8 ديسمبر... فصل جديد من سرقة الثورة السورية

مقال بقلم الصحفية سناء العلي

حاولت الحركات التحررية في الشرق الأوسط والعالم تحقيق مشروع الاشتراكية، وتأسيس نظام يتساوى فيه الرجال مع النساء ويعيش فيه الأطفال طفولتهم في بيئة صحية وخدمات جيدة، إلا أن للقوى المهيمنة رأي آخر، فالحقيقة أن خيوط اللعبة بيدها شئنا أم أبينا، لأن من يمتلك القوة يملك القرار، وللأسف حركات التحرر نفسها لا تمتلك قرار التغيير رغم جهودها لأن هناك العديد من الأزمات المتشابكة سواء في الوعي الجمعي أو في حالة الشلل التي يمر بها التطور ومواكبة ما وصل إليه العالم من ابتكارات.

هذا التراجع الذي تمارسه القوى الرأسمالية بالتعاون مع الأنظمة المهيمنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يجعل بلداننا رهينة ما يقدمه الخارج من صناعات، مع تدمير مستمر ومنظم لمصادر الطاقة والعيش لتصبح الشعوب معتمدة كلياً على الاستيراد حتى في المواد التي تجود بها أراضيها.

في سوريا لطالما هُمش العلماء، والجماعات الجهادية التي سرقت الثورة من الشعب استهدفتهم، وليست سوريا فقط وإنما شهد الشرق الأوسط خلال العقود الماضية سلسلة من عمليات اغتيال استهدفت علماء بارزين في مجالات حساسة مثل الفيزياء النووية، والكيمياء، والهندسة العسكرية، ومعظم هذه العمليات نُسبت إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد".

هذا التفقير التكنلوجي المتعمد تمارسه القوى الرأسمالية الغربية، وبطبيعة الحال لن تُقدم على منح القوة لأعدائها ولا حتى لأدواتها في المنطقة مهما كانت مستفيدة منها، ستبيع كما فعلت روسيا في سوريا الخردة المتبقية من العهد السوفياتي بدلاً من الأسلحة الأكثر تطوراً، وكما تفعل أمريكا مع تركيا والسعودية بمنعهما من استيراد الأسلحة التي تعتبر حساسة استراتيجياً مثل المقاتلات من الجيل الخامس، وأنظمة الدفاع الصاروخي المتقدمة، والتقنيات النووية، وبذلك تبقى عمليات التحرير والقرار الوطني مرهونة بتغيير جذري بالذهنية التبعية والوعي الثوري والمجتمعي والمتمثل بضرورة الانعتاق وعدم الرضوخ للضغوطات.

نعم خلال 14 عاماً رضخ نظام الأسد للروسي والإيراني لقد باع هذا النظام سوريا واقتصادها وقرارها بل ودفع بالمليارات لتثبيت دعائمه، ومنذ عام رضخت هيئة تحرير الشام للضغوطات المتعددة على حساب مستقبل الشعب السوري وأمانه، حتى أنها دفعت ثمن السلاح الروسي الذي قتل به السوريين، لقد آثرت هذه السلطة الجهادية مصالحها على الوطن فمنذ اليوم الأول لوصولها إلى دمشق سمحت للطيران الإسرائيلي بتدمير كامل السلاح السوري الثقيل، وأجبرت سلطة الجهاديين الشعب على الابتهاج والرقص على جثمان وطنهم لأنهم تعلموا أن سلاح الوطن هو سلاح السلطة الذي تقتل به شعبها وأن الوطن هو عائلة الأسد وليس هذه الجغرافيا.

نظام الدولة المهيمن ما يزال مستمر مهما اختلفت المسميات لا فرق إن كان منّا أو من بلد آخر، وهذا النظام هو ما يجب الانقلاب عليه بل وتدمير أسسه وليس فقط تغيير الرؤساء والملوك، أو تبديل الموقف السوري من المحور الشرقي إلى المحور الغربي.

كذبة التحرير أصبحت واقعاً وحقيقة وكما قال وزير الدعاية النازي جوزيف جوبلز "كرر الكذبة كثيراً وستصبح حقيقة" أصبحت كذبة تحرير سوريا رغم الكشف المستمر للعديد من الأسرار التي رافقت إنهاء نظام الأسدين بعد حكم دام 53 عاماً حقيقة لا يمكن الجدال فيها.

القوى المهيمنة وإن بدا ما سأقوله مدحاً إلا أنها "ذكية" وكما يقال "تطبخ على نار هادئة" وكذلك "تعرف من أين تؤكل الكتف"، لأن ما يحدث اليوم ليس إلا جزء مخطط كُتبت فصوله منذ الحربين العالميتين.

الحقيقة أن اتفاقية سايكس بيكو انتهت، وبدأ تنفيذ الاتفاق الإبراهيمي وبموجب مصالح المرحلة هناك خريطة جديدة للبلدان التي تتجزأ فيها كردستان "تركيا وسوريا والعراق وإيران"، والطائفية هي أسهل وأسرع طريقة لتحقيق التقسيم، ولذلك فإن السيناريو الذي بدأ في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 في غزة والسماح لحماس بفعل ما فعلت بالمستوطنات، وما تلاه من انتقام دموي قتل آلاف الفلسطينيين في غزة كان بداية تنفيذ المخطط للوصول إلى لبنان والقضاء على حزب الله ثم التوجه إلى سوريا والضغط لإخراج إيران وتقسيمها، والعين اليوم على تركيا للتقسيم وإيران لقلب النظام فيها.

