راضية الوحيشي: المرأة حلقة أساسية في التنمية المستدامة

الناشطة بالمجتمع المدني وأخصائية الاتصال البيئي راضية الوحيشي، تعتبر أن مثلث البيئة يتكون من المدرسة والطفل والأم مع التأكيد على دعم المرأة لأنها حلقة أساسية للتنمية المستدامة.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ تعد قضية البيئة مهملة في بلدان الشرق الأوسط، وفي تونس تراجع الاهتمام بها نتيجة التغيرات السياسية التي تعيشها البلاد منذ عقد ونصف من الزمن، من أجل بيئة أفضل يقتصر العمل على بعض الأنشطة التي تقوم بها جمعيات مستقلة أو منظمات المجتمع المدني.

قالت رئيسة جمعية شبكة أطفال الأرض راضية الوحيشي أن "الطفل هو المستقبل ومقاربة التنمية المستدامة ببعدها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تهدف إلى خدمة الأجيال القادمة وبناءً عليه خرجت الجمعية من رحم المدرسة.

وأفادت أنه كجمعية "لسنا ترفيهية بل تنموية تبني المستقبل لذلك وجدنا الكثير من الدعم والتعاون من عدة منظمات وعملنا في مدارس عديدة واهتممنا كثيراً بشأن التغيرات المناخية لأنه موضوع مهم جداً يمس كل المجالات البيئية والاقتصادية والدبلوماسية، وسعداء لبعض المبادرات المحلية التي نعتبرها ربما ليست بحلول وإنما مبادرات قادرة على تطوير المنطقة حسب خصوصيتها، كما قمنا بالعديد من الأنشطة في المدارس وناضلنا كثيراً لأجل تحيين الكتب المدرسية حتى يفهمها الطفل".

 

"المرأة لها دور هام في حماية البيئة"

وذكرت أن الجمعية تعمل بالتعاون مع مخبر لاباس حول كيفية توظيف التكنولوجيا الحديثة في المجال البيئي  وحالياً لديها شبكة تتكون من تسعة مشاريع مهمة جداً كلها في التجديد "إيماناً من الجمعية بأن العمل على البيئة هو مسار يحتاج إلى ثلاثة أعمدة أساسية ألا وهي  المدرسة والطفل والأم تم تشريك الأم سواء كانت ربة منزل أو عاملة".

وأوضحت أن المرأة لها دور هام  في الانتقال الإيكولوجي وفي المحافظة على الموارد المائية وفي كيفية التربية السليمة ونقل المعلومة وتبسيطها وبالتالي المشاريع المنجزة تكون مرتبطة بالطفل لكن في مساره المتكامل "في جميع مشاريعنا دائماً ندعم المرأة لأنها متجذرة في مختلف نواحي الحياة وتقوم بالعديد من المسؤوليات، وعندما يتم دعم قدراتها تبقى في موطنها وتحافظ على الأرض فدعم قدراتها يكمل دعم منظومة التنمية بأكملها". 

 

"المرأة الريفية ونضالها الدؤوب"

وذكرت أن المرأة لديها الأرض في المناطق الريفية وتقوم بالاستفادة منها في إطار الفلاحة العائلية "عملنا على دعم قدرات المرأة الريفية من خلال دعم منتوجها، وتوعيتها بضرورة توفير الأغذية البيولوجية الطبيعية لتغذية أطفالها حفاظاً على صحتهم". 

ووصفت المرأة الريفية بـ "المناضلة" مؤكدةً أن هذا "ما لمسناه من خلال الزيارات وأحياناً أعود إلى المنزل باكية ولكن أقول في النهاية بأن الريفيات صامدات وقادرات على تقديم درس في المناعة فالمرأة في الريف التي تقطع عدة كيلومترات مشياً على الأقدام لجلب الماء على ظهرها، وتجمع الحطب أيضاً، وتعود به إلى المنزل على الظهر ومسؤولة عن المنزل وتربية الأطفال أجدها في كل الزيارات الميدانية مبتسمة صابرة بينما أعتبر أن مشاكلي تافهة جداً أمام تعبها".

وقالت "لامست كل هذا أيضا في برنامج عمل مع روابي الأمل يتمثل في بناء مطعم مدرسي وجدنا إقبالاً كبيراً من الأمهات على مشاركة أطفالهن في زراعة الخضر بالمدرسة وتشجيعهن ودعمهن، فالأم هي التي تحافظ على الأرض والفلاحة العائلية وهي التي تربي الأجيال على حب الأرض والمحافظة على البيئة".

 

مشاريع اقتصادية للنساء

وقدمت كمثال نساء محافظة جندوبة اللاتي يحافظن على الفلاحة العائلية وكذلك نساء منطقة ريفية بالمغرب قامت بمساعدتهن على الاستثمار فيما تصنعنه من أشياء تابعة لخصوصيات المنطقة وعبرن عن رغبتهن في البقاء بمنطقتهن وتطوير المنتوج فيه.

