مغربيات القرى… معاناة وعزلة وإقصاء من برامج التنمية

شددت الناشطة الحقوقية زهرة إد علي على ضرورة تسريع وتيرة إعادة الإعمار في المناطق المنكوبة في المغرب، مبينةً أن الأعمال لا تزال بطيئة مما يفاقم أوضاع النساء والأطفال.

رجاء خيرات

المغرب ـ تعيش نساء القرى والمناطق الجبلية بإقليم الحوز المتاخم لمدينة مراكش "عاصمة السياحة بالمغرب" ظروفاً صعبة بسبب التهميش والعزلة، التي تزداد حدتها مع حلول فصل الشتاء وهطول الثلوج.

يزخر إقليم الحوز بمناظر طبيعية ومنتجعات سياحية متنوعة بين الجبل والنهر مما يجعله وجهة سياحية في المغرب، لكن بعد الزلزال الذي ضرب عدة مناطق في المغرب عام 2023 أصبح إقليم الحوز في المرتبة الأولى من حيث الدمار وعدد الضحايا حيث بلغ مجموع الوفيات 1684، ولا تزال آثار الزلزال ماثلة للعيان والعديد من الأهالي عالقين في الخيام دون التمكن من العودة لمنازلهم المنهارة، في ظل عملية الإعمار البطيئة.

قالت الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية "أفولكي" للنساء زهرة إد علي إن النساء في العالم القروي والجبلي تحديداً لازلنّ تعانينّ من صعوبة الولوج للخدمات الأساسية، رغم الجهود التي تبذل في هذا الجانب.

وأكدت أن النساء القرويات اللواتي تقطن في الجبال لازلن محرومات من هذه الخدمات، كالصحة والتعليم والعمل، كما تفاقمت أوضاعهن بعد الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز وخلف خسائر ومآسي إنسانية لا تزال آثاره إلى غاية اليوم "الأوضاع الصعبة التي تعيشها النساء بالعالم القروي والجبلي تؤثر سلباً على جودة الحياة بمناطق عديدة، حيث النساء محرومات من أبسط شروط العيش، وهذه الظروف لم تسلم منها حتى الفتيات اللواتي تحرمن من التعليم، بسبب الانقطاع عن الدراسة".

وأشارت إلى أن الدستور المغربي ينص على التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء، كما ينص على إدماجهن في البرامج والسياسات العمومية، من أجل تحقيق التنمية المستدامة، إلا أن تحقيق هذا المطلب لازال بعيد المنال.

وأوضحت أن النساء القرويات تساهمن بشكل كبير في الإنتاج، كما تتعدد الوظائف التي تقمن بها من عمل في الحقول وتربية الماشية وأعمال المنزل وتربية الأطفال، لكن جهودهن يقابلها جحود في مجتمع منغلق لا يعترف بعمل النساء، فضلاً عن إقصائهن من برامج التنمية التي تضع من بين شروط تمويل المشاريع الصغرى المدرة للدخل، أن تكون المرأة المستفيدة لا تتعدى 34 عاماً.

وأوضحت أنه على الرغم من مرور عام وبضعة أشهر على وقوع الزلزال الذي ضرب الإقليم، لاتزال النساء تقطن في الخيام برفقة أطفالهن في ظروف صعبة، لا سيما أمام موجة البرد وتساقط الثلوج على هذه المناطق "إنهن حقاً مرابطات في الجبال تقاومنّ قساوة الظروف وتحاولن أن تتأقلمن مع الأوضاع التي فرضت عليهن، وكلهن أمل في تحسين شروط عيشهن".

 

ضرورة إشراك النساء في البرامج

ودعت زهرة إد علي إلى تسريع وتيرة إعادة الإعمار في المناطق المنكوبة، لافتة إلى أن الأعمال لازالت بطيئة ومتعثرة مما يفاقم من أوضاع النساء والأطفال، مؤكدة على ضرورة تعميم الاستفادة من مشروع الإعمار بعيداً عن سياسة التمييز بحق العديد من أسر إقليم الحوز، الذين يتطلعون للولوج إلى مساكن آمنة تحميهم من البرد والثلوج.

ولفتت إلى أن المبالغ التي تم تخصيصها لفائدة الأسر بالقرى المتضررة لا تكفي لبناء بيوت آمنة، كما أن النساء لازلن تعانين من اضطرابات نفسية تحتاج لوقت طويل، وقد زادت من حدتها العزلة التي فرضت عليهن.

كما دعت إلى ضرورة وضع استراتيجيات وبرامج تشاركية مندمجة واعتماد مقاربة شمولية من أجل إيجاد حلول لإخراج النساء القرويات من عزلتهن وتمكينهن اقتصادياً، بدلاً من انتظار المساعدات الخارجية التي لا تغير من أوضاعهن شيئاً.

وشددت على أهمية الحرص على احترام الموروث الثقافي للمناطق الجبلية أثناء تشييد البيوت، مؤكدة أنه لحد الآن لا شيء يوحي بالحفاظ على هذا الموروث الذي تحافظ عليه النساء وتمرره للأجيال، باعتباره الهوية الثقافية التي تميز المنطقة عن باقي مناطق المغرب، خاصة مع إشراك النساء في وضع المخططات والبرامج، خاصة وأنهن الأكثر تشبثاً واستحضاراً للتقاليد العمرانية لمناطقهن.

