بين الاضطهاد والنضال... واقع المرأة العراقية

في ظل التحديات العديدة التي تواجههن مثل الاضطراب السياسي وتدهور أوضاع المرأة والتضييق على حرية التعبير، تبذل النساء العراقيات قصارى جهدهن لتعزيز الاستقرار والمساواة وتحقيق التنمية في البلاد.

يارا الخليف

مركز الأخبار ـ يمر وضع المرأة في العراق بتحديات كبيرة، فبعد سنوات من النزاعات والصراعات تعاني النساء من التمييز والعنف والظلم خاصة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكنهن دائماً ما تسعين إلى إحداث تقدم وتحسين أوضاعهن تدريجياً.

 

المرأة العراقية في ظل التطورات السياسية

يشهد الوضع السياسي في العراق تغيرات وتعقيدات باستمرار حيث يواجه تحديات عديدة بما في ذلك التوترات السياسية بين الأطراف المختلفة، وتأثير النزاعات الإقليمية، الفساد، الصراعات القومية والطائفية الأمر الذي يؤدي إلى تدهور أوضاع المرأة الصحية والتعليمية والاقتصادية والسياسية أيضاً، فضلاً عن غياب القانون وتسليع النساء للإتجار والمتعة.

تتأثر المرأة بشدة بالتطورات السياسية في العراق، فخلال فترات الاضطراب السياسي أو النزاعات، قد تزداد التحديات التي تواجهها مثل العنف والتمييز وفقدان الفرص حيث تقدر نسبة النساء اللواتي تشاركن في سوق العمل أقل من 15% وهي نسبة ضئيلة تؤدي إلى سلب المرأة حقوقها وزيادة العنف ضدها.

فيما تساهم التقاليد والمعايير الثقافية، بالإضافة إلى نقص الوعي بحقوق المرأة وإمكاناتها، في تفاقم الوضع. كما أن العنف وعدم الاستقرار يعيقان النساء والفتيات العراقيات، مما يجعلهن محصورات في أدوار تقليدية ويحد من فرصهن في الحصول على التعليم والعمل.

كما تواجه المرأة الاستغلال الجنسي والإيذاء والعنف القائم على النوع الاجتماعي والاتجار بالبشر وانعدام الأمن الاقتصادي وعدم كفاية الوصول إلى الصحة والخدمات الأساسية الأخرى، أي الافتقار إلى وسائل العيش في ظروف آمنة وكريمة. فإذا لم يتم النظر إلى معالجة الأسباب الحقيقية وتشخيص المسؤولية ومساءلة المسؤولين، سيبقى وضع المرأة على حاله.

يعتبر تعزيز حقوق المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية من العوامل المهمة لتعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة في العراق، ومن المهم التركيز على تعزيز مكانتها وحماية حقوقها خلال هذه الفترات الصعبة.

 

قانون الأحوال الشخصية

وأثار إقرار مجلس النواب العراقي في 21 كانون الثاني/يناير الماضي تعديل قانون الأحوال الشخصية جدلاً واسعاً وانتقادات من الأوساط الشعبية والسياسية حيث أن تعديله يشكل انتهاكاً صارخاً للقيم الإنسانية والحقوقية للنساء ويساهم في زيادة معدلات الطلاق ويؤثر سلباً على الأمان الاجتماعي للأطفال.

وتنديداً بتعديل القانون خرجت عشرات النساء في تظاهرة وسط العاصمة بغداد، تحملن لافتات كُتب عليها عبارات تستنكر تعديل القانون، منها "التصويت على قانون الأحوال على أساس الطائفي باطل"، "لا لتزويج الطفلات الذي يحرمهن من التعليم".

سجلت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" أن 7% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20-24 عاماً قد تزوجن أو كن مرتبطات بزواج قبل أن يبلغن سن 15، بينما بلغت نسبة اللواتي تزوجن قبل بلوغهن 18 عاماً 28%.

وفي الرابع من شباط/فبراير الماضي، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قراراً بإيقاف ثلاثة قوانين خلافية سبق أن أقرها مجلس النواب وهي قانون الأحوال الشخصية، العفو العام وإعادة العقارات لأصحابها، وجميعها تتعلق بقضايا جوهرية.

لكن سرعان ما صادقت رئاسة الجمهورية في العراق في الثالث عشر من الشهر ذاته، على قانون تعديل الأحوال الشخصية والعفو العام وإعادة العقارات إلى أصحابها، التي كان قد صادق عليها مجلس النواب خلال الأيام القليلة الماضية.

