المرأة في الشرق الأوسط... بين مطرقة الحروب وسندان الانتهاكات

وسط زلازل الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط، تُحاصر النساء في دائرة من العنف المتواصل والانتهاكات الجسيمة وتختلط مآسي النزوح والقهر بمشهد عالمي صامت يزيد من حدة الألم وعمق المأساة.

نغم كراجة

غزة ـ تشهد منطقة الشرق الأوسط نزاعات دموية وحروباً مستمرة ألقت بظلالها الثقيلة على كافة جوانب الحياة، لكنها أصابت المرأة بشكل مضاعف، فقد باتت النساء وسط هذه الصراعات، هدفاً للعنف الجسدي والنفسي والاقتصادي، ووجدن أنفسهن في مواجهة انتهاكات صارخة تمارس عليهن بلا رادع، بينما يلتزم العالم صمتاً مخزياً.

أكدت الناشطة السياسية أريج الأشقر أن الانتهاكات المستمرة ضد النساء في الشرق الأوسط هي جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى تقويض الهوية الوطنية وضرب إرادة الصمود، مضيفةً "المرأة في الشرق الأوسط عامة والفلسطينية خاصةً، التي عانت ولا تزال تعاني ويلات التهجير القسري والانتهاكات الوحشية، لا تزال رمزاً للصمود والنضال، رغم ما تواجهه من قتل وتعذيب وسجن وإهانة، فإنها تثبت للعالم أنها قادرة على أن تكون نبراساً للحياة، تقدم دماءها دفاعاً عن وطنها وعن حقها المشروع في العودة وفقاً لقرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة".

ولفتت إلى أنه في ظل واقع مضطرب تسيطر عليه الحروب والدمار في مناطق متفرقة من الشرق الأوسط، تتزايد معاناة النساء بشكل يفوق كل الحدود "النساء هنَّ الفئة الأكثر تضرراً حيث أصبحن هدفاً مباشراً للعنف والقمع، وتحمَّلن أعباءً نفسية واجتماعية تفوق الوصف".

 

المرأة الفلسطينية تدفع الثمن باهظاً

وعن معاناة المرأة الفلسطينية، أفادت أريج الأشقر "لقد أصبحت الفلسطينيات أيقونات للصمود، يدافعن عن الأرض والكرامة رغم ما تتعرضن له من انتهاكات، من التهجير القسري إلى القتل والإهانة والتعذيب، وحتى الاعتقال والإذلال، كل ذلك لم يثنِ المرأة الفلسطينية عن مواصلة النضال، إنها تُجبر على مغادرة منزلها الذي بنته حجراً حجراً إلى مناطق يزعم الاحتلال أنها آمنة، لكنها في الحقيقة ساحات جديدة للمعاناة".

ومع استمرار القصف والحصار، وجدت النساء الفلسطينيات أنفسهن بلا مأوى، بلا أمان، ودون أدنى مقومات الاستقرار "تدفع المرأة الفلسطينية ثمناً باهظاً لتكريسها نزعة الصمود، ولإثبات أن كرامة الأرض تستحق التضحية بالدماء".

 

السودانيات في مرمى النيران

منذ اندلاع الصراع في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل 2023، كانت النساء والفتيات في قلب الكارثة الإنسانية حيث تعرّضن لأبشع أشكال العنف والانتهاكات، ولم تكن المعاناة مقتصرة على القتل والتهجير فقط، بل تعدت ذلك لتشمل الاغتصاب الجماعي الذي كان يحدث بشكل ممنهج من قبل أطراف الصراع، مما زاد من معاناة النساء الجسدية والنفسية، كما أُجبرت العديد من القاصرات على الزواج القسري تحت تهديد السلاح ما دفعهن إلى أن يُحرموا من حقوقهن الأساسية في التعليم والعمل والحرية.

وتفيد التقارير الميدانية أن بعض الفتيات أجبرن على الزواج خلال أيام من قتل ذويهن مما زاد من تفاقم وضعهن في ظل غياب الحماية الأمنية، بالإضافة إلى ذلك، تعرضت العديد من النساء للاعتداءات الجنسية في المعابر الحدودية وفي ظل النزوح الجماعي، حيث سرقت منهن الأموال والمقتنيات الشخصية وأصبحن فريسة سهلة للمجرمين.

الناشطة أريج الأشقر، التي تابعت عن كثب تداعيات الحرب على النساء في السودان أكدت أن "ما يحدث للنساء في السودان لا يمكن وصفه بالكلمات إنه جحيم على الأرض، الحرب لم تترك لهن سوى الألم والدمار، تعرضن لكل أشكال العنف بما في ذلك اغتصابهن على أيدي قوات الدعم السريع والتهجير القسري من ديارهن والكارثة الأكبر أن العديد من الفتيات أُجبرن على الزواج وبعضهن لم تتجاوزن سن الثانية عشرة، هذه الجريمة ضد الطفولة يجب أن تُفضح للعالم بأسره".

