أي نفق مظلم ينتظر السوريين وكيف صدقت مقولة كل ضحية شريكة في سفك دمها؟
الذهنية التي قتلت العلويين قبل أشهر تقتل الشعب الدرزي اليوم وتخطط لقتل الكرد غداً، واستخدام مسميات "عشائر البدو" في الحرب الطائفية على دروز السويداء يسحب خيط الحرب ليحرق العشائر في المستقبل القريب.

مقال بقلم الصحفية سناء العلي
يؤكد الوقت أن كل الأحلام الوردية لسوريا ديمقراطية تعددية تشاركية وبـ "الحب بدنا نعمرها" ليست إلا "أحلام وردية" فعلاً، وشعارات رنانة وأقاويل فارغة من مضمونها، بدأ سوادها بالظهور منذ الأشهر الأولى لسيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني على الحكم، فماذا ينتظر السوري من مجموعة من المرتزقة الإرهابية القادمة من عدة بلدان من أجل إنشاء خلافة في القرن الواحد والعشرين.
دمشق الحضارة أقدم عاصمة في التاريخ، وسوريا أرقى البلاد بالحضارات تقودها جماعة لا تعرف من السياسة إلا الارتزاق، ومن الدين إلا القتل، ولا تعرف من التاريخ إلا "الفتوحات" المزعومة، تلك الفتوحات التي توسعت على جثث الأبرياء في بلاد المغرب الأمازيغي الذي أصبح ظلماً وبهتاناً مغرب عربي، والتي فرضت العروبة على المصريين والعراقيين وغيرهم من الشعوب التي قطع أوصالها سيف الإسلام العربي.
من قال أن الحرب السورية انتهت بالتأكيد قد ارتكب خطأ كبير، أو لم يستطع تحليل الأحداث، فسوريا ما زالت منذ عام 2011 أمام مفترق طرق ما بين النور والنار، وكل مرة يفشل شعبها باختيار الطريق المضيء، وربما يفرض عليه طريق الظلام والقتل، وللأسف هو يسارع ليكون الأداة.
وربما أظلم الطرق والتي لم تخطر على بال أكثر المتشائمين ما حدث في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 عندما سيطر جهاديي هيئة تحرير الشام ذراع القاعدة في سوريا على السلطة، وتم تحويل الرأي الجمعي السوري ليغازل جماعة إرهابية، ويصف مرتزقتها بالفاتحين، وقائدها الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت 10 مليون دولار لمن يقدم معلومات عنه رئيساً لهذه البلاد، وحتى الآن لا يعرف أحد من هو "أحمد الشرع" وهذا حال يدعو للإحباط.
المصالح الدولية والإقليمية لطالما كانت هكذا، ولا عجب بأنها تبحث عن مصالحها في "كراكوز أو فزاعة" يسمى رئيس ليس منه إلا السمع والطاعة، فتقول له صالح إسرائيل فيقول لها سمعاً وطاعة، وتأمره أن يتخلى عن أجزاء من أراضي سوريا فيرضخ، لأن هذه القوى هي من أوصلته للحكم "بشهادة مسؤولين إسرائيليين، وأمريكان"، وبنفس الوقت هو لا يملك أي غيرة على بلاده، فلا يهمه أن بقي لواء اسكندرون محتل من قبل تركيا، أو أن تخسر سوريا الجولان للأبد، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة أين الشعب السوري من كل هذه المؤامرة؟ أين هو من مسؤوليته التي وضعها التاريخ أمامه لحماية بلاده؟، فمن غير المعقول أن يصبح التنويريون والنسويات هم الأقلية في البلاد التي تحاول رفع صوتها لتنذر بالكارثة التي تقع على سوريا فيتم كتم صوتها بالمتشددين والجهلاء الذين لم يقرئوا يوماً صفحة من كتب التاريخ، أو لم يسمعوا يوماً تفسيراً دينياً صحيحاً أو تحليلاً سياسياً بعيداً عما يؤمنون به.
اللعب على الذاكرة السورية خطير جداً، فكيف أمكن للسوري أن ينسى من هي هيئة تحرير الشام؟، كيف للشعب السوري أن ينسى من هو الجولاني الذي ارتكب جرائم حرب بحق الشعب العراقي، كيف يمكنهم أن ينسوا الجولان، ويصبحوا بين ليلة وضحاها من المؤيدين للتطبيع مع إسرائيل مع التخلي عن قطعة من أرضهم، وهم الذين كانوا يعيبوا على الأسد عندما قالوا أنه باع الجولان لإسرائيل، كيف أمكنهم أن يتلاعبوا بخارطة البلاد بدون أي ضمير، ماذا تركوا لأبنائهم بعد أن باعوا جنوب البلاد لإسرائيل، وشمالها لتركيا وقتلوا وسفكوا دماء أبناء ساحلها وسبوا نسائها وأهانوا وقتلوا دروز جنوبها وتوعدوا كرد شرقها بالإبادة؟.
