المرأة والانتخابات البلدية في ليبيا... آفاق التمكين والتحديات
ترى الليبيات أن انتخابات البلدية تمثل فرصة مهمة لتعزيز مشاركة المرأة وتمكينها سياسياً واجتماعياً، خاصة مع نظام الكوتا وجهود التوعية المجتمعية، ورغم التحديات الأمنية والاجتماعية، فإنهن يعتبرن المشاركة خطوة نحو كسر الحواجز وتحقيق التغيير.

منى توكا
ليبيا ـ مع استئناف انتخابات المجالس البلدية في عدد من بلديات ليبيا، تتصدر قضية مشاركة المرأة في العملية الانتخابية النقاش المجتمعي والسياسي، ورغم التحديات الأمنية والاجتماعية والسياسية، تسعى المرأة الليبية لتأكيد وجودها في مواقع صنع القرار، عبر خوض الانتخابات والترشح للمجالس البلدية، ما يعكس قدرة النساء على التمكين السياسي والمجتمعي.
"كل صوت يحدث فرقاً"
حول مشاركة النساء في الانتخابات وأهمية التمكين السياسي للمرأة في ليبيا، قالت خديجة بدر "ترشحت لانتخابات مجلس البلدية عن قائمة الشراكة، ورغم الانقسام السياسي، وتوقف الانتخابات في بعض البلديات لأسباب تنظيمية وترتيبية، أرى أن الفرصة مازالت ممكنة للمرأة التي أراها قادرة على التمثيل والمشاركة في العملية الانتخابية".
وأوضحت أنها لم تواجه أي مضايقات أو عنف سياسي، ولكن هناك بعض المخاوف لدى من الدعاية الانتخابية الإلكترونية، مثل التلاعب بالصور أو التشهير، وهذا الجانب هو الوحيد الذي يشكل خوفاً لديهن عند خوض غمار الانتخابات، مشيرة إلى أنه "بالنسبة للبلديات الكبرى مثل طرابلس وبنغازي، الوضع أفضل، هناك وعي مجتمعي أكبر بقدرة المرأة على المشاركة السياسية، بينما بعض البلديات الصغيرة ما زالت تواجه قيوداً مجتمعية أو ظروفاً اجتماعية خاصة قد تعيق مشاركة النساء".
واعتبرت أن خوض المرأة للانتخابات، سواء على مستوى البلديات أو المجالس النيابية أو حتى الرئاسية، انتصاراً في حد ذاته، لأنه يزيل حاجز الخوف ويشجع نساء أخريات على الترشيح والمشاركة في أي مجال يشعرن أنهن قادرات عليه.
وعن وجود المرأة في المجالس البلدية، بيّنت خديجة بدر أنه يمنحها القدرة على متابعة قضايا النساء والدفاع عنها، ودعم التمكين المجتمعي، والمساهمة في التوعية والتغيير الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التي تهم المرأة، كما أن مشاركة المرأة في المجالس تعطيها الفرصة لتغيير الأفكار المجتمعية المغلوطة حول دورها وقدرتها على القيادة.
وشددت على أن "وجود المرأة في القوائم الانتخابية يعتبر حجر الأساس لوصول المرأة إلى مركز القرار مستقبلاً، والانتخابات الحالية تمثل مساحة أكبر مقارنة بالماضي، ونأمل أنه مع زيادة الوعي المجتمعي، ستتمكن المرأة من الوصول لمراكز القرار في المجلس البلدي".
وأكدت على أهمية التوعية المجتمعية لتشجيع النساء على الترشح والمشاركة، وإدراك أهمية صوت المرأة في الانتخابات، لأن كل صوت يؤثر ويحدث فرقاً.
وتمنت خديجة بدر في ختام حديثها أن تكون الفائزات قادرات على دعم قضايا المرأة وتمكينها، وأن يكون لوجودها أثر حقيقي في المجتمع، عبر المشاركة في اتخاذ القرارات والتوعية والتغيير الاجتماعي.
التوعية الانتخابية ودور المجتمع المدني
بدورها، بيّنت فوزية بلال إعلامية وسفيرة توعية انتخابية أنه يمكن رفع وعي النساء في الانتخابات البلدية من خلال حملات التوعوية وبرامج المجتمع المدني "كسفيرات توعية انتخابية قمنا بعدة حملات، وصلنا حتى إلى المنازل، وكان لنا أثر كبير".
وعن التوعية والاحتكاك المباشر بالنساء، أكدت أنه "كان له أثر إيجابي واضح، لكن لاحظنا أيضاً وجود فتور عند بعضهن، بسبب التجارب السابقة التي لم تُظهر نماذج ناجحة للنساء في المشهد الانتخابي، مما أدى إلى عدم الثقة والعزوف عن الترشح والانتخاب لدى بعض النساء".
وحول الصعوبات التي تواجه النساء في العملية الانتخابية، أوضحت أنها "تشمل جانب الأمن، خاصة في ظل الانقسام الحالي للحكومة وسيطرة بعض المجموعات المسلحة، فهناك خوف على النساء من التعرض للعنف بشتى أشكاله وعلى رأسها القتل، بالإضافة إلى حوادث حرق المراكز الانتخابية ومنع بعض الأشخاص من الوصول إليها في الفترات السابقة".
