90 شتاءً لم يستطع أن يمحو ابتسامة 90 ربيعاً من على وجهها

حنيفة عبدو مصطفى صاحبة الابتسامة التي لا تفارق وجهها بالرغم من آلامها، هُجرت مرتين، لكن مازال باستطاعة المرء أن يرى الأمل في تجاعيد وجهها، وتقول "نحن نقبل بكل شيء، إلا الهزيمة".

بيريفان إيناتجي

الحسكة ـ في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، هاجمت مرتزقة الاحتلال التركي مدينتي الشهباء وتل رفعت في سوريا وتسببت بتهجير آلاف الأشخاص الذين كانوا قد استقروا هناك، من بينهم التسعينية حنيفة عبدو مصطفى التي استشهد ابنها وحفيدها في سبيل الحرية.

اضطرت حنيفة عبدو مصطفى للهجرة مرتين بسبب هجمات الاحتلال التركي، لكن رغم الآلام التي يمكن قراءتها على تجاعيد وجهها، إلا أنه لم يتمكن أي ألم أن يمنع ابتسامتها، فهي رمزاً للقوة التي استمدتها من المقاومة.

 

"كافحت عبر الزمن"

حنيفة عبدو مصطفى من أهالي قرية "كوكان" في عفرين، توفي والداها عندما كان شقيقها يبلغ من العمر 3 أشهر، ثم تزوجت في قرية "عربان"، وتقول "كافحت كثيراً في قرية عربان. أنجبت أطفالاً، واجتهدت وعملت كثيراً. سقطت ونهضت من جديد، إلى أن كبر الأطفال".

ويعتبر رفعت ابن حنيفة مصطفى، الذي استشهد عام 1991، من أوائل المناضلين من أجل الحرية في إقليم شمال وشرق سوريا، عندما تحدثت حنيفة مصطفى عنه، تغلبت عليها مشاعرها بقدر إدراكها أهدف ابنها وكفاحه، ولهذا لمعت عيناها عندما تحدثت عنه وقالت "ابني رفعت وصل إلى مرحلة الجامعة، ودرس لمدة ثلاث سنوات، لكن لاحظت أنه تغير لقد كان منشغلاً بشيء آخر. جاء في أحد الأيام ورمى كل أغراضه. فقلت: رفعت ماذا تفعل؟ فقال: لن أتزوج، ولن أصبح موظفاً حكومياً. ثم فهمت ما هو الأمر. لقد تعرف على فكر الحرية وتغلغلت الفكرة إلى قلبه واختارها والتقى بالقائد عبد الله أوجلان. في ذلك الوقت، كان هناك 3-4 أشخاص من المنطقة بأكملها، ثم ازدادوا شيئاً فشيئاً".

وعن الصعوبات التي واجهتها آنذاك بسبب هجمات النظام السوري السابق، قالت "الدولة هاجمتهم كثيراً. لقد تعرضوا للكثير من الظلم والقسوة. في بعض الأحيان، عندما كان يهاجمون المنازل، كانوا أبنائنا يقفزون من فوق الأسطح لينقذوا أنفسهم ولا يقعوا في أيديهم".

 

لقاء القائد عبد الله أوجلان

وحول لقائها بالقائد عبد الله أوجلان الذي على حد وصفها لن تنساه أبداً، قالت "رأيت القائد أوجلان من بعيد مرةً في بيروت. كانت النساء في حلب حاضرات دائماً في اجتماعات مع القائد أوجلان، لكن لم تتح لي هذه الفرصة لأنني كنت في الريف. عندما استشهد رفعت، جاء إلينا أحد أصدقائه وقال 'ألم تلتقي بالقائد أوجلان'. لقد التقت عائلتي به ذات مرة في حلب، لكنني لم أكن قد رأيته أو التقيت به. فقال إنه سيأخذني للقائه. ذهبنا إلى القائد أوجلان وتحدث معنا".

وعن الحادثة التي حصلت لهم في طريق العودة، لفتت إلى أنه "في طريق العودة، عندما دخلنا أراضي دمشق، اعتقلوا شاباً. فقال الجنود 'هذا قائدهم'. ضربوه أمام أعيننا الأمر الذي أثار غضبنا. في البداية، انتشر فكر الحرية في عفرين، وكان الأمر صعباً، فالأشخاص الذين يعملون من أجل الحرية لم يكونوا يتنقلون على الطرق الرئيسية، وكانوا يختبؤون في الجبال. لو قبضت عليهم الحكومة السابقة لقتلتهم، كما أن هناك العديد من الأشخاص قتلوا تحت التعذيب".