وتقول أريج الأشقر إن "العنف في السودان لم يقتصر على الجوانب الجسدية فقط، بل امتد ليشمل كافة أشكال القهر النفسي والاجتماعي، ما تعانيه السودانيات الآن يمكن وصفه بجرائم حرب حقيقية تتطلب محاكمات دولية فورية، لكن غياب الإرادة الدولية لوقف هذه الانتهاكات يدعو إلى القلق الشديد".

وسط هذا المشهد المظلم، تحاول السودانيات إيجاد سبل للبقاء على قيد الحياة، بينما تستمر الانتهاكات دون محاسبة الجناة.

 

سوريا... النزوح المستمر ومعاناة بلا نهاية

الأزمة السورية، التي استمرت ما يقارب 14 عاماً، تركت ملايين النساء في مواجهة أوضاع قاسية، مؤخراً ومع سيطرة "هيئة تحرير الشام" وهجمات مرتزقة الاحتلال التركي على مناطق في إقليم شمال وشرق سوريا، تفاقمت المأساة حيث تعرضت النساء للقتل، التهجير القسري، والاعتداءات الجسدية والنفسية، بينما أُجبر الآلاف منهن على النزوح إلى مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

وبينت أريج الأشقر أن "الأحداث الأخيرة في سوريا بعد سيطرة هيئة تحرير الشام وازدياد الهجمات التركية ليست إلا فصلاً جديداً من فصول معاناة النساء السوريات بعد أن نزحن من منازلهن وتعرضن للقتل والاغتصاب في وضح النهار من قبل المرتزقة".

وأكدت أن السجون السورية، وفي مقدمتها سجن صيدنايا الذي وصفته التقارير الحقوقية بـ"المسلخ البشري"، يمثل رمزاً للقمع والانتهاكات التي تعرض لها الشعب السوري، لا سيما النساء، خلال سنوات الحرب "كانت هذه المعتقلات شاهداً على جرائم منهجية تقترفها الأجهزة الأمنية، حيث لم يكن هناك أي احترام لحقوق الإنسان أو القوانين الدولية التي تحمي المعتقلين".

وأضافت "وفقاً لتقرير المسلخ البشري الصادر عن منظمة العفو الدولية، تعرّض المعتقلون لأبشع أشكال التعذيب، بدءاً من الضرب المبرح والصعق الكهربائي، إلى الحرمان من الطعام والمياه، الشنق الجماعي، هذه الممارسات لم تكن عشوائية، بل كانت تتم بقرارات مباشرة من السلطات وبإشراف محاكم عسكرية صورية لم تكن تمنح المعتقلين أدنى حقوق الدفاع عن أنفسهم".

وأشارت إلى أن السوريات كنّ الأكثر تضرراً داخل هذه المعتقلات، حيث تعرضن لتعذيب ممنهج شمل الاعتداء الجسدي والنفسي والتحرش الجنسي "تحدثت العديد من الناجيات عن الانتهاكات البشعة التي تعرضن لها داخل السجون".

وأوضحت أن الاعتداءات الجنسية، التي اعتُبرت سياسة ممنهجة داخل المعتقلات، كانت كوسيلة لإرهاب المجتمعات وكسر إرادة المقاومة "هذه الجرائم تعكس استراتيجية متعمدة تهدف إلى تحطيم الروح المعنوية للسوريات اللواتي لعبن دوراً محورياً في الصمود والنضال".

 

أوضاع النساء بعد سيطرة "هيئة تحرير الشام"

ومع تصاعد الأحداث في سوريا، أدت سيطرة "هيئة تحرير الشام" على أجزاء من البلاد إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، لا سيما بالنسبة للنساء.

وتحت حكم "هيئة تحرير الشام" في إدلب، أُجبرت النساء على الالتزام بقوانين صارمة تفرض قيوداً على حياتهن اليومية، بما في ذلك اللباس والتنقل والتعليم، وقالت أريج الأشقر إن "النساء في المناطق التي تسيطر عليها الهيئة تعتبرن أولى ضحايا التطرف، حيث يُمنعن من العمل أو الدراسة في كثير من الأحيان، ويُجبرن على الالتزام بأنماط حياة متشددة تخالف حرياتهن الأساسية".

وتحدثت عن تأثير هجمات الدولة التركية ومرتزقتها على النساء في إقليم شمال وشرق سوريا، مشيرةً إلى أن هذه الهجمات تسببت في نزوح عشرات الآلاف، أغلبهم من النساء والأطفال "تعيش النساء في مخيمات النزوح أوضاعاً مأساوية، يعانين من انعدام الأمان، ونقص الخدمات الأساسية، وتتعرض الكثيرات للعنف والاستغلال في ظل غياب أي حماية فعلية"، مشيرةً إلى أن هذه الهجمات شملت انتهاكات ممنهجة ضد النساء، حيث وثقت تقارير حقوقية حالات اغتصاب، واختطاف، وعنف جنسي تعرضت له النساء من قبل المرتزقة. 

