نساء الشرق الأوسط بين النضال والقمع
من كردستان وإيران إلى أفغانستان، نساء الشرق الأوسط مستمرات بنضالاتهن ضد القمع والقوانين المناهضة للنساء، وأثبتن أن لا شيء يمكن أن يطفئ إرادتهن وآمالهن، كما شكلت احتجاجاتهن على عمليات الإعدام التي عبرت الحدود رمزاً للمقاومة والحرية ضد الأنظمة القمعية.
مقال بقلم ندى حسين بناهي
"الأمل أثمن من النصر"؛ عبارة قالتها الناشطة وريشة مرادي المعتقلة في سجن إيفين عندما تم النطق بحكم الإعدام بحقها، جملة تحدت حدود القمع والحبس والقتل والإعدام، وأحيت من جديد أمل الحياة والنضال لدى المعتقلات.
أشعل صمود وريشة مرادي شرارة الانتفاض في قلوب النساء الخاضعات لحكم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وجعلتهن تكتبن قصصاً عن إرادة وإصرار المرأة، قصصهن أظهرت أن التعذيب والقتل والسجن انتهاكات غير قادرة على تهميش أفكار المرأة وكيانها.
بخشان عزيزي ووريشة مرادي، امرأتان كرديتان وناشطتان في مجال حقوق المرأة، حُكم عليهما بالإعدام إلا أن ذلك لم يكن سبباً لعرقلتهما عن متابعة طريق النضال، فهما صامدتان منذ أكثر من عام تحت أقسى أشكال التعذيب، لقد حطمتا بصمودهما ونضالهما سجون القمع الإيراني المصممة للقتل الفكري والجسدي للمطالبين بالحرية، خاصة النساء، لا يعلمون أنهم حولوه إلى واجهة لإرادة المرأة ومقاومتها.
لقد وصل نضال نساء شرق كردستان وإيران إلى ذروته في الوقت الذي بدأت فيه قوى الهيمنة العالمية والدول القومية الإقليمية مشروع بإعادة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وسحبت المجتمع إلى هاوية القومية، وعمق الكارثة هذا جعل المجتمع يواجه مخاطر على رأسها غياب الهياكل القانونية والأيديولوجية والهوية.
"الشرق الأوسط؛ ساحة معركة ضد هوية المرأة والأمل بالحرية"
لقد كان الشرق الأوسط، المعروف بالحضارة المتمحورة حول المرأة، لفترة طويلة محوراً للقوى المهيمنة والأنظمة الأبوية، ومن خلال نشر أيديولوجياتها، استغلت هذه القوى المجتمع، خاصة النساء والأطفال، في ظل حكم الدين والتقاليد والشريعة والسلطات.
حروب القوى المهيمنة العالمية والإقليمية الساعية للسلطة، خلفت الملايين من القتلى والجرحى من الشعب خاصة النساء والأطفال، والذي تسببت في تراجع المجتمع إلى الوراء، كما أن هذه الحروب التي تتم أحياناً تحت ستار الدين عرضت المرأة لمستويات كبيرة من الأذى، وكانت الحروب كتلك الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وهجمات القوات الإسرائيلية على إيران وحزب الله وحماس، وسقوط النظام السوري، كلها جزء من مخطط الشرق الأوسط الجديد لزيادة القوة والتجارة العالمية.
كما لعبت الدول القومية والإقليمية مثل العراق وتركيا وإيران دوراً في تنفيذ هذه الخطط بمشاركة عسكرية ودبلوماسية من أجل الحصول على حصة من هذا المشروع ووفرت الأرضية لمشاريع اجتماعية وقومية وأيديولوجية وفكرية، زادت هذه الحكومات من حدة الأزمة ودفعت المجتمع نحو الانهيار.
لقد حاول النظام في إيران، طوال تاريخه الاستبدادي، السيطرة على المجتمع خاصة النساء، من خلال خلق أزمات متزايدة وفرض سياسات قمعية منها قضية الحجاب التي تعد من القضايا البارزة المطعون بها في تاريخ هذا النظام، وفي فترة أُجبرت النساء على التخلي عن حجابهن، وفي فترة أخرى أُجبرن على ارتدائه، لقد أصبح عدم الاستقرار في السياسات قضية فرضت تكاليف باهظة على النساء والفتيات، لدرجة أن العديد منهن خاطرن بحياتهن وتحملن التعذيب والغرامات المالية الباهظة والسجن وقيود النظام على اختيار ملابسهن.
ويعتبر قانون "الحجاب والعفة" من القوانين التي تحاربها المرأة حالياً، وهذا القانون الذي تم تطويره على عدة مراحل، تمت الموافقة عليه مؤخراً في 74 مادة و5 فصول وكان من المفترض أن يكون على أساس تجريبي لمدة ثلاث سنوات، مصحوباً بغرامات مالية باهظة وسجن وقيود مهنية واجتماعية والمنع من السفر خارج البلاد، لكن بنضال النساء وجهودهن الجماعية، تم توقف تنفيذه.
