في ظل الحرب الدائرة... النساء والرضع ضحايا تلوث المياه في غزة
في ظل انعدام العلاج والوقاية نتيجة الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من عام، تتفاقم معاناة السكان نتيجة انتشار الأمراض والأوبئة الناتجة عن استخدام المياه الملوثة.
رفيف اسليم
غزة ـ يعاني أكثر من نصف قطاع غزة من تلوث المياه وتفيد تقارير أممية، بأن أكثر من 97% من مياه القطاع غير صالحة للاستعمال البشري الأمر الذي فاقم انتشار الأمراض مع غياب العلاج والوقاية منها.
تعد المياه النقية الصالحة للاستخدام مشكلة قاطني قطاع غزة، ما قبل الحرب خاصةً مع إغلاق القوات الإسرائيلية المنافذ المائية والسدود التي تغذي المدينة وحرمان السكان منها، وعدم توافر محطات التحلية والتكرير، فكيف ستكون الأمور اليوم مع جملة العقوبات المفروضة، وأطنان الملوثات التي اجتاحت كل شبر بالمدينة.
أفادت الصيدلانية سهر النجار، أن مشكلة المياه الملوثة هي أحد المشكلات البارزة التي تتصدر عناوين الأخبار في قطاع غزة نظراً للأضرار الصحية التي باتت تسببها للأهالي والنازحين على حد سواء، خاصة بعد اختلاطها بمخلفات الصرف الصحي، والملوثات البيولوجية كالبكتيريا والفيروسات، وأخرى كيميائية المسببة لارتفاع أمراض السرطانات المختلفة.
وتابعت "قطاع المياه في المدينة المحاصرة ما قبل الحرب كان يعاني من عدة مشكلات لم تستطع الجهات المعنية التغلب عليها لتزيد حدتها مع اشتداد وطأة الإبادة الجماعية واختلاطها ببقايا المواد الناتجة عن الهدم المستمر للأبنية في مختلف مدن ومناطق المدينة، فالمياه بغزة وفق المقاييس والتقارير التي أصدرتها منظمات عالمية غير صالحة للاستخدام البشري".
وقد أدى استخدام تلك المياه وفقاً لقولها إلى إصابة الأهالي بالعديد من الأمراض مثل الإسهال والكوليرا، والتسمم المزمن الناتج عن تراكم الملوثات الكيميائية من المعادن الثقيلة كالزئبق والرصاص على مدار عام ونصف من الإبادة، إضافة للأمراض الجلدية التي تحتاج لفريق طبي كامل ومتخصص ليستطيع اليوم إحصاء أنواعها المنتشرة بفعل التلامس المباشر بين النازحين، ويضاف لذلك أمراض جديدة ظهرت خاصة بالجهاز التنفسي.
ولفتت سهر النجار إلى أن البيئة تأثرت أيضاً بالمياه الملوثة وقد ظهر ذلك جلياً في التنوع البيولوجي، وتسمم التربة التي أصبحت غير صالحة للزراعة، مما يكشف الستار عن مدى الصعوبات التي سيواجهها السكان والمزارعون في اليوم التالي ما بعد الحرب على غزة إثر دفن المخلفات الإبادة الجماعية على مدار المدة الماضية.
وأشارت إلى أن نسبة تلوث المياه في القطاع كبير جداً، فبحسب التقارير الأممية هناك أكثر من 97% من المياه في قطاع غزة غير صالحة للاستعمال البشري، خاصة المياه الجوفية الملوثة بمادة النتريت والتي وصلت لمستويات خطيرة، عدا عن تسرب المياه المالحة لذلك الخزان بفعل الضغط المستمر عليه خلال الفترة الحالية، وعدم وجود أي محطات تعمل على معالجة المياه في المدينة.