وأوضحت أن استعداد النساء للمساعدة "دفعنا إلى تكوين مجمع نسائي يتكون من الأمهات وذلك بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي وتلقيهن تدريب في العديد من المجالات على غرار تقطير النباتات، وتمكنت الجمعية من إيجاد أرض زراعية لإحدى النساء في المنطقة، وتم اقناعها بضرورة الاستفادة منها من قبل نساء المجمع ثم تتولى الجمعية بيع المنتوج للمدارس بهدف تغذية الأطفال ليكتمل المثلث البيئي المتكون من المدرسة والطفل والأم".

ولفتت راضية الوحيشي إلى منطقة غزالة بولاية بنزرت حيث قام التلاميذ بزراعة الخضر من فول وجلبان ببذور محلية، واشترت الجمعية المحصول ومنحت مقابل ذلك مواد تنظيف للمدرسة فكانت فرحة التلاميذ كبيرة لأنهم شعروا أنهم أنجزوا شيئاً لمدرستهم التي يحبونها، مشيرةً إلى وجود مساحات كبيرة في العديد من المدارس ويمكن الاستفادة منها في زراعة الخضر وشتل أشجار الزيتون، وتنشئة التلاميذ على عقلية الزراعة وحب العمل والارتباط بمسقط الرأس لا سيما وأن هناك تلاميذ يعيشون ظروفاً صعبة ويتنقلون لمسافة طويلة ويعترضهم الخنزير يومياً لكنهم يصرون على التعلم والتقدم.

 

الظاهرات التي تجلب مشاكل بيئية

وبخصوص الوضع البيئي في تونس قالت "هو وضع قائم على تراكمات وأهمها عقلية إلقاء النفايات في الشوارع وحتى داخل المنزل متمثلة بإلقاء الرجال لنفايات السجائر على الأرض"، مبينةً أنه "في المجال البيئي كانت تونس سباقة في الإجراءات لكن بعد تغير الأوضاع السياسية تغيرت كذلك التقربات من قضية البيئة ففقدنا العديد من الحيوانات واحترقت الغابات دون تجديد وتلوثت المياه وتحولت العديد من المناطق إلى مصب نفايات".

وأشارت إلى أن المدرسة أصبحت مكبلة بالدروس الخصوصية، والتلاميذ لا يجدون وقتاً للقيام بأنشطة، والبرامج التربوية ظلت على حالها منذ التسعينات والاستثمارات الموجودة لم يتم تثمينها بمعنى أن الاهتمام بالبيئة لم يعد موجوداً رغم أنه لا يتطلب من وجهة نظرها أن يكون تحت اهتمام وزارة بل يجب أن يتم تخصيص إدارة تهتم بها في كل وزارة.

وترى أن وزير التربية والتعليم قبل أن يفكر في بناء مدرسة يجب أن يفكر في الجوانب البيئية للمنطقة هل هي  قريبة من الوادي؟ أم هل يمكن أن تحدث انزلاقات أرضية؟ أو كيف يمكن الاستفادة من الأسطح للطاقة الشمسية وبناء المواجل التي كانت موجودة في كل المنازل سابقاً لتجميع مياه الأمطار، متسائلةً "لماذا لا تقوم مثلاً شركة فسفاط قفصة التي تساهم في تلويث البيئة بتركيز الطاقة الشمسية على الأقل بالمدارس".

 

"الحفاظ على البيئة يتم من خلال الوعي"

واعتبرت أن الوضع البيئي في تونس يحتاج إلى استثمار بيئي عقلاني "لدينا في تونس موروثاً طبيعياً كبيراً وجب الاستفادة منه على غرار الماجل والحديقة العائلية. كل المسائل البيئية مرتبطة بالاتصال البيئي لذلك يجب يومياً نشر إخلال بيئي في كل الجهات حتى يعرف المسؤول أن هناك رقيب وأيضاً يمكنه أن يتدخل لإيجاد حلول".

وتعتبر أن المدرسة أساسية في الاتصال البيئي لأنه يمكن تربية الناشئة على العمل التطوعي لكن مع وضع تحفيز أما بإضافة بعض العلامات، أو منح شهادة للمتطوع المجتهد كما يمكن تحفيز المواطن أيضاً الذي يحترم البيئة بالتخفيض في فاتورته "عوض وضع قوانين لا تطبق يجب أن نحرص على تطبيق سياسة التحفيز وسوف نرى مدى التقدم في المسألة".

وأثنت رئيسة جمعية شبكة أطفال الأرض راضية الوحيشي في ختام حديثها على دور المجتمع المدني في هذا المجال أنه يلعب دوراً هاماً ويقوم بمجهود كبير ولكن في تونس السلطة لا تنظر لهذا المجهود والسياسة الموجودة ليست تشجيعية بل محبطة.