العدالة أم الانتقام؟... عندما تصبح الإعدامات بديلاً عن معالجة جذور العنف

من جريمة قتل نيان تشلبیاني إلى الإحصاءات المخفية، كيف تجعل الفقر والعنف والظلم النساء والأطفال ضحايا؟.

مركز الأخبار ـ في إيران، تحولت الإعدامات منذ سنوات إلى أداة لعرض العدالة بشكل استعراضي وإنكار جذور الأزمات الاجتماعية، فمن الإعدامات العلنية في ساحات المدن إلى تنفيذ الأحكام أمام العامة، تسعى الحكومة إلى خلق أجواء من الخوف وتقديم صورة عن الحزم والردع.

الوضع الاجتماعي في إيران، خاصة فيما يتعلق بالنساء والأطفال، يواجه تحديات مثل الفقر الواسع، البُنى القانونية غير المتكافئة، وتقييد دور الأمهات في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأطفال، وهي تحديات تؤدي إلى تكرار أعمال العنف التي تزداد ضحاياها هشاشة وصغراً في السن يوماً بعد يوم.

 

الإعدام هو محو القضية لا حلها

قضية قتل واغتصاب نيان تشلبیاني، الطفلة البالغة من العمر 6 سنوات من مدينة بوكان، والتي تعرضت لأشهر من الاعتداء الجنسي والتعذيب الجسدي على يد أقارب والدها، أعادت طرح السؤال هل يمكن للإعدام أن يمنع تكرار مثل هذه الفظائع؟

الجواب من نشطاء حقوق الإنسان، وخبراء الطفولة، وحتى العديد من القانونيين هو أن الإعدام لا يعالج الأسباب الجذرية، فهو لا يقلل من الفقر، ولا يحد من العنف البنيوي ضد النساء والأطفال، ولا يسد الثغرات القانونية والدعمية.

في إيران، حيث تضطر المرأة بعد الطلاق إلى مواجهة بنية فقهية ذكورية من أجل حضانة طفلها، وحيث يكبر الأطفال في ظل الفقر وانعدام الدعم والصمت، فإن إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام لا يشكل رادعاً بقدر ما يمثل تهرباً من مسؤوليات الدولة ومحواً للقضية الأساسية.

 

الفقر والحرمان والعنف حلقات مترابطة تقود إلى الجريمة

إيران اليوم بلد يعيش فيه 40% من السكان في فقر مطلق أو نسبي، وفقاً للإحصاءات الرسمية، هذا الفقر الاقتصادي مرتبط بالفقر التعليمي، الثقافي، والاجتماعي، ففي مثل هذه الظروف، تكون النساء والأطفال، خصوصاً في المناطق المهمشة وبين الأقليات، في مقدمة المتضررين.

النساء المعيلات اللواتي يضطررن لتربية أطفالهن تحت وطأة العنف الاقتصادي، القضائي، أو حتى الجسدي، لا يجدن أي سند في النظام القضائي، قوانين العمل، الضمان الاجتماعي، التأمين، وحتى الدعم الاجتماعي، غير متكافئة وغير فعالة.

في هذه الحلقة، يصبح العنف المنزلي، الاعتداء الجنسي، استغلال الأطفال، وعجز النساء عن إنقاذ أنفسهن وأطفالهن، أمراً يومياً، وفي النهاية تحدث مآسي مثل جريمة قتل نيان تشلبیاني.

 

قوانين الحضانة التمييزية إقصاء الأم من إنقاذ الطفل

ولعل من أبرز العوامل التي تؤدي إلى مآسي الاعتداء على الأطفال في إيران، قوانين الحضانة الذكورية الفقهية، فوفقاً للمادة 1169 من القانون المدني الإيراني، فإن حضانة الطفل بعد سن السابعة تُمنح للأب أو الجد من جهة الأب، حتى لو كانت الأم أكثر أحقية.

وفي بيئة قد يكون فيها الأب أو أقاربه من جهة الأب هم أنفسهم مصدراً للعنف، فإن هذا يعني إعادة إنتاج العنف تحت حماية القانون.

نساء كثيرات، حتى بعد الطلاق أو صراعات قانونية طويلة، يضطررن للتخلي عن حقوقهن المالية أو المعاناة بصمت من أجل الحصول على حضانة أطفالهن أو حمايتهم من الأذى.

أمهات ربما كنّ قادرات على إنقاذ أطفالهن من مصير مثل مصير نيان تشلبیاني، يجدن أنفسهن بلا دفاع أمام النظام القضائي.

 

كيف يُعاد إنتاج الجريمة؟

في إيران، تُعرّف المرأة دائماً على أنها "تابعة" للرجل سواء في القانون، في العرف، في الاقتصاد، وحتى في القضاء.

حق الطلاق، حق الحضانة، حق العمل، حق السفر، وحتى حق اختيار اللباس، كلها تخضع لنظرة ترى المرأة عاجزة، بحاجة إلى وصي، وتفتقر إلى الاستقلالية، وهذه النظرة لا تهمّش النساء فحسب، بل تضع الرجال في موقع متفوق خالٍ من المسؤولية الأخلاقية.

في مثل هذا النظام، يُمنح العنف ضد النساء والأطفال شرعية، أو على الأقل يُنكر وجوده، خاصة كون القانون، الجهاز القضائي، الشرطة، وحتى التعليم، لا يقومون بدورهم الحمائي؛ وهذا ما يهيئ الأرضية لنمو العنف والجريمة، لا لمنعها.

 

لماذا لا يُعدّ الإعدام حلاً؟

فالإعدام لا يجفف جذور الجريمة، فعندما لا تُصلح البُنى، فإن إزالة مجرم لا تعني إزالة أسباب الجريمة، كما يعيد إنتاج العنف فالأطفال الذين يشهدون الإعدام، خاصة العلني منه، يصبحون ضحايا في دورة العنف.

وإيران اليوم لا تحتاج إلى المزيد من الإعدامات، ولا إلى عروض انتقامية، بل هي بحاجة إلى مراجعة نظرتها للإنسان، للأقليات، للمرأة، للطفل، للفقر، وللعدالة.

فكل طفل تعرض للأذى، كل امرأة ضحية للعنف، وكل مجرم خرج من رحم الفقر والتمييز، هو مرآة لمجتمع لم يشأ أو لم يستطع أن يبني طريقاً للحماية والوقاية بدلاً من العنف.