وقد كثرت المناقشات في مجلس النواب حول تطبيقه كما تعرضت المرأة لانتهاكات نفسية وجسدية، ومن بين الإجراءات المثيرة للجدل إنشاء عيادات العلاج النفسي (في الواقع، هذه العيادة هي استمرار لنفس الفرضية القائلة بأن النظام الأبوي يطلق على النساء لقب المجنونات في نهاية المطاف، ويجعلهن يستسلمن بل ويقتلهن في بعض الأحيان بحجة العلاج) بميزانية قدرها 255 مليار تومان، وهو ما يوضح السياسة القمعية والتعذيبية التي ينتهجها هذا النظام ضد المرأة، إلا أن احتجاجات النساء أجبرت السلطات الإيرانية على التراجع.
"التحالف النسائي عبر الحدود"
إن استمرار الاعتقالات وأحكام الإعدام والسجن لفترات طويلة للصحفيات والناشطات وحتى الأطفال كان جزءاً من قمع النساء بعد انتفاضة "Jin Jiyan Azadî"، ولا تزال موجة العنف التي يمارسها النظام الأبوي في إيران ضد النساء، بهدف إجبارهن على الخضوع، مستمرة، ومن بين هذه الإجراءات، صدور حكم الإعدام بحق بخشان عزيزي الصحفية والأخصائية الاجتماعية، والناشطة في مجال حقوق المرأة وريشة مرادي، الأمر الذي وجه ضربة قاصمة للمجتمع النسائي خاصة الكردية.
ورداً على هذا القمع، طالبت الناشطات داخل السجون وخارجها، من شرق كردستان إلى طهران وأفغانستان، بإلغاء حكم الإعدام والإفراج عن الناشطتين، ومن خلال تبني مواقف متشددة، أعلن أن السلام والاستقرار في الشرق الأوسط يعتمد على حريتهما، وأظهرن وحدتهن عبر الحدود، كما أظهرن موقفهن بوضوح من خلال التأكيد على أن الفكر لا يتم إعدامه أو حصره أبداً.
وفي استمرار لقمع الأفكار والآراء، تعد الطائفة البهائية أيضاً إحدى الطوائف الأخرى التي تتعرض للاضطهاد بسبب معتقداتها، فوفقاً لتقارير حقوق الإنسان، فإن غالبية السجناء البهائيين هم من النساء، حيث تم سجن 10 نساء بهائيات والحكم عليهن بالسجن لمدة 90 عاماً، إلى جانب مصادرة ممتلكاتهن وتقييدهن في المجال الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، كل ذلك ما هو إلا جزء من التعذيب المنهجي الذي تمارسه الجمهورية الإسلامية ضد هذه الطائفة.
كما أن تأسيس وتوسع الجماعات الجهادية مثل طالبان وداعش والقاعدة وهيئة تحرير الشام وجبهة النصرة، ما هو إلا جزء من التصميم الجديد للشرق الأوسط، الأمر الذي يشكل تهديداً خطيراً للمجتمع خاصة النساء والأطفال، إلا أنه في أفغانستان العام الماضي تحديداً نظمت النساء حملة واسعة النطاق ضد الممارسات المناهضة للنساء التي تمارسها طالبان، منها إغلاق المعاهد الطبية النسائية، ومنع المرأة من العمل في المؤسسات المحلية والدولية، وإغلاق مدارس الفتيات فوق الصف السادس، وإصدار قانون "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في أربعة فصول و35 مادة، الهادف إلى إقصاء المرأة عن الساحة الاجتماعية، حيث أثار هذا القانون ردود فعل قوية من المؤسسات النسوية منها حركات مثل أيام السبت الأرجوانية ونساء من أجل الحرية، وحركة الوحدة والتضامن النسائية الأفغانية، وشبكة التضامن النسائية وغيرها.
كما أدانت المؤسسات النسوية صمت منظمة الأمم المتحدة بشأن جرائم طالبان، متهمةً المنظمة بالمشاركة في السياسات المناهضة للمرأة والشعب في أفغانستان، ودعوة طالبان لحضور اجتماعات الأمم المتحدة تعكس الحقيقة الواضحة لطبيعة المنظمة الدولية المناهضة للمرأة والإنسانية.
في عام 2024، لعبت النساء في كل من إقليم كردستان إلى إيران وأفغانستان دوراً بارزاً في الإصلاح الاجتماعي والقانوني بموقفهن الفريد، فقد دفعت هؤلاء النساء ثمناً باهظاً في النضال من أجل حقوقهن وحقوق المجتمع؛ لقد فقد الكثير منهن حياته، وحوصرن وحكم عليهن بالإعدام، لكنهن لم تتخلين عن نضالهن أبداً، إن فلسفة "Jin Jiyan Azadî" التي ترددت في جميع ميادين النضال هي دعوة للوحدة العابرة للحدود الوطنية.