'الفن أحد الأساليب التوعوية للنهوض بواقع المرأة'

الشكل التقليدي للعمل التوعوي لم يعد يحقق التأثير المرجو منه في رفع مستوى وعي الفئة المستهدفة حول الانتهاكات الممارسة بحق النساء، لذا بات هناك حاجة ملحة لاستخدام الفنون بمختلف أنواعها وفتح المجال لتعبير النساء عن أنفسهن.

أسماء فتحي

القاهرة ـ العمل الدؤوب من أجل خلق مجال عام يحترم النساء هو العمل الدائم للعديد من المؤسسات النسوية، حيث تعمل مؤسسة وسائل الاتصال من أجل التنمية "آكت" على عدد من المواضيع كالفن والتعبير وتمكين الشباب والشابات، بهدف زيادة وعي المجتمع تجاه دور المرأة فيه.

في إطار مناهضة الانتهاكات الممارسة بحق النساء منها زواج الصفقة وتأثيره على الفتيات وأسرهن وقضية الختان وغيرها أوضحت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة وسائل الاتصال من أجل التنمية "آكت" عزة كامل في حوار مع وكالتنا أهم البرامج التي تعمل عليها المؤسسة، وأبرز ملامح عمل المؤسسة في مجال صناعة الأفلام خاصة تلك التي تتناول قضايا المرأة، ومنها "هي في السينما"، أو تلك التي تستهدف ‘تاحة الفن للجميع كـ "سينما الموبايل" وغيرها من الأدوات التعبيرية التي تساهم فيها النساء بشكل كبير ويعبرن بها عما تعرضن له من عنف وغيرها من البرامج المؤثرة والفعالة.

 

ما هي أهم مجالات عمل مؤسسة "آكت" حول قضايا العنف؟

عملنا على عدد من البرامج المناهضة للعنف الذي تتعرض له النساء والفتيات ومعاناتهن من ظواهر كثيرة منها "زواج الصفقة" الذي ينتشر في مناطق متفرقة من مصر كالبدرشين والحوامدية.

هذه البرامج تستهدف الفتيات اللواتي أجبرن على خوض تجربة الزواج بعقد عرفي لمدة قصيرة من رجال قدموا من منطقة الخليج العربي، هؤلاء الفتيات تقل أعمارهن عن 18 عام، هذا النوع من الزيجات يخلف الكثير من التأثيرات السلبية على الفتاة والمجتمع، نظراً لكون هؤلاء الرجال يتعمدون هذا الزواج بقصد المتعة فقط ثم يعود إلى بلاده، ففي حال حصول حمل وإنجاب فإن الأم غير قادرة في هذه الحالة على تسجيل مولدوها لذلك يتم نسبه إلى أحد أفراد عائلتها.

وهنا يأتي دور المؤسسة المتمثل بتقديم الدعم القانوني للضحايا وتأهيلهن نفسياً من قبل مختصين في هذه المجالات، كما افتتحنا دورات محو أمية لمساعدتهن على الضلوع في سوق العمل إن رغبن في ذلك لاحقاً، كما نقدم الدعم المادي للفتيات لتمكينهن اقتصادياً بدلاً من اتجاههن للزواج مبكراً، بالإضافة لتقديم توعية قانونية للنساء ونتعاون مع المبادرات الشبابية التي تنطلق في المنطقة لمساندة ضحايا زواج الصفقة، كما تشارك الناجيات في توعية الفتيات بعواقب هذا الزواج.

 

ما هي البرامج المتعلقة بالفن التي توظفها المؤسسة للتقليل من أثار هذه القضايا على المجتمع؟

الفن على رأس قائمة البرامج المستخدمة في معالجة قضايا النساء، لذلك نعمل على تعليم الشباب طرق إنتاج الأفلام باستخدام الهواتف المحمولة، بالإضافة لتدريبهم على إنشاء فريق مسرح "شعبي" ولهم حرية اختيار النص والموضوع، وعملنا خلال العام الماضي على زواج الصفقة وختان الإناث، وقد خلق هذا النوع من الفن تفاعل كبير بين القائمين على العمل والجمهور وتم نقاش العديد من الأمور في نهاية العرض.

ولمسنا وجود عدد كبير من الفتيات لديهن الرغبة في تعلم مهنة الإخراج والتصوير والمونتاج، وهناك مشروع يستهدف50 فتاة وامرأة لتعليمهن صناعة الأفلام تحت عنوان "هي في السينما"، هذا المشروع يهدف لكسر احتكار الجنس على المجال الفني، ولدى المؤسسة استديو صغير نساعد النساء من خلاله حتى لا يتكبدن تكاليف الإنتاج، كما نقوم بعمل شراكات وتشبيك بينهن وبين من يقمن بنفس الأمر كالجزويت.

وأطلقنا مشروع "موبايل سينما لنساء في العمل" واستهدفنا خلاله نساء من مدينة أسوان والجيزة والقاهرة والاسكندرية لتمكينهن من تسويق منتجاتهن عن طريق الهواتف المحمولة، كما أقمنا مهرجان بعنوان "المرأة العاملة" في سينما زاوية ولاقى رواج وإقبال كبير.

 

الفنون بأشكالها من أكبر المؤثرات في تغيير الواقع... فإلى أي مدى ترين دورها فعال في العمل التوعوي؟

مما لا شك فيه أن الفن من أهم وسائل التأثير على الواقع ومن يقمن معنا بالعمل ضمن البرامج الفنية عدد ليس بالقليل من النساء منهن المعنفات، فكان استعادة النساء ثقتهن بذواتهن أول النتائج التي حصلنا عليها من هذه البرامج ونقلهن تجاربهن للآخرين، كما أن إشراك الرجل كان له دور في تغيير الكثير من واقعهم النمطي التقليدي ونظرته تجاه المرأة.

