الكومينات النسائية إطار تنظيمي لمواجهة التحديات وترسيخ المساواة
تأسيس الكومينات النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا جاء لتعزيز دور المرأة وتنظيمها ضمن إطار ديمقراطي يضمن مشاركتها الفاعلة في المجتمع، وهذه الكومينات ثمرة من إنجازات ثورة المرأة، ووسيلة لمواجهة التحديات والهيمنة عبر ترسيخ المساواة والحرية.
سوركل شيخو
تل تمر ـ منذ فجر التاريخ، لعبت النساء أدواراً ريادية ومؤثرة في المجتمعات الجماعية، وأسهمن في بناء الحياة المشتركة بقوة وحضور بارز، فقد شكّلن طليعة المجتمع وأساس تقدمه، وبقي أثرهن شاهداً دائماً على دورهن الطليعي في مسيرة الإنسانية.
رغم مرور ثلاثة عشر عاماً على الأزمة السورية، ما زالت قضية حرية المرأة تشكّل تحدياً أساسياً، فالديمقراطية المجتمعية مرتبطة بحرية المرأة، ومن المهم أن يُفهم هذا المبدأ بعمق ويُطبّق بشكل صحيح، باعتباره الركيزة التي تضمن استمرارية التجربة الديمقراطية وتطورها.
حيث بدأ مؤتمر ستار وتجمع نساء زنوبيا بتأسيس الكومينات النسائية في مختلف مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، في خطوة تهدف إلى تعزيز دور المرأة وتنظيمها ضمن إطار مجتمعي يرسّخ قيم المشاركة والديمقراطية.
ويتألف الكومين النسائي من 11 امرأة، ثلاث منهنّ يتولين مهام الإدارة، وإحداهن تشغل منصب الرئيسة المشتركة للكومين العام، وبحسب الحاجة، يتم تشكيل لجان متخصصة تشمل اللجنة الاقتصادية، لجنة الصحة، لجنة حماية المرأة، لجنة التعاونيات، لجنة العدالة، لجنة البيئة، لجنة الهلال الذهبي، ولجنة المالية.
تُسخّر جميع إمكانيات الكومينات النسائية لخدمة النساء، حيث تُخصَّص نسبة 30% من ميزانية الكومين العام لصالح الجمعية النسائية، ويتابع مؤتمر ستار وتجمع نساء زنوبيا أعمال هذه الكومينات بشكل مستمر، فيما تشارك الكومينات شهرياً في اجتماعاتهما عبر تقديم تقارير مفصّلة عن نشاطاتها وإنجازاتها.
تأسيس الكومينات النسائية بدأ من جبل كزوان
في مدينة تل تمر التابعة لمقاطعة الجزيرة، شرع مؤتمر ستار بتأسيس الكومينات النسائية، حيث انطلقت هذه المبادرة من منطقة جبل كزوان لتكون بداية لمسار تنظيمي يهدف إلى تعزيز دور المرأة وتوسيع مشاركتها في الحياة المجتمعية.
كانت البداية من جبل كزوان لكونه ما يزال يواجه تحديات مرتبطة بحرية المرأة، والحاجة إلى ترسيخ الفهم الصحيح لمفهوم الديمقراطية، إضافةً إلى ضرورة تكريس المساواة بين المرأة والرجل دون أي تمييز، كما يشهد الجبل استمرار النضال من أجل الحرية في ظل وجود أشكال من العنف ضد النساء، ما جعل منه نقطة انطلاق طبيعية لتأسيس الكومينات النسائية.
ومن أجل قراءة المشكلات بشكل أدق وتحليلها وإيجاد الحلول المناسبة، كان لا بد من وجود تنظيم نسائي مستقل يجتمع ضمن إطار موحّد في كل قرية وحي، ليتمكّن من مواجهة التحديات بفاعلية أكبر ويضمن مشاركة النساء في صياغة الحلول.
إحياء نظام الكومينات وإعادة تعريف دور المرأة والرجل
وأكدت إدارية مؤتمر ستار نهاد شندي أن ثورة روج آفا أعادت إحياء نظام الكومينات، وسعت من خلال مبدأ الرئاسة المشتركة بين المرأة والرجل إلى إحداث تغيير جذري في الذهنية السائدة "نظام الرئاسة المشتركة يمثل خطوة جديدة لإعادة تحديد دور المرأة والرجل في المجتمع المعاصر، بعد أن تعرضت أدوارهما للتهميش والإقصاء".
وأشارت إلى أن الكومينات تجاوزت مرحلة التبعية والخدمة التقليدية، وأُعيد إطلاقها على أسس جديدة تجعل كل فرد مسؤولاً عن دوره داخل المجتمع "بهذا الشكل، يمكن للنظام الديمقراطي أن يتطور ليمنح كل شخص حق التعبير والمشاركة، ويعزز استقلالية الأفراد وحريتهم، ويجعلهم أعضاء فاعلين في الأمة الديمقراطية".
وترى أنه من الضروري أن يتشارك الرجل والمرأة في اتخاذ القرارات، وأن يحددا معاً الحلول المناسبة لقضايا المجتمع والأسر داخل الكومين "لا ينبغي أن يصدر القرار بشكل فردي من أحد الرؤساء ثم يُفرض بنتائج غير مجدية على الآخرين"، مؤكدةً أن النساء يرفضن العقليات التي تحاول إقصاء دورهن أو تهميشه.
وأوضحت نُهاد شندي أنه بعد تأسيس الكومينات العامة، برزت الحاجة إلى إنشاء الكومينات النسائية، فهذه الكومينات، إلى جانب تلك العامة، ومن دون أي تمييز بين النساء والشعوب في المنطقة، قادرة على تعزيز النضال بشكل أكبر ضد مختلف أشكال الهيمنة والاستبداد والاحتلال، وكذلك مواجهة محاولات تشتيت المجتمع.
وأشارت إلى أن النساء في القرى والأحياء يواجهن التحديات بشكل أكبر وبصورة أشد، الأمر الذي يستدعي الوصول إليهن بشكل مباشر وتعريفهن بأهمية الأسرة الديمقراطية وحمايتهن "من هنا برزت الحاجة إلى تأسيس الكومينات النسائية لتكون إطاراً منظماً يضمن مشاركة المرأة الفاعلة في المجتمع ويعزز دورها في مواجهة الصعوبات".
الكومينات ثمرة ثورة المرأة
وأكدت أن الكومينات النسائية ستمنح المرأة مساحة أوسع لممارسة حقوقها في مجالات التعليم، الصحة، الاقتصاد، البيئة والفنون "ستتيح لها فهماً أعمق لمبادئ العدالة والقوانين التي تكفل حقوقها، بما يسهم في تعزيز وعيها القانوني وترسيخ مكانتها داخل المجتمع".
وترى نهاد شندي أن تأسيس الكومينات النسائية يُعد ثمرةً من إنجازات المرأة خلال أربعة عشر عاماً من ثورة المرأة، "هذه الخطوة وإن جاءت متأخرة، فإن السبب يعود إلى ما واجهته المنطقة طوال سنوات الثورة من هجمات داعش والاحتلال التركي، والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم، ومع ذلك، فإن النضال يتواصل بوتيرة أقوى عبر البناء والتطوير المستمر".