وجاءت الموافقة على القرار، بعد أن قررت المحكمة الاتحادية العليا رد الطعن المقدم بقوانين العفو العام والأحوال الشخصية وإعادة العقارات، وإلغاء الأمر الولائي الخاص بإيقاف العمل بها.

 

الصحفيين ومؤشر الديمقراطية

رغم مرور أكثر من عقدين على التغيير السياسي في عام 2003 والذي شهد انفتاحاً ديمقراطياً سمح للصحفيين بتخطي بعض الخطوط الحمراء، لا يزال ملف الحريات وحق الحصول على المعلومة في العراق يراوح مكانه.

يواجه مشروع قانون حرية الصحافة في العراق معارضة شديدة من الصحفيين والمدونين والناشطين، الذين يعتبرون أنه يشكل تهديداً لحرية التعبير ويمنح السلطات صلاحيات واسعة لتقييد الإعلام. ويشير المعارضين إلى أن القانون يحتوي على مواد غير محددة تسمح بمحاسبة الصحفيين على آرائهم، بالإضافة إلى فرض عقوبات صارمة.

فخلال الشهرين الماضيين شهدت المحاكم عدة قضايا بحق صحفيين مشهورين، ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي، أعلنت الإعلامية العراقية زينب ربيع تلقيها إشعار برفع دعوى قضائية بحقها من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتهمة "الإساءة" بسبب آرائها وانتقاداتها.

وقالت زينب ربيع من خلال منشور نشرته عبر حسابها على مواقع التواصل الافتراضي، إنها ستواصل تصعيدها فيما يتعلق بقضايا "التضييق على الحريات والحقوق ومخالفة الدستور، التسريبات، الفساد والفشل وسوء الإدارة التي تشهدها حكومة السوداني".

ولم تكن زينب ربيع هي الوحيدة التي رفعت شكوى بحقها، حيث كشفت الإعلامية الكويتية فجر السعيد في الشهر ذاته، أن رئيس الوزراء العراقي رفع ضدها دعوى قضائية بسبب آرائها.

ويشير مؤشر الديمقراطية السنوي لوحدة المعلومات الاقتصادية، إلى مستوى منخفض آخر حيث تراجع العراق ثمانية مراكز في العام الماضي إلى المرتبة 124 من بين 167 دولة، وتم تصنيف النظام العراقي بأنه نظام "استبدادي"، وهذه النتيجة هي الأدنى في العراق منذ إنشاء المؤشر في عام 2006.

 

العنف الأسري جريمة بحق الطفولة

يُعتبر العنف الأسري من أكثر أشكال العنف التي تستهدف النساء، ويمكن أن يكون له تأثير كبير على حياة المرأة وصحتها النفسية والجسدية، حيث تواجه تحديات عديدة عند تعرضها للعنف الأسري، بما في ذلك قلة الدعم والحماية، وصعوبة الخروج من هذه الحالات نظراً للضغوط الاجتماعية والثقافية، الأمر الذي يؤثر على حياتهن وحياة أفراد أسرهن.

فمن المهم تعزيز الوعي وتوفير الدعم والمساعدة للنساء اللواتي تتعرضن للعنف الأسري، وضمان حصولهن على الحماية من السلطات المختصة، ويجب أن تكون هناك إجراءات قانونية فعالة وبرامج توعية وتثقيف لمكافحة العنف الأسري وحماية حقوق المرأة.

في الثاني من شباط/فبراير الماضي، كشف المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق أن عام 2024، شهد 14 ألف حالة عنف أسري 6% منها ضد الأطفال، مؤكداً تسجيل أرقام قياسية في عدد الضحايا والانتهاكات، وكانت غالبية هذه الحالات تتعلق بالعنف البدني.

أما ظاهرة العنف ضد الأطفال والطفلات في العراق فقد ارتفعت خلال عامي 2024 ـ 2025 وكانت نسبة الضحايا من الفتيات 73% بينما كانت نسبة الفتيان 27%، وسجلت أعلى نسبة من هذه الجرائم في العاصمة بغداد بنسبة 31%.

لكن هذه النسبة من الأرقام قد لا تعكس الواقع بالكامل، نظراً لعدم الإبلاغ عن العديد من حالات العنف ضد الأطفال بسبب الوصمة الاجتماعية أو الخوف من الانتقام، بحسب المركز.

 

تعليم الفتيات

يواجه النظام التعليمي في العراق تحديات عديدة تؤثر على جودة التعليم؛ فوضع الدراسة بالرغم من أهميته، إلا أنه لا يخلوا من التحديات، والأضلاع المعقدة حالها كباقي احتياجات المواطن في البلد.