ما هذا الضمير الذي يحمله المواطن السوري اليوم ليقبل بكل هذه الفتنة كيف يمكنه أن يشمت بشعبه، يشمت بدمائهم بإذلالهم؟، لقد تناقلت وسائل التواصل الافتراضي فيديوهات لمجموعة مع الهمج وبطريقة وحشية يمعنون في إذلال دروز الجنوب السوري بقص شواربهم، وكانت التعليقات والردود على هذه الانتهاكات مؤيدة، وتساءلت أي ضمير يحمله السوري هل مات ضميره وإنسانيته ليقبل بما يحدث تحت شعار بلد واحد ودين واحد وعلم واحد، ممنوع من أن يكون متنوعاً، ويحضرني هنا ما قاله القائد عبد الله أوجلان عن الدولة القومية في أن حدود الدولة مناقضة للطبيعة الجغرافيا وكذلك بالنسبة لتنوع وحراك المجتمع البشري، كما أن هذه الحدود السياسية تتصدر لائحة المخترعات الاجتماعية المتغيرة بأقصى سرعة، فتكريس المساحات المرسومة افتراضياً ونقشها إلى هذه الدرجة في أذهان المواطنين وكأنها موجودات مقدسة أزلية وسرمدية وائتمانهم عليها إنما يعني إنشاء أكبر القضايا وأكثرها تعقيداً، فـ الاهتمام الكبير بحدود الدولة يؤدي لاستملاك البشر وتسخيرهم وتبضيعهم وتجييشهم بحيث لا يبقى فرق بين الوطن وبين السجن.
وهذا الكلام واضح ففي سوريا الامتداد الكردي يصل العراق وتركيا وإيران، والامتداد الدرزي يصل لبنان وفلسطين، والشيعة والعلويون والعشائر لهم امتدادات إلى العراق والأردن ولكن إن كان هناك حالة لإنهاء الحدود وهي من الصعب جداً في وقتنا الراهن فيجب أن تكون وفق نموذج الأمة الديمقراطية ولكن ليس باحتلال دول مجاورة لأراضي دولة والاعتداء عليها مستغلة حالة الحرب فيها وضعفها.
وما زاد الطين بلة هو استخدام هيئة تحرير الشام مسميات "العشائر العربية" في الحرب الطائفية ضد المكون الدرزي، فهي بفعلها هذا تسحب خيط الحرب ليحرقها في المستقبل القريب، ولعل العشيرة ضحية أيضاً للتجهيل، ولكنها ملامة على هذا الدور السيء الذي تلعبه في تاريخ سوريا، وهنا يمكن طرح تساؤل من هو شيخ العشيرة ومن أعطاه هذه السلطة إن صح التعبير، والجواب هو ببساطة أن شيخ القبيلة لا يتم اختياره على أساس ثقافته ووعيه وحكمته كما كان في السابق أو بتصويت أبناء العشيرة مثلاً، وإنما على أساس المال الذي ورثه.
ففي وقتنا الراهن لم يفلح شيوخ العشائر في الحرب السورية إلا ببيع ولائهم لمن يسيطر على الأرض، العشيرة التي كانت تمثل مجتمع الكومونة، مثلت الديمقراطية حين كان يتشاور شيوخ العشيرة حول مشاكل عشيرتهم، ويتخذون القرار الأنسب بشكل جماعي، ولم يكن الشيخ ينفرد بالقرار، اليوم أصبح البعض منهم عبارة عن رأسمال بعقال وعباءة يسارعون لذبح عشرات الخراف في كل مناسبة دون أن يكون لهم دور حقيقي في السلام، بل بكل أسف يعطون ولائهم للسلطة الأقوى وليس لصاحب الحق. في الحقيقة من توجهوا لقتل الدروز في السويداء لا يمكن القول أنهم يمثلون العشيرة بل هم مرتزقة إرهابيين يرفضون الآخر.
العشيرة ضحية أيضاً في سياسة الدولة القومية والهيمنة فهذه السياسات عدا أنها أفرغتها من مضمونها وأبعدتها عن حقيقتها، جعلتها أيضاً خارج التاريخ واليوم هي أداة لتنفيذ المصالح.
على الشعب السوري الانتباه إلى أن الشفقة التي أثارها للعالم خلال 14 عاماً ستتحول إلى كره ونبذ وسيوصم السوريون إلى ما لا يُعد من السنوات بالإرهاب، ولذلك عليهم أن ينتهوا من دور الضحية التي شاركت في سفك دمها ويعملوا من أجل حماية سوريا من حرب أهلية طاحنة ويحافظوا على سوريا المتنوعة.