وجاء استهداف ثلاث ناشطات من تجمع نساء زنوبيا في منبج بمثابة صدمة أخرى في سلسلة طويلة من الانتهاكات، وأكد بيان التجمع أن "استشهاد قمر السود وعائشة عبد القادر وإيمان ليس مجرد فقدان لشخصيات نسائية بارزة، بل هو دليل إضافي على شراسة العدوان ضد النساء في المنطقة"، مضيفاً "سنواصل المقاومة حتى تحقيق النصر، فدماء الشهيدات ستكون وقوداً لنضالنا المتواصل، ولن نسمح لهذه الجرائم بأن تمر دون محاسبة".

وفي ظل هذه الأوضاع، شددت أريج الأشقر على ضرورة أن تفرض النساء واقع جديد من تغييرات وإصلاحات مجتمعية ولابد أن يكون لهن دور ملموس وتترك بصمتهن على الواقع الذي تعشنه كما اعتاد العالم.

 

معاناة اللبنانيات في ظل أزمات متتالية

وعلى مدار عقود من الهجمات الإسرائيلية والاضطرابات السياسية، عانت النساء اللبنانيات من أهوال النزاعات، وأوضحت أريج الأشقر أن "الهجمات هي الأعنف دائماً على النساء حيث تحمل عنفاً جسدياً ونفسياً لا يتم الإفصاح عنه إعلامياً، ما يجعل معاناتهن غير مرئية، لكن رغم ذلك، تظل المرأة اللبنانية صامدة، تنتظر بزوغ أفق جديد وسط هذا الواقع الكئيب".

فالأزمات الاقتصادية والسياسية التي ضربت لبنان أضافت أعباء جديدة على النساء، حيث تفاقمت معاناتهن مع انعدام الأمن والخدمات الأساسية. 

 

أين دور المنظمات النسوية والحقوقية؟

وتتساءل أريج الأشقر عن الغياب الواضح لدور المنظمات النسوية في هذه المناطق المشتعلة بالحروب، مؤكدة أن هذا الغياب يزيد من معاناة النساء ويتركهن وحيدات في مواجهة الحرب "غياب المنظمات النسوية عن المشهد هو تخاذل صريح عن دورها الطبيعي في دعم النساء، خاصة في أوقات الأزمات، المرأة اليوم تحتاج إلى دعم نفسي واجتماعي واقتصادي يخفف من وطأة المآسي التي تعيشها".

وأشارت إلى أن هناك حاجة ماسة لتفعيل اتفاقيات دولية مثل سيداو وقرار 1325 لحماية النساء في مناطق النزاع، داعية المنظمات النسوية والحقوقية إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررات، وتنظيم ورش عمل وجلسات لتعزيز صمود النساء ومساعدتهن على تجاوز الأزمات، وتوثيق الانتهاكات التي تتعرضن لها، وإيصال أصواتهن إلى المحافل الدولية.

 

ما المطلوب في المرحلة الراهنة؟

وترى أن تسليط الضوء الإعلامي على معاناة النساء في مناطق الصراع محدود وغير كافٍ، متسائلة "لماذا يُغيَّب صوت المرأة المكلومة عن الإعلام؟ هل هو تواطؤ مقصود أم جزء من محاولات طمس الحقائق؟".

وتابعت "الهدف من تغييب هذه الانتهاكات هو تكريس ثقافة الصمت والإذعان، وكأن معاناة النساء في هذه المناطق ليست جزءاً من معاناة الإنسانية جمعاء، هذا الصمت الدولي مريب ومخزٍ، ويتطلب تحركاً عاجلاً من الشعوب والمنظمات لإنصاف الضحايا".

ودعت أريج الأشقر إلى تحرك عاجل من قبل الشعوب والمنظمات الدولية "على الشعوب أن تدرك أن معاناة النساء هي جزء لا يتجزأ من معاناتها العامة، يجب أن تكون هناك وقفة جادة لإنهاء هذا الظلم"، مؤكدة أنه " على النساء أن تواصلن النضال رغم كل الصعوبات، النساء في الشرق الأوسط أثبتن أنهن رمز للقوة والعزيمة، لكنهن تحتجن إلى دعم أكبر من المؤسسات النسوية والحقوقية".

النساء في الشرق الأوسط هنَّ ضحايا الحروب والنزاعات، لكنهن أيضاً رمز للصمود والمقاومة، من فلسطين إلى السودان، ومن سوريا إلى لبنان، تتكرر قصص الألم لكنها تُقابل بإرادة لا تنكسر، المطلوب اليوم ليس فقط التضامن، بل العمل الفوري لإعادة الاعتبار لحقوق النساء الأساسية.