وأشارت إلى أن "بعض النساء ليس لديهن وعي بأهمية دورهن، سواء الشابات أو الأكبر سناً، ويجهلن أن مشاركتهن في الانتخابات تؤثر على مجالات الصحة والتعليم والنظافة والخدمات المجتمعية، هناك أيضاً بعض العادات الاجتماعية التي تمنع المرأة من الترشح أو من الوصول للمراكز الانتخابية".
وعن مشاركة النساء في العملية الانتخابية، قالت فوزية بلال "من خلال تتبع حملات التوعية في بلدية سبها، لاحظنا ارتفاعاً في اهتمام النساء بالانتخابات، وارتفعت معدلات التسجيل، خاصة من خلال الحملات الميدانية وملتقيات المجتمع المدني والجلسات النسائية ومراكز التحفيز، وقد سجلت النساء اهتماماً كبيراً وتجاوباً".
وأما التحديات التي واجهتها فأكدت أنها "مرتبطة بالعادات القبلية والتقاليد، التي تحد أحياناً من حرية المرأة في الترشح أو التصويت، وبالرغم من ذلك كان هناك وعي كبير مما ساعد على تمكين النساء من المشاركة، بما في ذلك توفير الدعم للمرأة للتسجيل والتصويت بأنفسهن".
وفي ختام حديثها قالت "نأمل أن تستمر الحملات التوعوية طوال العام، وليس فقط في فترات الانتخابات، وأن يتم تعريف الشباب على الانتخابات وآلياتها، من خلال المدارس والمراكز المجتمعية، وجعل العملية الانتخابية أمراً مألوفاً، كما يجب تقديم نماذج ناجحة وملهمة للمساهمة في تشجيع النساء على الترشح والمشاركة، ليكون وجود المرأة في مراكز صنع القرار جزءاً من عملية التمكين الاجتماعي والسياسي".
دعم التمكين النسائي وضمان مشاركة فعالة
وفي ذات السياق، قالت زينب مصباح مسؤولة وحدة تمكين المرأة في مكتب الإدارة الانتخابية بسبها "نواكب استئناف انتخابات المجلس المحلي للمجموعة الثالثة، وذلك بناءً على قرار المفوضية العليا للانتخابات الصادر خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تقرر استئناف الانتخابات في عدد من البلديات بعد فترة من التعليق والتأجيل".
وأوضحت "من بين البلديات التي ستستأنف فيها الانتخابات، بلدية سبها، وهي ضمن 12 إلى 16 بلدية ستقام فيها الانتخابات حالياً، تم تقسيم البلديات بناءً على الفترة التي توقفت فيها الانتخابات، وهناك 16 بلدية تم إيقاف الانتخابات فيها بعد إعداد سجل الاقتراع، بينما أوقفت في بعض البلديات قبل توزيع البطاقات، وسبها كانت من بين هذه البلديات".
وأشارت إلى العوائق التي تواجه النساء "أبرزها العنف الانتخابي سواء الجسدي أو الإلكتروني، بما في ذلك التهديد والابتزاز ونشر صور أو معلومات مغلوطة عن المترشحات، إضافة إلى عوائق اجتماعية وسياسية تتمثل في قلة الدعم للمرأة المترشحة خلال العملية الانتخابية والدعاية الانتخابية".
وبينت أن "نظام الكوتا يضمن حق المرأة في المشاركة السياسية والاقتراع والمساهمة في تحسين العملية الانتخابية، لكنه لا يكفي بمفرده، فالمرأة بحاجة إلى دعم مادي وسياسي واجتماعي واقتصادي لتكون في مكانها الصحيح".
وأكدت على أن "الوجود النسائي في المكاتب الانتخابية يشجع النساء على خوض العملية السياسية والمطالبة بحقوقهن، وأن البرامج التدريبية المختلفة، مثل برنامج "نساء رائدات" وتدريب النساء على المشاريع الصغيرة، تهدف إلى تعزيز قدرات النساء وجعلهن قدوة للآخرين".
وأوضحت زينب مصباح أن "البيئة الانتخابية السليمة تعتمد على الأمن، التوعية، والمجتمع المتقبل للتوعية، حيث أن المفوضية تعمل بحيادية تامة، وتطبق القوانين واللوائح لضمان انتخابات عادلة ومشاركة فعالة لجميع الفئات".
وتأمل أن تكون انتخابات المجلس المحلي بسبها عملية رشيدة تمثل الجميع وتساهم في تحقيق التغيير الإيجابي، وأن تستمر المشاركة المجتمعية من الشباب والنساء والرجال لتحقيق تمثيل صحيح وعادل في العملية الانتخابية.
والجدير بالذكر أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا أطلقت المرحلة الثالثة من انتخابات المجالس البلدية أمس السبت 18تشرين الأول/أكتوبر بعد نحو ثلاثة أشهر من التوقف في شرق البلاد وجنوبها، وأعلنت بدء عملية الاقتراع في 16 بلدية ضمن الدفعة الأولى من هذه المرحلة، التي تشمل في مجموعها 27 بلدية، فيما ستنطلق عملية الاقتراع للدفعة الثانية في 11 بلدية أخرى، غداً الاثنين.