توقف غسيل الكلى يفاقم معاناة النساء في غزة

تعاني النساء في قطاع غزة الحرمان من الرعاية الصحية، مما يزيد من معاناتهن ويواجهن مصيراً مجهولاً، خاصة المصابات بأمراض مزمنة وسط ظروف الحرب القاسية.

نغم كراجة

غزة ـ في ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة، تعاني النساء من نزوح متكرر وفقدان الأمان إلى جانب ضغوط صحية هائلة يواجهن نقصاً حاداً في الرعاية الطبية، مما يزيد من معاناتهن، خاصة اللواتي يعانين من أمراض مزمنة، في هذه الظروف القاسية تتحمل المرأة العبء الأكبر في حماية أسرهن والصمود أمام تحديات الحياة اليومية.

تحت وطأة الحرب التي لا تعرف رحمة، وجدت فوزية مقاط نفسها عالقة في دوامة من النزوح المتكرر والألم الذي لا ينتهي. نزوحها المستمر بين البيوت والملاجئ المدمرة كان بمثابة رحلة طويلة من العذاب، حيث كانت تنتقل مع أسرتها كل يومين بحثاً عن ملاذ آمن نتيجة القصف المكثف الذي طال منزلهم شمال غزة ليجدوا أنفسهم مجدداً في الشوارع المدمرة يبحثون عن أطفالهم المفقودين.

في كل محطة من محطات النزوح، كانت المأساة تتجدد عند لجوئهم إلى بيت أحد الأقارب، وصلهم إنذار بضرورة إخلاء المنزل الذي بات مهدداً أيضاً، وبصمت ممزوج باليأس، انتقلت الأسرة إلى منزل ابنتهم في منطقة الشاطئ الشمالي، لكن القصف لاحقهم هناك، والإصابات هذه المرة أكثر خطورة، وتقول فوزية مقاط إنها "تعرضت لجروح في وجهي، لكننا استمرينا في البحث عن ملجأ، حتى انتهى بنا الحال في مركز إيواء متضرر، يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة".

معاناتها لم تتوقف عند النزوح المستمر، فقد كانت تكابد مرض الذئبة الحمراء، وهو مرض مناعي ذاتي يتسبب في مهاجمة جهاز المناعة لأنسجة الجسم وأعضائه، أصابها لأول مرة في عام 2017، واستهدف بشكل خاص الكليتين، مما أدى إلى تدهور حاد في وظائفهما وصولاً إلى الفشل الكلوي إذ يستلزم غسيل الكلى وهو العلاج الوحيد الذي يبقيها على قيد الحياة، وتحتاج ثلاث جلسات غسيل أسبوعياً لتخليص جسمها من السموم المتراكمة، ولكن مع تدهور الأوضاع في غزة نتيجة الحرب، توقفت وحدات الغسيل الكلوي في المستشفيات، فباتت حياتها معلقة بين الألم المتزايد وعدم توفر العلاج اللازم؛ وفقاً لما قالته.

الأمر الأكثر رعباً هو أن هذا المرض إذا لم يتم السيطرة عليه بالعلاج المناسب، سيتفاقم ويؤدي إلى تدهور سريع في حالتها الصحية، قد تتسبب الذئبة الحمراء في تدمير أنسجة الجسم بشكل لا رجعة فيه إذا لم يتم إيقاف نشاط المرض عن طريق الأدوية المناعية الخاصة، وبينت فوزية مقاط أنه "مع انقطاع هذه الأدوية وعدم القدرة على الحصول عليها يتزايد قلقي من أن المرض سيستمر في التهام جسدي، حيث أصبت مؤخراً بالتليف الرئوي بسبب التلوث الشديد وقلة الرعاية الصحية في مراكز الايواء التي نزحنا إليها".

وأشارت إلى أنه قبل الحرب، كانت تتمكن من الوصول إلى العلاج بسهولة وبأسعار معقولة، لكنها اليوم تجد نفسها عاجزة أمام التكاليف الباهظة ونقص الأدوية الحاد، والمرض الذي انتشر في جسدها لم يترك لها سوى القليل من القوة لتستمر في الصمود، لكنها رغم ذلك ظلت تقاوم في ظل ظروف تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

فالحياة التي كانت تعيشها مع أسرتها قبل الحرب، تبدو الآن كحلم بعيد المنال، كما كان مشهد ابنتها وهي تجمع الحطب وتوقد النار للطهي، أو تقف في طوابير طويلة للحصول على مياه الشرب، كابوساً يعصف بكيانها، مضيفةً "لا نعرف كيف أصبحت حياتنا على الحطب والنيران ونعيش في مكانٍ أقل ما يقال عليه قبر محرمون من أبسط الحقوق".

في مركز الإيواء المتضرر الذي لجأت إليه، تحاول أن تتعايش مع ظروف صعبة للغاية، المياه النظيفة والكهرباء منعدمة تماماً، والطعام يقدم بشكل متقطع وغير صحي ولا يكفي للاحتياجات الأساسية، كل يوم يمر تعيش فيه على حافة اليأس، بينما تزداد معاناتها مع انقطاع الأدوية التي كانت تعتمد عليها للبقاء على قيد الحياة.

وتقاوم فوزية مقاط في ظل ظروف لا تحتمل، تمثل صورة من صور الصمود الفلسطيني، وتعتبر قصتها شهادة حية على المعاناة الإنسانية التي يتسبب بها النزاع المسلح، والتي تمس حياة آلاف النساء والأطفال الذين يجدون أنفسهم بلا مأوى ولا علاج، هذه التجربة المريرة التي تعيشها تعكس الواقع القاسي الذي تعاني منه غزة منذ بداية الحرب، حيث تتداخل المعاناة الجسدية مع النفسية في مشهد من البؤس المستمر.

وأكدت أنه برغم كل ما مرت به، لا تزال تحتفظ بـ "خيط" من التفاؤل، وتأمل في أن تنتهي الحرب وأن تستطيع العودة إلى حياتها الطبيعية لتكمل علاجها. هذا الأمل وإن بدا ضعيفاً في ظل الظروف الحالية، هو ما يدفعها إلى الاستمرار، إلى جانب حبها لأبنائها ورغبتها في أن تراهم يعيشون حياة أفضل بعيداً عن أصوات الانفجارات والدمار.

ويبقى السؤال حول كيفية ضمان حصول مثل هؤلاء المرضى على الرعاية التي يحتاجونها في أوقات النزاع، لأن تركهم يواجهون المرض وحده وسط هذه الظروف هو بمثابة حكم بالإعدام البطيء، الذي يطال كل فرد منهم يوماً بعد يوم.