ست سنوات من النزوح والمعاناة... الأرض تبقى الحلم

معاناة المزارعة وضحة شيخ محمد التي نزحت مع أسرتها من تل تمر بعد أن سلب الاحتلال التركي أراضيهم لتعيش حياة المهجّرين وسط ظروف قاسية، تسلط الضوء على واحدة من آلاف القصص للمهجرين في سوريا.

سوركل شيخو

تل تمر ـ تشكّل الأرض جوهر القضية، وقضية آلاف المهجّرين الذين سلب الاحتلال التركي أراضيهم، فهي لم تمت وما زالت حيّة في وجدانهم. فالاحتلال لم يقتصر على المدن، بل امتد ليشمل أراضي الفلاحين والسكان الأصليين الذين ارتبطت حياتهم بالزراعة، ففقدوا مصدر رزقهم ومعنى وجودهم.

الابتعاد عن الأرض ليس بالأمر السهل، إذ يترك آثاراً عميقة وطويلة الأمد على حياة الناس، خاصة على العائلات التي تعيش وسط هذه المعاناة. إن مطلب العودة الآمنة إلى أرض حرّة هو صرخة آلاف المهجّرين الذين يواصلون يومياً حياتهم في ظل الحرمان والرفض، ليؤكدوا أن الأرض تبقى رمزاً للحرية والكرامة.

في تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 اضطرت المزارعة وضحة شيخ محمد مع أسرتها إلى النزوح من قرية شيخ علي التابعة لتل تمر، بعد أن استولى الاحتلال التركي على 200 دونم من أراضيهم بما فيها الآبار الزراعية ومستلزمات الإنتاج.

قبل ستة أعوام، تلقّت وضحة شيخ محمد إنذاراً يفيد بأن الاحتلال التركي ومرتزقته يهاجمون القرى ويقتربون منها. على الفور حملت ابنها الرضيع البالغ من العمر ستة أشهر، واصطحبت باقي أطفالها، واستقلت إحدى سيارات نقل المياه وغادروا القرية هرباً من الخطر. ومنذ ذلك النزوح، تعيش مع عائلتها حياة المهجّرين، لتبقى ذكرى الخروج القسري شاهداً على معاناة مستمرة منذ ست سنوات.

بعد نزوحها، استقرت في أرض قاحلة قرب قرية تل شنان الآشورية، وبدأت حياة جديدة رغم قسوة الظروف. ورغم غياب البنية التحتية الأساسية، بذلت جهداً كبيراً لتأمين مأوى لعائلتها، فشيّدت غرفتين من الطين لتحتمي بها مع أسرتها. أصبح منزلها البسيط، بما يحتويه من أدوات الزراعة ووسائل المعيشة، شاهداً على واقع الهجمات التي تعرض لها، ورمزاً لصمودٍ يواجه التحديات ويعيد بناء الحياة من جديد.

وبسبب بُعد المنطقة عن المدينة وصعوبة تأمين الطعام يومياً، أنشأت حديقة صغيرة للخضروات الموسمية في فناء المنزل، كما ربّت الدجاج والأغنام لتأمين قوت عائلتها. بهذه الوسائل حاولت أن تعيد خلق أجواء الحياة الريفية، لكنها ترى أن فقدان الأرض أمر لا يمكن تعويضه، وهو ما يدفعها دوماً إلى التمسك بأمل العودة إليها.

بالإضافة لكون وضحة شيخ محمد نازحة، أصيبت قبل عامين نتيجة الهجمات العشوائية التي يشنها الاحتلال التركي على المنطقة، وترى أن الأرض هي أساس الحياة ومعناها، وتولي اهتماماً كبيراً بمحاصيلها "من دون الأرض تصبح أوضاعنا مأساوية، فهي تمنحنا الحياة ونستمر بفضلها. إن احتلال الأرض يغيّر مسار حياة الإنسان، واليوم نحن بلا شيء".

بعد أن استولى الاحتلال التركي على أرضها، قدّمت اللجنة الاقتصادية في "مؤتمر ستار" بعد أربع سنوات فرصة جديدة لعائلتها للعودة إلى الزراعة. وعبّرت عن امتنانها لهذه المبادرة بالقول "العودة إلى الزراعة تمنحنا شعوراً رائعاً، خاصة عندما نزرع هذه الأرض. لا شيء أثمن من هذه المحاصيل".

لا يقتصر تأثير الحرب على حياة وضحة شيخ محمد، بل إن الجفاف أيضاً ترك بصماته الثقيلة على حقلها وأرضها. واصفةً معاناتها بالقول "الجفاف يضعف إنتاج الأرض، ونحن ننتظر المطر هذا العام لنرى إن كان سيكفي ويمنح أراضينا الحياة من جديد. الاحتلال التركي استولى على أراضينا وتسبب في جفاف نهري زركان والخابور، فلم يعد لدينا ماء عذب نشربه ولا مياه نروي بها حقولنا. هذه الممارسات تمثل انتهاكاً صريحاً للقوانين والاتفاقيات الدولية، وتُعد جرائم حرب تستوجب المحاسبة".

وفي ختام حديثها، عبّرت عن حبّها العميق وارتباطها بالأرض قائلةً "الأرض بالنسبة لنا هي الوطن الذي نعيش في كنفه، وهي ذاكرة حيّة ستبقى للأجيال القادمة. أراضينا المغتصبة هي إرث أجدادنا وآبائنا، عمرها مئات السنين"، مضيفةً "أملنا هو العودة الآمنة إلى أرض بلا احتلال. العودة إلى أرضنا وزراعتها وحصاد محاصيلها هو حلمنا الحي. الزراعة هي حياتي".