الجزائر تحتفي بدور المرأة في الثورة والبناء

أكدت المشاركات في الندوة الوطنية، أن استقلال الجزائر لم يكن نهاية النضال، بل بدايته في مساحات أخرى، وأن المرأة الجزائرية، كما كانت في الجبال، هي اليوم في الميادين، تقاتل من أجل الكرامة، العدالة، والمساواة.

نجوى راهم

الجزائر ـ احتضن مقر التنسيقية الوطنية للمجتمع المدني ـ المكتب الوطني بالجزائر العاصمة، أمس السبت 12 تموز/يوليو، فعاليات الندوة الوطنية التاريخية التي جاءت تحت عنوان "دور المرأة الجزائرية إبان الثورة التحريرية المجيدة: من الكفاح المسلح إلى تعزيز مكانتها للدفاع عن الوطن".

تأتي هذه الندوة تخليداً لذكرى الخامس من تموز تاريخ استرجاع السيادة الوطنية واستقلال الجزائر في عام 1962، وتأكيداً على أن المرأة الجزائرية، التي كانت حاضرة في ساحات القتال والبناء، لا تزال تساهم اليوم في صيانة الهوية الوطنية، وتستعد للعب أدوار أكثر تأثيراً في المستقبل السياسي والاجتماعي للبلاد.

 

من الثورة إلى الدولة... استمرارية الدور النسوي

أكدت الدكتورة في علم النفس الإكلينيكي وناشطة مجتمعية فطيمة ونوغي أن تنظيم هذه الندوة يأتي "تلبيةً لنداء الوطن وتكريساً لمركزية الاستقلال في وجدان الجزائريين، ولتسليط الضوء على المسار التاريخي للمرأة الجزائرية التي قدمت الغالي والنفيس من أجل حرية بلادها وشعبها، وها هي اليوم تواصل نضالها في ميادين جديدة، تستدعي وعياً سياسياً ومواكبة للتحولات".

وأضافت أن "الدفاع عن الوطن لم يعد حكراً على السلاح، بل أصبح أيضاً مسؤولية فكرية وقانونية وإعلامية وتكنولوجية، وهنا تظهر أهمية دور النساء، ليس فقط في الذاكرة، ولكن أيضاً في صياغة السياسات وبناء المستقبل".

 

تعبئة سياسية واجتماعية برؤية نسوية

من جانبها، شددت  دكتورة في المناجمنت وناشطة في المجتمع المدني نبيلة قرومي على أن الندوة تُعد استجابة فعلية من أجل "التعبئة الوطنية وتجنيد الطاقات النسوية، لاسيما في المجال السياسي"، مضيفةً "المرأة الجزائرية ليست عنصراً مكملاً، بل محركاً حقيقياً في منظومة التربية والتعليم، وإذا أردنا مجتمعاً ناجحاً ومتماسكاً، فعلينا تمكين النساء من الأدوات المعاصرة لمواجهة تحديات العصر".

وسلطت الضوء على أهمية تدريب النساء في مجالات الصحة، والتكنولوجيا الرقمية، معتبرة أن "المعرفة الرقمية لم تعد ترفاً، بل ضرورة لحماية الأجيال ومجابهة خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي الذي يستهدف الذاكرة الجماعية وتاريخ الجزائر".

كما لم تُخفِ نبيلة قرومي تأثرها بصمود المرأة الفلسطينية "تحية للمرأة الفلسطينية المقاومة، فهي تقدم مثالاً ملهماً في الصمود والكرامة. والجزائر، دولة وشعباً، تبقى واضحة في دعمها الثابت للقضية الفلسطينية العادلة".

 

تمثيل سياسي وتشريعي... بين النصوص والواقع

من جانبها تحدثت الأستاذة قماش سامية عن تمثيل المرأة الجزائرية في المؤسسات السياسية والتشريعية، مشيرة إلى أن الدستور الجزائري يكفل للنساء حق المشاركة السياسية، لكنه يحتاج إلى تفعيل أعمق في الممارسة اليومية.

ولفتت إلى أن "المرأة لا تحتاج إلى إذن لتكون في موقع القرار، بل إلى إيمان بدورها وكفاءة تدعمها. نحن اليوم بحاجة إلى نساء حاضرات بقوة في المجالس المنتخبة، في البرلمان، في البلديات، في النقابات، لأن صوت المرأة ليس فقط حقاً، بل إضافة نوعية لمسار التنمية الديمقراطية".

ودعت الأستاذة قماش سامية النساء الجزائريات إلى عدم ترك الساحة السياسية حكراً على الرجال "السياسة ليست مجالاً معادياً للمرأة. بل هي المكان الطبيعي لكل من يملك مشروعاً للتغيير، والمرأة الجزائرية أثبتت منذ الثورة أنها تمتلك هذا المشروع".

 

المرأة بين الذاكرة والحداثة

الندوة لم تكتفِ بالطابع الاحتفائي، بل قدمت قراءة تحليلية معمقة في جدلية العلاقة بين الذاكرة الوطنية والحداثة الاجتماعية، مؤكدة أن المرأة الجزائرية تقف اليوم أمام مسؤولية مزدوجة: الحفاظ على رواية نضالية أصيلة، والانخراط في التحولات المعاصرة بما يضمن لها مكانة عادلة ومؤثرة في الحاضر والمستقبل.

وشكلت هذه الندوة فرصة لإبراز أصوات نسوية من مختلف التخصصات، حيث شاركت ناشطات وأكاديميات وخبيرات في الصحة والتعليم والإعلام والسياسات العمومية، في نقاش مفتوح تركز على آليات التمكين، رفع الوعي السياسي، ومناهضة الصور النمطية التي لا تزال تلاحق المرأة الجزائرية رغم مكتسباتها.