تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على قضايا النساء
ظلت النساء تعانين في صمت لفترات طويلة دون أن تجدن من يستمع لهن، وسعينَّ بالعديد من الطرق للحصول على حقوقهن ولكن بلا جدوى في الكثير من القضايا، إلى أن اتجهن لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في الاستغاثة وعرض معاناتهن.
أسماء فتحي
القاهرة ـ خلال السنوات الأخيرة، أثرت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في دعم المرأة والتحرك على قضاياها من قبل الجهات المختصة، ونشر الوعي المجتمعي بحجم المعاناة الواقعة على كاهلها في مجتمع جانب منه يتعمد انتهاك مساحاتها وحدودها بل والاعتداء عليها في بعض الأحيان.
هناك مجموعة من القضايا لاقت زخماً كبيراً وفتحت نقاشات لا نهائية بين المهتمين مؤخراً، ومنها الابتزاز الإلكتروني بعد انتحار فتاة على إثره، وكذلك التحرش بعد انتشار موجة من الكلام وفضح للقائمين عليه، وغيرها من القضايا التي التف حولها الكثيرين وتضامنوا معها بل عملوا على الترويج لها ومتابعتها للنهاية.
وهذا الزخم الذي خلفته مواقع التواصل الاجتماعي بتسليطها الضوء على قضايا المرأة المختلفة خلقت أيضاً مجال جديد ومؤثر للمؤسسات النسوية والمبادرات، وتم إطلاق مجموعة من الحملات التوعوية لينتقل بذلك النضال من الشارع إلى منصات التواصل المختلفة بعد اعتمادها كأداة للتغيير الممكن.
"مواقع التواصل الاجتماعي أداة ضغط حقيقية وساحة توعوية"
أوضحت الصحفية النسوية هند حمد الله ومؤسسة مبادرة وصلة، أن لمواقع التواصل الاجتماعي دور قوي ومؤثر على قضايا النساء بما خلقته من زخم كبير حول تلك القضايا، وما نتج عنها من استجابات وطرح حلول لأزمات النساء، معتبرةً أن واحد من أهم تأثيراتها هي خلق حالة من الوعي للنساء بشكل عام بل وتمكينهن من امتلاك رؤية خاصة بأزماتهن واتخاذ موقف واضح تجاه مشاكلهن، مشيرةً إلى أن الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي من قبل المؤسسات النسوية ساهم في خلخلة الذهنية الذكورية.
وأكدت أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في التخلص من حالة الخوف التي كانت تسيطر على النساء بعدما تمت إتاحة مساحة من الاستماع لهن سواء من النيابة أو الشرطة أو المجلس القومي للمرأة، والضغط المتواصل عادةً ما يخلق استجابات، وإن لم تكن سريعة وناجزة، إلا أنها ستتطور فيما بعد مع استمرار حالة الضغط.
وقالت إن التأثير الذي خلقته مواقع التواصل الاجتماعي نتاج لتطور الحراك النسوي أيضاً من الشارع لاستخدام منصاتها المختلفة لما لها من دور في خلق حالة الوعي، والتأثير على قطاع كبير بمساحة وصول قد تكون أوسع وأكثر صدى في قضايا النساء، مشيرةً إلى أن للمبادرات والمؤسسات النسوية دور قوي في حالة الزخم الأخيرة التي حدثت بشأن أزمات النساء والتفاعل السريع مع أغلبها، وكذلك في الحملات الموجهة التي فتحت مجال أوسع للتعرف على المعاناة التي تتعرض لها المرأة بدرجات مختلفة.
وهناك دعم غير مشروط من النساء لبعضهن بخلق معرفة ضمنية بأن كل من ستلجأ إليها للاستغاثة ستجد من يدعمها بحسب ما أوضحته هند حمد الله، مؤكدةً أن الكثيرات الآن تعلمن أن عرض قضاياهن عبر مواقع التواصل سيساهم في حصولهن على حقوقهن، مضيفةً أن تلك المواقع ساهمت في تغيير مجموعة من القناعات لدى النساء، وعلى رأسها عدم الخوف من الوصم بعد رؤية حجم الدعم المقدم لغيرهن بأشكال مختلفة.