هناك العديد من التحليلات لوسائل إعلام كبرى ومؤسسات مختصة بالشأن السياسي تعتقد أنه ربما تكون السلطات الإسرائيلية قد دفعت بمخابراتها حركة حماس ـ التي هي من دعمتها بداية تأسيسها ـ لتنفيذ عملية "طوفان الأقصى"، هذا التحليل مدعوم بعدد من القرائن والأحداث، فمن غير المعقول أن القوات الإسرائيلية ـ التي هي دائماً على أهبة الاستعداد لأن محيطها معادي ـ فشلت تماماً كقوة رد سريع، وأنها انتظرت يومين كاملين منذ بدء توغل مقاتلي حركة حماس لإخراجهم من المستوطنات الإسرائيلية.

الإيراني هو الهدف الواضح لإسرائيل فشعاره "الموت لأمريكا ولإسرائيل"، حتى وإن لم يترافق مع أي فعل مقاوم، أصبح يزعج إسرائيل التي تعمل لتصبح القوى الوحيدة في المنطقة، ولأن بشار الأسد لم يستطع التخلص من الإيراني الذي تمددت أذرعه في سوريا، وأصبح مع الروسي الحاكم الفعلي لسوريا تدخلت إسرائيل بشكل مباشر وأعطت الضوء الأخضر لهيئة تحرير الشام للتوجه نحو دمشق واستلام السلطة، وهو ما كشف عنه الإعلام الإسرائيلي ووزير الدفاع أفيخاي أدرعي دون خجل بعد أشهر من السقوط، أي بعد أن ابتلع السوريين طعم "التحرير".

المخابرات البريطانية التي زرعت إسرائيل في الشرق الأوسط تستمر بحماية مشروعها الاحتلالي، وإسرائيل التي تدعم نظام الجولاني تتوغل في الجنوب السوري، وتكاد تصل إلى دمشق بل إنها فعلت أكثر من ذلك قتلت سوريين ولم يكن رد فعل السلطة الجديدة إلا الصمت بل أكد وزير الخارجية أسعد الشيباني احترامه للجارة إسرائيل.

مر عام على تسلم هيئة تحرير الشام للسلطة السورية بشكل سريع لكنه عام مثقل بالمجازر والانتهاكات والخيبات والضغوطات، ولذلك دعونا نعدد الخيبات التي عاشها الشعب السوري خلال العام، ونكشف معاً أن المكاسب التي تحققت كانت للغرب وليس للشعب.

ـ على الصعيد السياسي تحولت سوريا من المحور الشرقي إلى المحور الغربي، لقد أبعدت إيران وحزب الله لكن بالمقابل تغلغلت تركيا في السلطة، وضمنياً هي من يحكم لذلك أعاقت الاتفاق بين مناطق الإدارة الذاتية والحكومة المؤقتة، وتدفع اليوم باتجاه الهجوم على إقليم شمال وشرق سوريا. يهدد الرئيس التركي مناطق إقليم شمال وشرق سوريا بالاجتياح ويحاول الضغط على قسد بينما يسافر وزير الخارجية ورئيسه المؤقت إلى أنقرة لأخذ التعليمات في انتهاك صارخ للسيادة السورية.

ـ إسرائيل تتغلغل في الجنوب وتقصف حتى حدود دمشق، وإن كان بشار الأسد يحتفظ بحق الرد فإن الحكومة المؤقتة تحتفظ بحق التعليق والكرامة.

ـ عسكرياً فُكك الجيش السوري بالمقابل لم يتم تأسيس جيش وطني، بل مجموعة من الميليشيات والجماعات الجهادية الطائفية التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وتهاجم المدنيين وتخون كل من يوجه لها انتقاداً، واعتمد النظام الجديد على الفزعات لمهاجمة مختلف المكونات السورية مما ينذر بحرب أهلية، ولم يتم ضبط انتشار السلاح بل أنه اتجه ـ نتيجة للضخ الطائفي والمناطقي ـ إلى صدور المدنيين العزل، هذه القوات لا تمثل الخليط الطائفي السوري بل تعتمد على طول اللحى والعصبية الدينية والقبلية حتى أن الجهاديون لا يملكون ملابس عسكرية تليق بجيش سوري يمكن الافتخار به.

ـ على الصعيد الخدمي ارتفعت خلال عام 2025 فواتير الكهرباء والطاقة والاتصالات والخبز بشكل يفوق قدرة السوريين على الدفع نتيجة رفع الدعم، ولم تبدأ عملية إعادة الإعمار، وانتشرت أخبار عن مشاريع اقتصادية كبرى ولكن تم الكشف عن زيفها.

ـ فُقد الأمان فلم تعد تتمتع النساء ولا حتى أي مدني من التجول ليس فقط في الليل وإنما حتى في ساعات النهار بسبب عمليات الاختطاف خاصةً في مناطق الساحل السوري.

ـ انتشرت الطائفية بشكل كبير ونتيجة للهجمات الإرهابية قتل ما لا يقل عن 8835 مدنياً، بينهم 512 طفلاً و676 امرأة وسط غياب شبه تام للمساءلة وضعف مؤسسات العدالة.

شكلت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 المنطقة وفق مصالح بريطانيا وفرنسا، وسقوط النظام السوري يعيد تشكيلها اليوم وفق مصالح القوتين الإقليميتين وهما الدولة التركية، والخليج العربي وبالطبع وفق مصالح أوروبا وأمريكا وإسرائيل لكن مع خطاب معلن ضد التدخل الخارجي المباشر وفي الحقيقة يتم ذلك بإشعال فتيل الفتنة والنعرات الطائفية.