 

"لم نكن نستطيع الابتعاد عنها"

وتحدثت حنيفة مصطفى عن حياتها في عفرين وجمالها "جميعنا كان مهتماً بالزراعة، كان لدينا بستان يضم 100 شجرة جوز، ولم تكون هناك نهاية لأشجار الزيتون، كنا نبيع من محصولها، ونحتفظ بقسم لأنفسنا، ونعطي قسم للجيران، ونصنع الدبس من العنب، كما كان لدينا العسل. كانت محاصيلنا وفيرة ولا تنفذ. لقد كنا دائماً نعيش في أراضينا وبين ممتلكاتنا. لم نكن نستطيع الابتعاد عنها، وعندما كنت أشعر بالملل، كنت أتوجه إلى الأرض. كل سكان عفرين كانوا هكذا".

 

الهجرة الأولى

عندما تم اجتياح واحتلال عفرين في 18 آذار/مارس 2018، كانت حنيفة مصطفى واحدة من أولئك النساء اللواتي لم تنحنين للمحتل واخترن طريقاً، ورغم أن ذلك الطريق كان صعباً وشاقاً، إلا أنه كان طريق المقاومة بالنسبة لها، وتوجهت إلى الشهباء بعد الاحتلال. لقد عانت من هجمات الاحتلال التركي والحصار الشديد لنظام الأسد المنهار.

وعن هجرتها الأولى، قالت "لقد تركنا كل شيء خلفنا. ما واجهناه كان صعباً وقاسياً ومع ذلك أنقذنا أنفسنا. لن نتخلى عن عفرين، ولن نتخلى عن طريقنا، ونأمل أن نرى قائدنا بيننا".

ولفتت إلى أنها عانت وعملت دائماً خلال حياتها "يجب ألا تبقى دماءنا على الأرض ويجب أن نحرر وطننا. جئت إلى الشهباء من عفرين مرتدية هذا اللباس ولم أحضر معي أي شيء آخر. كانت هناك فتاة صغيرة جائعة، تطلب من والدتها الطعام وتقول ألم نحضر معنا الطعام؟".

 

الهجرة الثانية

وعن هجمات الدولة التركية ومرتزقتها على الشهباء وتل رفعت والتي أدت إلى الهجرة الثانية، تقول "كل شيء حدث خلال ساعتين. تركيا نفسها لم تأتي إلى جبهتنا. لقد أطلقت مرتزقتها علينا. لماذا لم تأتِ وتحاربنا بنفسها؟ لقد غطت سماء عفرين كلها بطائراتها. لو لم يكن الأمر كذلك لهُزمت وخرجت من عفرين؟ ليس الأمر أن تركيا فقط دمرت سوريا، فعائلة الأسد أيضاً دمرت سوريا".

حنيفة عبدو مصطفى، التي تبلغ من العمر 90 عاماً، رغم كل المعاناة والآلام التي مرت بها، إلا أن الأمل يملأ ابتسامتها "الآن نحن نعمل من أجل أنفسنا. إذا كنا نقدم الشهداء فهو من أجلنا. لقد ضحينا بأنفسنا في سبيل الناس، وقدمنا الشهداء. من يساعدنا أو يساندنا الآن؟ من يتحدث عنا؟".

الأمهات الكرد اللاتي عانين الإبادة منذ مئات السنين، بقيت أشياء كثيرة حسرة في قلوبهن، ولفتت حنيفة مصطفى إلى أنه "لقد بقيت أشياء كثيرة حسرة في قلبي. حسرة ارتداء الملابس النظيفة والجديدة. كنت أقول دائماً أنني سأرتدي الزي الكردي. لقد مر 34 عاماً على استشهاد رفعت، وأنا لا أنظر إلى الحناء حتى ولا استخدمها".

بالإضافة إلى الحديث عن تجربة وقصة حياتها، طالبت حنيفة عبدو مصطفى بالحرية الجسدية للقائد عبد الله أوجلان "ماذا فعل قائدنا ليضعوه في ذلك السجن؟ نحن نريد حرية قائدنا. دعونا نتحدث ونلتقي معه".