"لم تُعرف الكثير من قضايا النساء إلا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي"
ومن جانبها قالت مهندسة الديكور إيلاف حجازي، أن الكثير من أزمات النساء لم تعرف على نطاق واسع إلا بعد ظهورها على مواقع التواصل الاجتماعي فهي إلى حد كبير ساهمت في تداول تلك الأزمات، وتحريك المياه الراكدة في الفترة الأخيرة، معتبرةً أن مسألة تعنيف المرأة لم يتم تسليط الضوء عليها إلا من خلال انتشارها سواء من خلال الفيديوهات أو الكتابات، كحادثة ضرب الزوج لزوجته في الإسماعيلية الذي تكرر بشكل شبه يومي لولا تصويرها ونشرها لما اضطر الزوج للاعتذار، ولما كتب لها أن يرد لها اعتبارها.
خلق حالة من الوعي المجتمعي بالحقوق واحدة من النتائج الملهمة والمبشرة الناتجة عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وباتت وسيلة لحماية النساء وسلاح مهم يخيف المعتدين من الوصم والفضح، بحسب ما أوضحته إيلاف حجازي.
وأشارت إلى أن هناك دعم غير مشروط من النساء لبعضهن، فبمجرد كتابة استغاثة أو نشر فيديو تتحرك النساء في الدعم والمشاركة حتى يصل الأمر للجهات المعنية، وتحصل المرأة على حقها، مؤكدةً أن هناك آلام وضغوط اجتماعية مشتركة فكلاً منهن تشعرن بالأخرى، ومحاولة الدعم نابعة من الإحساس بحجم المعاناة، ورغبة داخلية في الانتصار لتلك المظلومة أو من سلب منها حقها أو تم الاعتداء عليها، وكأنه انتصار ضمني للنفس ومحاولة للتعلق بطوق النجاة للخلاص.
"سلاح ذو حدين والوعي هو الفيصل"
قالت الصحفية المتخصصة في شؤون المرأة والأسرة مادلين نادر، إن مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة أصبحت مؤخراً أشبه بالملاذ الآمن للفتيات والنساء تلجأن إليها لطرح مشكلاتهن ومعاناتهن، وكذلك الانتهاكات التي يتعرضن لها، مضيفةً أن الكثيرات تلجأن لها طلباً للتضامن معهن في قضايا متنوعة، أو للاستغاثة وطلب الحماية، ولقد استحوذ هذا الأمر على العديد من مواقع التواصل الاجتماعي حيث تقدمت الفتيات والنساء ببلاغات إلى النائب العام من خلالها وتمت الاستجابة بالفعل، وبدأت النيابة العامة في إجراء التحقيقات، ومحاسبة من قاموا بالجرائم وتسبب لهن في الأذى.
واعتبرت أن مواقع التواصل الاجتماعي استطاعت الوصول إلى قطاع كبير من المجتمع أكثر من وسائل الإعلام التقليدية من صحف ومجلات ومواقع إلكترونية وقنوات تليفزيونية وإذاعية، لما لها من انتشار السريع ولأنها تقدم القضايا بوسائل مبسطة ومختصرة يسهل متابعتها من مختلف الأعمار والفئات.
وأكدت مادلين نادر، أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين فهي ملاذاً آمناً للنساء في كثير من الأحيان، ولكنها قد تستخدم أيضاً في تعرضهن للتحرش أو الابتزاز الإلكتروني، والوعي هو الفيصل في الأمر، لما يقع عليه من دور قوي في تمكين النساء من معرفة كيفية التعامل مع تلك المواقع بشكل عام، وعند التعرض للتحرش أو الابتزاز الإلكتروني بشكل خاص، والأدوات التي تساعد على التخلص منه، والمسار القانوني الذي يحميهن من المجرمين.
وفي ختام حديثها نوهت مادلين نادر أن التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن يكون بحذر شديد، ومعرفة بوسائل الحماية والأمان والجهات التي يجب اللجوء إليها في حال التعرض لأي جريمة أو ابتزاز إلكتروني.