الفضاء العام والنساء المغربيات... بين الحضور المجتمعي وقيود القيم التقليدية
أكدت مداخلات المشاركين في الندوة أن الحرية تتطلب بيئة اقتصادية وتربوية تشجع التفكير المستقل، مشددين على أهمية تبني سياسات لزيادة وعي المجتمع وتطوير التشريعات التي تحترم حرية النساء، مع ضمان أجواء آمنة لهن في الأماكن العامة.

حنان حارت
المغرب ـ أظهرت نتائج دراسة حديثة أجرتها مؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية بعنوان "النساء، الفضاء العام والحريات الفردية!"، أن النساء المغربيات أصبح لديهن حضور متزايد في الفضاءات العامة، إلا أن الحريات الفردية، خاصة تلك المتعلقة بالتصرف في الجسد والتنقل، لا تزال موضوع للجدل.
خلال ندوة صحفية عقدت في مدينة الدار البيضاء في المغرب، أمس السبت 12 نيسان/أبريل، سلط ناشطون أكاديميون وناشطات، الضوء على هذه القضية التي تتداخل مع التحديات الاجتماعية والثقافية في المجتمع المغربي، مما يستدعي ضرورة تعديل النصوص القانونية وتوفير دعم فعال لهذه الحريات.
وشملت الدراسة عينة مكونة من 1528 مشاركاً من مختلف جهات المغرب، وكشفت أن أكثر من 75% من المستجوبين يؤيدون حق النساء في الولوج إلى الأماكن العامة مثل المقاهي ودور السينما والحدائق، رغم ذلك، أبدى حوالي 20% من المشاركين قلقاً بشأن الأمان في هذه الفضاءات، خاصة في المناطق شبه الحضرية.
وبين البحث أن الشريحة الأكثر دعماً لحرية النساء في الفضاء العام كانت الفئة العمرية بين 18 ـ 34 عاماً، بينما كانت النسبة أقل في الفئات العمرية الأكبر، كما سجلت الدراسة تبايناً في المواقف بين الرجال والنساء، حيث عبرت 83.7% من النساء عن دعمهن لهذا الحق، مقارنة بـ 66.4% من الرجال، وأظهرت النتائج أن الحاصلين على تعليم عال كانوا أكثر دعماً لهذه الحريات.
وتجسد نتائج الدراسة تحولاً لافتاً في المواقف الاجتماعية تجاه حرية النساء في الفضاء العام. ففي عام 2021، كانت النساء أكثر تحفظاً بخصوص العمل خارج المنزل والوجود في الأماكن العامة، إذ كان ينظر إلى العمل خارج البيت كمهدد للقيم التقليدية، إلا أنه بحلول عام 2025، أصبح نحو 91% من النساء أكثر انفتاحاً على المشاركة في الفضاء العام.
ورغم هذه التحولات، لا يزال هناك تحفظ كبير بشأن بعض الأنشطة مثل سفر المرأة بمفردها أو ارتياد المقاهي والفنادق، حيث تعتبر هذه الممارسات موضوعاً للانتقاد لدى شريحة واسعة من المجتمع.
وأشارت الدراسة إلى أن النساء تواجهن تحديات كبيرة في الفضاء العام، خاصة فيما يتعلق بالأمان، حيث أقر أكثر من 82% من النساء المستجوبات بأنهن تعرضن للتحرش في الفضاء العام، وهو ما يؤكد أن التحرش الجنسي يعد ظاهرة حضرية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيم الذكورية السائدة.
ولفتت المداخلات في الندوة إلى أن هذا التحفظ يرتبط أيضاً بنظرة المجتمع للفضاء العام كحيز مخصص للرجال، ما يؤثر بشكل كبير على طبيعة حضور النساء في هذه الفضاءات.
أما فيما يتعلق بحرية النساء في التصرف في أجسادهن، فقد أظهرت الدراسة أن 67% من المشاركين يؤيدون هذه الحرية داخل المنزل، بينما تنخفض النسبة إلى 55% في الفضاء العام.
كما أظهر البحث أيضاً أن هناك انقساماً اجتماعياً وثقافياً حول هذه القضية، حيث يعتبر البعض أن الفضاء الخاص هو المكان الأنسب لممارسة النساء لسلطتهن وجسدهن، بينما ينظر إلى الفضاء العام على أنه محضور.
وذكرت الدراسة أن هناك رغبة ملحوظة في التوفيق بين الشريعة الإسلامية ومبادئ حقوق الإنسان، حيث رأى 45% أن أوضاع المرأة ستكون أفضل إذا تم دمج المقاربتين، مقارنة بـ33% يفضلون تطبيق الشريعة فقط، و15% اختاروا حقوق الإنسان بشكل حصري.
وفي تعليقها على نتائج الدراسة، أكدت فاطمة إيكا، المسؤولة عن مشاريع مؤسسة منصات للأبحاث والدراسات والاجتماعية، أن هذه الدراسة تأتي في سياق استكمال لموجتين سابقتين تناولتا تمثلات الحريات الفردية لدى المواطنين المغاربة، لتسلط هذه المرة الضوء على تقاطع الحريات الفردية مع الحضور النسائي في الفضاء العام.
وقالت إن المعطيات تكشف عن تحولات مهمة في تمثلات المجتمع المغربي لحرية النساء، لكنها أيضاً تبرز استمرار بعض الصور النمطية والقيود المرتبطة بالأدوار الجندرية، مضيفةً أن الفضاء العام ما زال ينظر إليه كحيز مخصص للرجال، ما ينعكس على طبيعة حضور النساء فيه، سواء من حيث التقبل أو من حيث الأمان.
وأشارت إلى أن 78% من المغاربة عبروا عن تأييدهم لحق المرأة في الولوج إلى الفضاء العام، وأن الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 24 ـ 30 عاماً هم الأكثر تقبلاً لهذا الحق، بينما تقل نسبة القبول كلما ارتفعت الفئة العمرية.
ووصفت فاطمة إيكا بعض النتائج بـ "المفاجئة"، مثل تلك التي تفيد بأن فقط 5% من المغاربة يعتبرون الفضاء العام فضاء آمناً للنساء، مبينةً أن 83% من النساء المستجوبات يؤيدن، بشكل كامل، تواجد المرأة في الفضاء العام، بما في ذلك الأماكن مثل المقاهي، الفنادق، والمسارح، وغيرها من الفضاءات العامة، في المقابل، أظهر البحث أن النساء أكثر عرضة للتحرش داخل هذا الفضاء، ما يطرح تحديات حقيقية مرتبطة بالأمان والحقوق في المجال العام.
وتابعت "من المهم أن نعترف بأن هناك تحولاً ثقافياً حقيقياً في المجتمع المغربي تجاه حقوق النساء، لكنه لا يزال بطيئاً، خاصة فيما يتعلق بتغيير العقليات".
وأشارت باقي مداخلات المشاركين في الندوة إلى أن الحرية لا تكتسب فقط من خلال النصوص القانونية، بل تحتاج إلى بيئة اقتصادية وتربوية تشجع على التفكير المستقل والتحرر، مشددين على ضرورة تبني سياسيات تهدف إلى زيادة وعي المجتمع وتطوير التشريعات التي تحترم حرية النساء في الفضاء العام، مع ضمان توفير أجواء آمنة للنساء في جميع الأماكن العامة.