تالا ونارين... طفلتان سلبهما الاحتلال التركي حق العيش مع أبويهما
تسبب الاحتلال التركي بأن تعيش الطفلتين نارين وتالا دون عائلة، وما تزال إحداهما في المشفى تُعالج من الإصابات البليغة في جسدها وروحها.

نورشان عبدي
كوباني ـ خذل العالم أطفال إقليم شمال وشرق سوريا كما خذل أطفال غزة، من خلال صمتهم عما يعيشونه من جروح وآلام وفقدان، منهم من فقد قدمه أو ساقه أو يعيش إعاقة ما، منهم من فقد والدته أو والده أو أسرته كاملة.
"يتيم" كلمة قاسية لا يشعر بقسوتها إلا من عاشها، تترك آثارها حتى نهاية حياة الإنسان تتسبب بمشاكل نفسية للطفل فما بالك إن فقد هذين الوالدين حياتهما بطريقة مؤلمة، وبقيت الطفلتان وحيدتان تتساءلان عن ذنبهما لتحرما من نعمة العائلة.
نارين الطفلة الناجية من المجزرة
أطفال مدينة كوباني بإقليم شمال وشرق سوريا يدفعون ثمن إجرام الاحتلال التركي كل يوم، وتتحول حياتهم التي يرسمونها بالألوان إلى الأسود، فالطفلة نارين عبدو البالغة من العمر 9 أعوام ناجية من المجزرة التي ارتكبها الاحتلال التركي بحق أسرتها في 17 آذار/مارس عندما استهدف منزلهم بقرية برخ باتان بطائرة مسيرة.
نارين الطفلة التي تعرضت مع عائلتها لهجوم وحشي ما تزال في إحدى مشافي مدينة كوباني لكونها تعاني من وضع صحي ونفسي سيء، وجروحها لم تشفى وكسورها المتعددة في الساقين واليد اليسرى والرضوض في اليد اليمنى والصدر والأضلاع تحتاج لأشهر للشفاء، فبعد العملية الجراحية التي تم إجراؤها لها استقر وضعها نسبياً.
بعد ارتكاب المجزرة المروعة من قبل الاحتلال التركي مباشرة فقدت الناجية نارين أفراد عائلتها آهين ودجلة ودلوفان ، وياسر وصالحة وفواز وآفسيتا والوالدين عثمان بركل عبدو وغزالة أوصمان عبدو، لينجوا من العائلة فقط الشقيقتين نارين ورونيدا اللتين أصيبتا بجروح بليغة، ولأن جروحها أكبر من أن تتحملها شابة بعمرها لحقت رونيدا بعائلتها بعد يوم من المجزرة.
طفلة بعمرها جسدها يعاني ما يعاني من آلام ربما لن تحتمل حقيقة أنها لن ترى أي شخص من عائلتها بعد اليوم، لذلك لم يتم إخبارها عما حدث لأسرتها، وعلى ذلك تنتظر منذ يوم المجزرة وعيناها ملآى بالدموع والديها وأشقائها.
تقول الطفلة الناجية من مجزرة 17 آذار/مارس المرتكبة من قبل الاحتلال التركي نارين عبدو "لدي كسور ورضوض كثيرة في جسدي، ويدي وقدمي تؤلماني لكن الأطباء في المستشفى يحاولون مساعدتي، وهذا يطمئنني، وأنتظر شفائي بفراغ الصبر العودة إلى حياتي كما كانت، أنا في الصف الثاني ومدرستنا بعيدة عن المنزل لذلك نذهب أنا وأخوتي معاً ونمشي مسافات طويلة حتى نصل، ومع ذلك تفوقت في دراستي".
وتحن إلى تلك الأيام وكل أمانيها أن تخرج من المستشفى "اريد أن أشفى بسرعة لكي أعود لحياتي ومنزلي فالربيع سينتهي أريد اللعب وجمع الأزهار، والعيش مع عائلتي والذهاب إلى المدرسة". وعما تريد فعله عندما تكبر قالت أن المعاملة الجيدة للكادر الطبي لها دفعتها للتفكير بأن تصبح طبيبة عندما تكبر "أتمنى عندما أكبر أن أصبح طبيبة لكي أساعد الناس وأن أعمل على معالجتهم كما يفعل معي الأطباء في المستشفى".
تالا الرضيعة التي فقدت والديها
تالا علي مصطفى رضيعة لم تكمل عامها الأول، فقدت والديها نتيجة لوحشية وقصف الاحتلال التركي على الأهالي في سد تشرين، وتعيش أصعب لحظات حياتها والتي كانت من المفترض بأن تكن بأحضان والدتها.
بدأت الهجمات التركية على محيط سد تشرين وجسر قراقوزاق من الثامن من كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، وللمشاركة في حماية المياه والكهرباء ومكتسبات الثورة توجه أدهم و زوجته هيزا إلى سد المقاومة سد تشرين، وخلال استهداف الاحتلال التركي للأهالي للمناوبين على السد فقد والدا تالا حياتهما.
أدهم علي مصطفى من مواليد 1987 من قرية حلنج التابعة لمدينة كوباني بمقاطعة الفرات، درس مرحلتي الابتدائية والإعدادية في مدينة كوباني ومن ثم سافر بعدها إلى الجزائر لإكمال تعليمه، وتخرج من كلية الهندسة المعمارية، أما والدتها هيزا محمد مصطفى هي من مواليد 2002 من قرية حلنج والفتاة الوحيدة لعائلتها.
خام علي ابنة عم الوالدين أدهم وهيزا قالت أن تالا هي الطفلة الوحيدة لوالديها "عينا تالا الصغيرتان ممتلئتين بالدموع والحزن وهي تبحث في وجوه الجميع عن والديها، فما هو ذنب هذه الرضيعة لكي تعيش كل هذا الألم والأسى. تالا لا تعرف أنها لن ترى والديها أبداً لكن بكائها المتواصل يعبر عن احتياجها لهما".
وأضافت أن الطفلة تعيش في منزل والديها تحت رعاية عمتها "عندما استشهد والدي تالا كان عمرها سبع أشهر لم تستوعب ما حدث لهما، حضرت مراسيم تشيعهما وهي تبتسم لكن بعد أشهر من فقدانها لهما تستطيع الآن المشي ونطق بعض الكلمات، دون أن تتكلم تشعر أنها تبحث بعينيها الصغيران عن والدتها. عندما تكبر وتسأل عن عائلتها ووالديها ماذا سنقول لها، هل سنقول بأن براءتها كانت تشكل خطر على سياسية الاحتلال التركي لذلك قتل والديها لتعيش وحيدة".
والجدير بالذكر بأن الطفلتين تالا علي مصطفى ونارين عبدو ليستا الوحيدتين في إقليم شمال وشرق سوريا اللتين فقدتا عائلتيهما جراء الهجمات والانتهاكات التركية على منطقة، بل هنالك المئات من الأطفال الذين يعانون الكثير من المأساة بسبب الوحشية التركية.