وعن أهم الملوثات العضوية في قطاع غزة، اعتبرت أن "القذائف والصواريخ غير المنفجرة، تلك الذخائر الغير مصرح باستخدامها دولياً هي من أهم الملوثات، فتتسرب النترات منها للمياه محدثة أمراض ومشكلات ربما لم يتم الكشف عنها خلال الحرب، لكنه سيظهر أثارها فيما بعد، إضافة للملوثات الفيزيائية ومصدرها القمامة المنتشرة، ويضاف لذلك الزيوت التي تستخدمها وسائل النقل اليوم بدلاً عن الوقود بفعل تسربها كسائل أو كدخان".
وقد تسببت الفيروسات والطفليات التي تسربت للمياه بأمراض الكوليرا، والتيفوئيد، والكبد الوبائي الذي أدى إلى موت العديد من الأشخاص بنسبة 40% بحسب بيان وزارة الصحة، بسبب عدم توافر التطعيم أو العلاج الملائم لهذا المرض، ولفتت سهر النجار إلى أن الطفليات ساعدت على انتشار الأميبا، إضافة للمشكلات الهضمية "أن سقوط أطنان الصواريخ المشتعلة بالنيران على مدار الساعة أدى إلى تلوث حراري عمد إلى تسخين المياه بالتالي طال التلوث البيئة السمكية أيضاً".
ونوهت إلى أن الرضع والنساء الحوامل هن الأكثر عرضة لتلك الأخطار، خاصة الرضع الذين يعد الحليب لهم من المياه الملوثة، فيما تعتبر العائلات النازحة بشكل خاص هم ضحايا لتلك المياه التي تعج بمختلف أنواع السموم، مؤكدةً على ضرورة إيجاد حلول وحماية تلك الفئات من الموت المحتم الذي بات يحوم حولهم في كل يوم بطرق وأشكال مختلفة.
ولا تخفي سهر النجار، أن أكثر من 60% من الأطفال يعانون من النزلات المعوية والاسهال خاصة الرضع الذين توصل إليهم المياه الملوثة عبر حليب الأم، في ظل غياب الأدوية اللازمة، مبينةً أن سوء المرافق الصحية الغير ملائمة وتلوثها وعدم وجود المشافي إثر تدميرها واقتصار الرعاية الصحية على خدمات مقننة يقدمها المركز الطبي، أدى لزيادة الوفيات من تلك الفئة إضافة إلى كبار السن ومرضى الكلى، والكبد الوبائي، والسرطان.
وحول كيفية التعامل مع التلوث في قطاع غزة، قالت إن ذاك يتم من خلال "خطوات محسوبة ومدروسة منها، معالجة المياه محلياً عبر شركات التحلية العاملة بالقطاع أشهرها كان شركة إيتا، مع التركيز على غلي المياه قبل استخدامها، لكن هنا نصطدم بالسؤال كيف في ظل عدم وجود الحطب لإشعال النيران وغياب الغاز، وتأزم الوضع المعيشي المذري والفقر المدقع الذي باتت تعاني منه غالبية عائلات قطاع غزة اليوم".
وناشدت سهر النجار عبر وكالتنا، المؤسسات الدولية لأن يكون لها الدور الهام والأكبر في تخليص السكان من تلك المعاناة وتوفير المياه الصالحة للاستعمال والشرب لهم، عبر توفير محطات متنقلة لتنقية المياه، إضافة إلى التخلص من المخلفات بشكل عام والحربية بشكل خاص بشكل آمن لا يستهدف صحة الإنسان.
وأوصت سهر النجار بإبعاد خيام النازحين عن مراكز الثقل والتلوث بالمدينة على الرغم من استحالة تلك الخطوة بفعل عدم التزام القوات الإسرائيلية بعدم قصف المناطق الإنسانية، وصغر مساحة القطاع، مضيفةً أن التوعية والدعم الطبي أمران في غاية الأهمية يمكن تحقيقهما عبر نقاط طبية صغيرة تنشأ بالقرب من الخيام.