الشابات الليبيات بين وعود التمكين وواقع التهميش
في ليبيا، ما زالت الشابات تواجهن واقعاً متناقضاً؛ شعارات براقة عن "تمكين الشباب" تملأ المؤتمرات والبرامج، لكن على أرض الواقع، يظل الحضور النسوي باهتاً، تحاصره العادات والتقاليد، وتحده القيود الأمنية والاقتصادية والقانونية.

منى توكا
ليبيا ـ في "اليوم العالمي للشباب"، الذي يُفترض أن يكون مساحة لعرض إنجازات الجميع، تجد كثير من الشابات أنفسهن مهمشات، بينما تتركز المشاريع والفرص في يد أقرانهن، ومع ذلك، لا تتوقف أصوات النساء عن المطالبة بحقوقهن، وتفعيل القوانين التي تحميهن، وكسر الصور النمطية التي تعيق مسارهن نحو مواقع صنع القرار.
تواجه الشابات الليبيات تحديات اجتماعية وسياسية واقتصادية تعيق طموحاتهن، وسط غياب حقيقي للتمكين والمساواة في الفرص، ورغم بعض التحسن في حضورهن القيادي، لا تزال العادات والتقاليد والتمييز المجتمعي تشكل عوائق كبيرة، مما يستدعي تفعيل القوانين ودعم مشاركتهن الفاعلة في صنع القرار.
"التمكين المعلن للشباب هو في الحقيقة تمكين للذكور فقط"
أكدت الصحفية زهرة موسى أن الشابات الليبيات ما زلن يواجهن تحديات اجتماعية عميقة، حيث لا تستطيع الكثير منهن اختيار المهنة أو التخصص الدراسي الذي يتوافق مع طموحاتهن، في ظل صعوبات أمنية ومالية تحول دون تحقيق أحلامهن.
وأضافت أن ما يُقدَّم في ليبيا تحت شعار "تمكين الشباب" يبدو موجهاً للجنسين، لكنه في الواقع يميل بشكل شبه كامل نحو الذكور، حتى في المشاريع التي يتم إطلاقها بمناسبة "اليوم العالمي للشباب"، إذ تُصمم غالباً لتلائم احتياجات الذكور بينما تُهمل القضايا الأساسية التي تمس الشابات.
وأشارت زهرة موسى إلى أن أولويات الشابات يجب أن تتضمن تفعيل القوانين التي تحمي المرأة من الطلاق التعسفي والتحرش، ونشر الوعي القانوني بين النساء، خاصة أن كثيرات يجهلن حقوقهن ولا يمتلكن ثقافة المطالبة بها، خصوصاً إذا كان منتهك هذه الحقوق من الأقارب كالزوج أو الأب أو الأخ.
وأضافت "ينبغي أن يقرر الشباب مصيرهم بأنفسهم، لكن الواقع أن المسؤولين هم من يقررون عنهم، لذلك على الشباب أن يرفعوا أصواتهم عبر المجتمع المدني وحملات المناصرة للضغط على صناع القرار".
ورغم إقرارها بتحسن نسبي في حضور النساء في المناصب القيادية مقارنة بالماضي، أكدت زهرة موسى أن العدد ما زال قليلاً، وأن هذا الحضور يظل ضعيفاً، مشددةً "يجب أن تثق المرأة في نفسها وقدراتها، وأن نسعى لظهور أكبر للشابات خاصة في القرى والمناطق النائية".
"المجتمع غير داعم لنجاح المرأة"
بدورها، ترى الناشطة المجتمعية زمزم أحمد أن الشباب الليبي يعيشون بين طموح التمكين وواقع التحديات، مشيرةً إلى أن 70% من الشباب يعتمدون على الوظائف الحكومية، بينما يعمل 30% فقط في القطاع الخاص.
وأوضحت أن العادات والتقاليد تفرض قيوداً صارمة على اختيارات الشابات منذ الصغر، حيث يُحصرن في تخصصات "مقبولة اجتماعياً"، ما يجعل المرأة عالقة بين طموحها الشخصي ورغبات أسرتها.
وانتقدت زمزم أحمد غياب المساواة في الفرص بين الجنسين، مؤكدةً أن المرأة غالباً ما تُقصى من مجالات العمل المتنوعة وتُحصر في التعليم وبعض القطاعات القليلة "التعليقات المسيئة على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف حجم التمييز، حيث يُختزل دور المرأة في المطبخ، ويتم التقليل من عقلها وقدرتها على الإنجاز".
وأضافت أن الشابات بحاجة إلى دعم نفسي ومجتمعي مستمر، لأن حتى الفتاة التي تحظى بأسرة داعمة، تصطدم بمجتمع ذكوري غير متقبل لنجاحها "المساحات الآمنة مثل مركز بيتي والاتحاد النسائي ضرورية، لكننا نحتاج قبل كل شيء إلى تغيير جذري في مفاهيم المجتمع"، مخاطبةً الشابات برسالة واضحة "كوني أنتِ، ولا تلتفتي لنظرة المجتمع".
"نطالب بتمكين النساء سياسياً"
من مدينة سبها، تصف الناشطة المدنية مريم مشمور "اليوم العالمي للشباب" بأنه فرصة لإبراز دور الشابات ومشاركتهن في صناعة القرار "دوري كشابة هو تقديم التوعية والمشاركة في اتخاذ القرار في مدينتي وبلدي، وأن أكون فاعلة ليس فقط اقتصادياً واجتماعياً، بل سياسياً أيضاً".
وشددت على ضرورة تمكين النساء، خاصة شابات الجنوب، في المجال السياسي، مؤكدةً أنهن أثبتن قدراتهن وحققن إنجازات ملموسة بأسلوب وفكر مغاير "نساء الجنوب يمتلكن أفكاراً خلاقة ورؤية مختلفة، ويستحققن مساحة أكبر في مواقع صنع القرار".
يكشف تعليق زهرة موسى وزمزم أحمد ومريم مشمور عن واقع مزدوج تعيشه الشابات الليبيات؛ ووعود بالتمكين من جهة، وقيود اجتماعية وسياسية واقتصادية من جهة أخرى.
ورغم مؤشرات التقدم، ما زال الطريق طويلاً نحو عدالة الفرص والمساواة الحقيقية، حيث يبقى التغيير رهناً بوعي المجتمع، وتفعيل القوانين، وإصرار النساء على أن يكنَّ شريكات كاملات في صياغة مستقبل ليبيا.