على أن قطاع غزة حتى الآن فقد "أكثر 150 صحفي بينهم 42 صحفية كلهم ذهبوا على مذبح حرب الإبادة"، مشددةً على أهمية وضرورة فتح القطاع أمام الصحافة الدولية والصحفيين الأجانب لتغطية الأحداث مباشرة ورؤية تلك المجازر التي ترتكب بحق الفلسطيني بأعينهم، ليكونوا عون للصحفيين الفلسطينيين الذين دأبوا في تغطية الأحداث منذ بداية الهجوم.