وبإلقاء الضوء على ما أحدثته الدراما الرمضانية خلال الفترة الأخيرة فقد تمكنت من خلق جدل مجتمعي حول ما أثارته من قضايا، وهو أمر ليس بالجديد فالكثير من أنواع الفنون تمكنت من وضع المجتمع في دائرة الشك والتفكير.

والتغيير قد لا يكون فوري لكن هناك تراكم، وهناك مسألة هامة نحن مهتمين بها وهي جعل الفن للجميع وعدم تقصيره على فئات معينة أو إمكانيات محددة وهو ما توجهنا له مع الشباب/ات، ولدينا الكثير من الأفلام ترقى للمستوى الاحترافي.

 

البعض يرى أن تراجع الفن والثقافة له تأثير في ارتفاع معدل العنف وأن وجودها في الماضي بفاعلية كان نافذة لإمتصاص الغضب.. فما رأيك بذلك؟

لطالما اجتاحت مصر عالم السينما منذ القديم حيث كانت قائمة على النساء وهو أمر ليس في حاجة لتدليل، وتمكنا من مواصلة المسيرة من خلال جيل كبير من الموهوبين بهذا المجال.

إلا أن ارتفاع أصوات المحافظين وانتقاداتهم وخاصة ما يتعلق منها بمفهوم "السينما النظيفة" التي لم نكن نسمع بها مسبقاً، تسببت في رفع معدل التمييز القائم على الجنس في عالم الفن.

ولا يختلف الأمر كثيراً عنه في المجال الثقافي والملتقيات والنقاشات التي كان لها دور كبير في إنشاء أجيال تتحلى بفكر نيّر، وهو الأمر الذي لم يعد متاحاً الآن حتى القراءة تراجعت الإقبال عليها بسبب ارتفاع سعر الكتاب وسيادة مفهوم الأكثر مبيعاً والتي أثرت بشكل سلبي على جودة المحتوى.

وبات المناخ مغلق إلى حد كبير رغم ارتفاع عدد كُتاب الرواية والقصة، إلا أن السياق مختلف ولم يعد هناك متابعة للأعمال الجديدة أو الثراء الثقافي بشكل عام وكل ذلك أثر سلباً على المجتمع بالتبعية.

 

ما هي الأسباب التي جعلت الوسط الفني ذكوري إلى حد كبير بعد أن كانت السينما قائمة على إبداع النساء فيها؟

الأسباب مرتبطة بدرجة كبيرة بشركات الإنتاج في مصر فهي تمتلك علاقات وطيدة مع دول الخليج العربي التي أثرت بفكرها المناهض لضلوع المرأة في السينما وغيرها مقارنة بالرجل.

وحتى الآن إذا كان البطل رجلاً فإنه ما يتقاضاه مقابل عمله يكون أعلى بكثير مما تتقاضاه المرأة كما له صلاحيات لا تمنح للمرأة، وهو الأمر الذي استمر لسنوات عدة فرض خلالها هذا المشهد على النساء.

بدأ هذا المشهد يتغير بالتدريج فقد استطاعت العديد من الفنانات من تحقيق نجاحات كثيرة خلال أداء أدوار البطولة كنللي كريم ومنى زكي ولمعت عدد من المخرجات كمريم أبو عوف وآيتن أمين وهالة خليل وغيرهن يجتهدن من أجل إثبات قدرتهن وجدارتهن في هذا المجال، كما تعالت أصوات التشجيع لعودة المرأة إليه.

 

ما هي خطط المؤسسة للعام الجديد وهل تأثرت أنشطتها بالأحداث الأخيرة التي وقعت في السودان وغزة؟

بالطبع تأثر تنفيذ أنشطتنا بالأحداث الأخيرة التي وقعت في السودان وغزة فخلال الفترة الماضية لم نتمكن من تنفيذها كما كان مخطط لها وعلى سبيل المثال المسرح التفاعلي الذي يصعب عرضه في ظل هذا التوتر الذي تعيشه المنطقة.

الانتهاكات التي حصلت في غزة لم يرى لها مثيل على مر التاريخ، لقد أثرت فينا وزاد تفكيرنا تجاه النساء وما تعانين منه في ظل تلك الأوضاع.

أما عن الخطط المرتقبة خلال العام الجديد فهناك عمل من أجل الوقوف على ملامح الخريطة النسوية في مصر وأماكن تواجد المبادرات والمؤسسات النسوية والتعرف على أهدافها ورؤيتها ورسالها والقضايا التي تعمل عليها، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على التحديات التي تواجها وإمكانية التشبيك فيما بينها ووضع رؤية مشتركة لعمل تشاركي لكونه بات ضرورة في مثل هذه الظروف.

كما أننا سنستمر في تقديم الدعم النفسي والقانوني للنساء ضحايا زواج الصفقة ومتابعة سير مشروعي "هي في السينما" و"الموبايل سينما"، فضلاً عن الاستمرار في مناهضة الختان وغيرها من أشكال العنف الممارس على النساء.

"آكت" من مؤسسي مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة وفي كل عام تعمل المؤسسة على تعليم عدد من فتيات أسوان صناعة الأفلام، كما أنه أحد منسقي منتدى "نوت" الذي يشكل فرصة لمناقشة العديد من قضايا النساء وهو جسر تواصل بين المجتمع المدني والمهرجان، فقد تمكنا خلال العام الماضي من إصدار عريضة لمناهضة الاستغلال والتحرش الجنسي وقع عليها الحضور في سابقة هي الأولى من نوعها في مهرجان سينمائي.