وعن المشاكل والتحديات، قالت إن "هناك مشاكل متفاوتة تختلف بين نساء العالم شبه حضري ونساء العالم القروي والعالم الجبلي، صحيح أن الحكومة بذلت جهود كبيرة من أجل التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء وإدماجهن في محيطهن، لكن إجراءات هذه البرامج وتفعيلها تطرح الكثير من الأسئلة التي تخص كيفية مواكبة هؤلاء النساء المستفيدات منها، حيث يبقى الهدف الأساسي منها، هو الرفع من مؤشر التنمية ومحاربة الفقر والهشاشة"، داعية إلى تتبع النساء اللواتي استفدن من تلك البرامج وتسليط الضوء على نقاط التحول في حياتهنّ من أجل إلهام نساء أخريات لتحقيق مشاريعهنّ الخاصة.

وبينت أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب شرحاً دقيقاً لواقع المرأة القروية والجبلية على الخصوص، لكون النساء اللواتي تنتمين إلى عمق الجبل تعانين بشكل مضاعف من مشاكل العزلة والتهميش، كما تفتقرن للإنخراط في التنمية المحلية، لصعوبة الولوج للخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، بسبب ضعف البنية التحتية كانعدام الطرق ووسائل الاتصال والنقل.

 

 

تفاقم أوضاع النساء بعد الزلزال

من قلب جبال الأطلس الكبير وبقرية تاسفت التابعة لجماعة ثلاث نيعقوب بإقليم الحوز التي تبعد عن مراكش بمائة كيلومتر تقريباً، تعيش النساء والأسر ظروفاً صعبة، قالت فاطمة سعيد إحدى قاطنات القرية إن "الأوضاع التي نعيشها هنا قاسية جداً، خاصة بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة ودمر البنية التحتية بالكامل، حيث دُمِرت دار الأمومة التي كانت تستقبل النساء الحوامل ولم تكن تبعد عن القرية إلا بحوالي ثمانية كيلومترات، لكن بعد تدميرها أصبحن مطالبات بقطع مسافة تصل إلى مائة كيلومتر تقريباً للوصول إلى المستشفى في مراكش أو تحناوت".

وتابعت "نقضي شتاءاً قاسياً هذا العام بسبب برودة الطقس، وهو الوضع الذي لم يختلف عن الصيف الماضي، حيث كانت لسعات العقارب تهدد حياة أطفالنا، وكلما تعرض طفل للسعة عقرب، كان أبناء القرية يسابقون الزمن من أجل الوصول إلى المستشفى بالمدينة لخضوع الطفل للمصل المضاد للسم".

وأكدت أنها برفقة نساء أخريات استطعن أن تأسسن جمعيتهن الخاصة من أجل تمكين النساء من مشاريع مدرة للدخل "كان حلمنا أن نفك العزلة عن نساء القرية، لم نكن نرغب في وصول المساعدات الإنسانية، كنا نطمح فقط لأن نحظى بالتفاتة إنسانية تعترف بوجودنا كأناس نعيش في عزلة في هذه الرقعة من الأرض".

ولفتت إلى أن الزلزال ورغم المآسي التي خلفها لدى الأسر، إلا أنه عرف بالمنطقة وجعل قرية تاسفت ثلاث نيعقوب مرجعاً للعديد من الزوار الذين جاؤوا لتقديم الدعم والمساندة، خاصة جمعية أفولكي للنساء التي واكبت نساء المنطقة، سواء أثناء تأسيس جمعية خاصة بالنساء، أو بعد الزلزال من أجل إنجاز مجموعة من المشاريع التضامنية كإنشاء الحمامات وإعادة الإعمار من خلال إنشاء مساكن نموذجية بديل عن الخيام.  

 

 

تسرب مدرسي وزواج مبكر

وبدورها ذكرت نعيمة أيت أمغار أن الفتيات بقريتها يغادرن المدرسة في سن مبكر بسبب بعد المدارس عن القرية، كما أن الفقر يحول دون التحاقهن بالمدينة من أجل إكمال مشوارهن الدراسي في المراحل الجامعية وحتى الثانوية "رغم توفر القرية على مؤهلات طبيعية و مناظر خلابة، إلا أن سكان القرية يعانون من الهشاشة والفقر، بسبب إمكانياتهم المحدودة، حيث الرجال يضطرون للعيش في المدينة بحثاً عن فرص عمل، بينما النساء يقبعن هنا رفقة أطفالهن، يعملن في الحقول  في انتظار ما يرسله الأزواج".

وأوضحت "أن المنطقة تزخر بالعديد من المناظر وتغزوها أشجار اللوز، كما أنها معروفة بواحدة من أقدم الزوايا في المغرب وهي زاوية تاسفت التي يعود تاريخ تأسيها إلى نهاية القرن التاسع عشر، إلا أن سكانها لازالوا يعانون من العزلة التامة، التي تزداد مع حلول فصل الشتاء، كما أن الطريق إلى أقرب جماعة وهي ثلاث نيعقوب ، وعرة لأنها غير معبدة، وتخضع لإصلاحات بسبب انزلاق الصخور وانجراف التربة بعد الزلزال، مما يجعل الوصول إليها أمراً شاقاً ومحفوفاً بالمخاطر".