بين لقمة العيش والشرف... رواية النساء العاطلات عن العمل في كرماشان
في محافظة كرماشان بشرق كردستان، يكفي أن تكوني امرأة لتُحرمي من فرص العمل، فالبطالة، الإعلانات المشبوهة، التمييز البنيوي، والاستغلال جعلت من طريق عمل النساء بالغ الوعورة، حتى أن كثيرات منهن فقدن الأمان في سبيل الحصول على لقمة العيش.

نسيم أحمدي
كرماشان ـ تعاني النساء في كرماشان من أزمة حقيقية في إيجاد فرص عمل وكسب دخل، إذ تُسجّل المحافظة أعلى نسبة بطالة نسائية بين المحافظات الإيرانية، وتُعدّ هذه الأزمة من أخطر التحديات التي تواجه النساء في الوقت الراهن، حيث أن القوانين الذكورية السائدة تُشكّل في كثير من الأحيان حاجزاً ضخماً أمام النساء الباحثات عن فرص عمل.
رغم غياب الإحصاءات الدقيقة حول عدد النساء الباحثات عن وظائف، تُظهر البيانات الرسمية أن نسبة النساء في كرماشان اللواتي تعملن في وظائف غير مستقرة أو غير دائمة تفوق مثيلاتها في باقي المحافظات، ويُقصد بذلك الوظائف غير الرسمية أو الموسمية، مثل البيع بالتجزئة، البسطات، والعمل اليومي؛ وهي وظائف خارج نطاق تخصصهن وغير معترف بها وفق التعريف العالمي للعمل، وغالباً ما تستمر هؤلاء النساء في هذه الوظائف لفترات قصيرة ثم تجدن أنفسهن من جديد في دائرة البطالة.
الأسباب التي تدفع النساء إلى هذه الوظائف كثيرة، أبرزها الضغط الاقتصادي المتزايد الذي تصاعد خلال العقد الماضي، ما أدى إلى انقسام المجتمع بين فقراء وأثرياء، وغياب الطبقة المتوسطة التي أُجبرت على النزوح نحو الأسفل اقتصادياً، ومع اشتداد الضائقة المالية، أصبح البحث عن مصدر دخل أمراً أكثر إلحاحاً.
الثقافة السائدة التي تنظر للرجل كمعيلٍ أساسي للأسرة تُفضّل توظيف الرجال على النساء، حتى إذا تقدم كلاهما لنفس الوظيفة، تُمنح الأفضلية للرجل، وهذا يدفع النساء للقبول بوظائف مثل البيع، وغالباً ما يواجهن خلال هذه الرحلة مشكلات عديدة.
المرأة المستقلة مُتهمة مسبقاً
شكوفه مرا (اسم مستعار)، من سكان كرماشان، قالت "بحثت عن عمل لفترة طويلة عبر تطبيق "ديوار"، لكن جميع فرص العمل كانت تنتهي بطلب علاقة غير شرعية، بعض الإعلانات كانت تطلب سكرتيرة شابة ذات مظهر جذاب، مما يُظهر أن الكفاءة لا تُهم، وأن هدفهم هو استغلال النساء".
في العقل الجمعي لبعض الرجال المؤمنين بالفكر الذكوري، يعتبرون أن مكان المرأة الوحيد هو المنزل، لذلك، فإن خروج المرأة للبحث عن عمل يجعلها وفق هذا المنظور امرأة "منحرفة"، وتُستغل حاجتها للعمل لتقديم عروض غير أخلاقية وتحقير استقلاليتها، ما يفتح باباً واسعاً من الانتهاكات والتمييز القائم على النوع الاجتماعي.
نساء كرماشان تواجهن الاستغلال الجنسي والتهميش المهني
تعرض العديد من النساء في محافظة كرماشان لتجارب مشابهة لتجربة شكوفه مرا، حيث أظهرت تقارير في ربيع هذا العام حادثة صادمة في طهران، عندما اعتدى رجل على عشرين امرأة كنّ تبحثن عن عمل عبر تطبيق "ديوار".
كان الجاني يستخدم إعلانات التوظيف لاستدراج النساء إلى مكان محدد، ثم يعتدي عليهن جنسياً، وقد تمكن من تنفيذ اعتداءاته أكثر من ٢٠ مرة دون أن تُرفع ضده أي شكوى، مستفيداً من ثقافة المجتمع التي تضع "شرف المرأة" فوق حقوقها، ما خلق غطاءً يسمح للمعتدي بالإفلات من العقاب.
نظرة دونية داخل المنظومة
قالت سارا مهدوي اسم مستعار، وهي عالمة نفس، إن الرجال الذين يؤمنون بتفوقهم ينظرون إلى بيئة العمل كحيز خاص لكسب المال، ولا يتحملون فكرة وجود امرأة مساوية لهم، هذه العقلية تتحول إلى سلوك عدائي تجاه النساء في أماكن العمل، سواء عبر التحقير أو تقديم عروض جنسية، إذ يرون أن دور المرأة يجب أن يقتصر على الإنجاب والعلاقات الجنسية، ما يجعل الكثيرات عرضة للمضايقات خلال رحلة البحث عن وظيفة.
تدريب أم استغلال؟
أشارت فاطمة ثابتي، موظفة في مكتب توظيف في كرماشان، إلى أن معظم أرباب العمل يفضلون توظيف الرجال، بينما يُسمح للنساء بشغل وظائف في التنظيف أو الحراسة فقط، مضيفةً أن الكثير من النساء اللواتي تراجعن المكتب تحملن شهادات جامعية، بما فيها الدكتوراه، ومع ذلك تجدن أنفسهن مجبرات على قبول وظائف دونية، غالباً ما يتركن بعدها بسبب سوء المعاملة، ويعدن من جديد للبحث عن فرصة عمل أخرى.
غالباً ما تُستغل النساء تحت مسمى "فترة تدريب دون أجر"، هكذا قالت ليلى رضائي، التي عملت سابقاً في شركة محاسبة، مؤكدةً أنها قضت شهرين كمتدربة براتب زهيد، ثم طُردت بحجة ارتكاب أخطاء، حيث أن مديرها هددها بالمطالبة بتعويض إذا رفعت شكوى، ولاحقاً اكتشفت أن هذا الأسلوب يُستخدم مع موظفات أخريات، حيث يستفيد من عملهن المجاني ثم يتخلص منهن دون دفع مستحقاتهن.
التحرر من التبعية مفتاح القوة
كل هذه المعوقات نابعة من قوانين وثقافة تقيّد المرأة وتُعرقل استقلالها، وتُكرّس الذكورية كمنظومة تشريعية تحاول التحكم في النساء اقتصادياً، لكن ذلك لم يمنعهن من السعي لتحقيق الاستقلال المالي، الذي يُعد حجر الأساس في تمكين المرأة ومشاركتها الفاعلة في المجتمع، كما قالت الفيلسوفة "سيمون دي بوفوار" "الاستقلال المالي هو الركيزة الأساسية لتمكين المرأة وانخراطها الكامل في المجتمع".