صراعات سياسية وفترات من الحروب الطويلة كان لها تأثير سلبي على الدراسة، وكذلك الوضع الاقتصادي الذي أثر على نفسية الطلبة والتلاميذ في كل المراحل، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية للمدارس والجامعات في أغلب المناطق، ولا تزال هناك مدارس مبنية من الطين في المناطق الريفية، أو المباني القديمة التي لا توفر بيئة تعليمية ملائمة، فضلاً عن نقص الكوادر التعليمية المدربة.

كما أن هناك معوقات اجتماعية واقتصادية أدت إلى تفاقم ظاهرة تسرب الفتيات من المدارس خاصة في المناطق الريفية، حيث يقع الفقر على رأس قائمة الأسباب التي تعيق وتمنع الفتيات من إكمال تعليمهن، بالإضافة إلى قلة المؤسسات التعليمية وبُعد المسافة، الزواج المبكر، ضعف دور الحكومة، العادات والتقاليد التي تحصر دور المرأة في أعمال المنزل.

إذ تقدر منظمة "أنقذوا الأطفال" أن فتاة واحدة من بين 14 تنجبن بين سن 15 و19 عام، فيما كشفت منظمة "اليونيسف" عن عدد الفتيات اللواتي لا تكملن تعليمهن في العراق فكانت نسبة التعليم الابتدائي للفتيات لعام 2023 تقدر بـ 73%، والمتوسط 47% أما الثانوي فبلغت 43%.

لذلك يجب على الحكومة معالجة تلك المشاكل من خلال توفير مؤسسات تعليمية، مجانية التعليم وتحمل كل النفقات والرسوم الدراسية، دعم الأسر الفقيرة بكافة الوسائل التعليمية، تعزيز دور الحكومة في توعية الطلاب والطالبات، التوعية التربوية لأولياء الأمور وأن يكون تعليم الفتاة فرضاً إلزامياً لدورها الكبير في تنمية البلاد.

 

الوضع البيئي والإنساني

هناك تحديات أخرى تتمثل في التغير المناخي الذي أصبح هاجساً مخيفاً يُهدد العالم من ناحيتي الجفاف والفيضانات وانعكاساتهما، ففي بعض الدول كالعراق تتفاقم المأساة ليحتل المرتبة الخامسة في قائمة الدول التي تعاني من التغير المناخي وانعكاساته معاً.

فهو من الدول التي تعيش أزمات تغير المناخ وفقدان الطبيعة والتلوث التي تتفق كل المنظمات الدولية العاملة في مجال حماية البيئة على تصنيفها بأنها من أكبر التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في العصر الحالي، مما يؤجج الصراعات ويضّخمها، ويؤدي إلى تفاقم التوتر والتفاوت الهيكلي، ويساهم في تخلف الناس عن الركب ومعاناتهم من تزايد الظلم.

ويقع الأثر الأكبر للتغير المناخ على النازحين حيث لا يزال حوالي 1.17 مليون نازح داخلياً يعيشون في المخيمات والمستوطنات والمجتمعات المضيفة بحسب إحصائيات لمنظمات حقوقية عراقية، فيما بات ما يقارب 3 ملايين شخص (1.3 مليون طفل) بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، ويشمل مليون شخص من ذوي الاحتياجات الإنسانية الحادة.

فيما تواجه الأمهات النازحات عبء توفير الاحتياجات الأساسية لعائلاتهن وسط أوضاع معيشية وصحية متردية للغاية في ظل نقص الغذاء والوقود، بينما توجه التهم لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية بالفساد وسرقة الأموال المخصصة للنازحين واستغلالها في الأغراض السياسية.

تجاهل السلطات العراقية لملف النزوح سيولد جيلاً كاملاً من النازحين تسيطر عليه البدائية وعدم التمدن والجهل والأمية، إذ يمر عليهم الشتاء العاشر وهم في مدن من القماش عانوا خلالها من الحر والبرد والأمراض والأوبئة الأمر الذي يؤكد على الحاجة الملحة لحلول شاملة ومستدامة لمساعدة النازحين على العودة إلى حياة طبيعية.

ومع ذلك، هناك جهود مستمرة لتعزيز الاستقرار في العراق، بالإضافة إلى أن هناك نساء عراقيات تعملن بجد لتحقيق التغيير والمساواة في المجتمع، سواء من خلال النضال السياسي أو العمل الاجتماعي، فمن المهم دعم هذه الجهود لتحقيق العدالة للجميع.