مدارس تعليم الكبار... النساء تعيد بناء أمل الحياة واستعادة حقوقهن
تعتبر مدارس تعليم الكبار بمثابة فرصة حيوية لنساء حُرمن من حقهن في التعليم في مراحل مبكرة من حياتهن.

منى توكا
ليبيا ـ التعليم هو حق أساسي من حقوق الإنسان، وهو عامل رئيسي في تمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين، لكن في العديد من المجتمعات، ما زالت النساء تواجهن تحديات كبيرة للوصول إلى هذا الحق.
في مدينة سبها جنوب ليبيا، تعتبر مدارس تعليم الكبار بمثابة فرصة حيوية لنساء حُرمن من حقهن في التعليم في مراحل مبكرة من حياتهن، فمن خلال هذه المدارس، يمكن للنساء استعادة مكانتهن في المجتمع وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية.
"فرصة جديدة للنساء المظلومات"
وعن الدور الهام الذي تلعبه مدارس تعليم الكبار في تمكين النساء في سبها قالت مديرة مدرسة فزان لتعليم الكبار مبروكة محمد حمزة "بدأت مسيرتنا مع مدارس تعليم الكبار عام 2010 بعد إصدار القرار الذي يتيح للطالبات المتأخرات في الدراسة الانتقال إلى مدارس تعليم الكبار. كانت هذه الخطوة بمثابة فتح باب الأمل للعديد من النساء اللواتي تأخرن في دراستهن لعدة سنوات بسبب الظروف الاجتماعية، والاقتصادية، والصحية، واليوم لدينا أكثر من 130 طالبة في مدرستنا، تتراوح أعمارهن من 10 سنوات إلى 65 عاماً، وهن من جميع مناطق مدينة سبها".
وبينت أنه "كان هناك تحدي كبير يتمثل في نظرة المجتمع تجاه تعليم المرأة، خاصة في المناطق الريفية، ولكننا استطعنا تغيير هذه النظرة، وأصبحنا نشهد اليوم إقبالاً كبيراً على تعليم الكبار من النساء اللاتي يرغبن في الحصول على فرص تعليمية"، مضيفةً "المدارس التي كنا نعتبرها في الماضي مجرد فرصة لمن فاتهم قطار التعليم، أصبحت اليوم مركزاً هاماً للتعليم والتمكين، ورغم الصعوبات الكبيرة التي نواجهها، نحن ملتزمات بتوفير بيئة تعليمية تدعم النساء وتعطيهن الأمل في تحسين حياتهن".
وأكدت أن التعليم وسيلة لتمكين النساء "نؤمن أن التعليم ليس مجرد حق، بل هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن للنساء من خلالها استعادة مكانتهن، وقد حققنا تقدماً ملحوظاً بفضل الدعم المستمر من المراقبة التعليمية في سبها، الذين وعدونا بافتتاح المزيد من المدارس في المستقبل، ولدينا الآن أربع مدارس لتعليم الكبار، ونأمل زيادة هذا العدد لمواكبة الطلب المتزايد".
"التمكين النفسي والاجتماعي جزء من عملية التعليم"
من جهتها لفتت المرشدة النفسية في المدرسة سعاد صالح الكشكري إلى أهمية الدعم النفسي والاجتماعي الذي تقدمه المدرسة للطالبات "العديد من الطالبات في مدارس تعليم الكبار تواجهن تحديات كبيرة تتجاوز الجانب التعليمي، فالكثير منهن يعانين من ظروف اجتماعية صعبة كفقدان الأزواج أو وجود مشاكل عائلية تؤثر على حياتهن النفسية، ولذلك نعمل على توفير الدعم النفسي والاجتماعي لهن. الدعم الذي نقدمه يساعدهن على التكيف مع الحياة المدرسية وعلى تجاوز التحديات الشخصية".
وأضافت "كمرشدين نفسيين واجتماعيين لا يقتصر عملنا فقط على تقديم الدعم الأكاديمي، بل نحرص على أن نكون جزءاً من عملية بناء الشخصية للطالبات، لأننا نعلم أن التعليم لا يعني فقط اكتساب المعرفة، بل يشمل أيضاً بناء ثقة الطالبات في أنفسهن وتمكينهن نفسياً لمواجهة الحياة".
"التعليم هو الأمل ووسيلة لتغيير حياتي"
خديجة خير الله التي تبلغ من العمر 65 عاماً، هي واحدة من الأمثلة البارزة على قوة الإرادة والتصميم، فهي واحدة من النساء اللواتي قررن العودة لمقاعد الدراسة بعد سنوات من الغياب.
وعن قصة حرمانها من حقها في التعليم قالت "قررت العودة إلى المدرسة بعد أن فاتني الكثير من سنوات تعليمي بسبب التزاماتي العائلية. كنت أكبر البنات، ومضطرة للاهتمام بأموري العائلية قبل التعليم، وعندما أصبحت في سن متأخرة، شعرت أن الوقت قد فات، لكنني قررت ألا أستسلم، واليوم، أنا في الصف الخامس، وأطمح للحصول على الشهادة الإعدادية. هذا هو حلمي، وأنا مصممة على تحقيقه".
وأوضحت أنه "في البداية، كانت هناك العديد من الصعوبات، لكنني صممت على النجاح. العلم هو الطريق الوحيد الذي يمكنني من خلاله تغيير حياتي وحياة أولادي. اليوم، أنا أدرس في مدرسة فزان لتعليم الكبار، ورغم سني المتقدم، لا أسمح للعمر أن يكون عائقاً".
ودعت النساء للتعلم والتغلب على الظروف "أدعو كل امرأة إلى استكمال تعليمها، لأن العلم هو أساس تمكيننا. لا ينبغي أن يكون العمر أو الظروف الاجتماعية عائقاً أمامنا. أولادي يدعمونني في هذا المسار، وأنا على يقين بأن التعليم هو المفتاح لتحقيق أحلامي".
"التعليم حق لا يمكن التخلي عنه"
عائشة عبد السلام، البالغة من العمر 18 عاماً، أكدت عزمها وإصرارها على استكمال تعليمها رغم الصعوبات التي واجهتها أثناء النزوح بسبب الثورة "تأخرت عن الدراسة بسبب نزوحنا إلى تشاد حيث لم تكن هناك مدارس. فقدت ست سنوات من تعليمي، ولكنني قررت أن أعود وأواصل دراستي حتى الحصول على الشهادة الجامعية. اليوم، أنا في الصف الثامن، وأطمح لأن أتمكن من استكمال تعليمي حتى النهاية".
وأضافت "ممتنة جداً للمعلمين والمعلمات الذين دعموني في هذا الطريق. نحن بحاجة إلى المزيد من الدعم من الحكومة ومن المجتمع لفتح مدارس ثابتة تتيح لنا التعلم بشكل أفضل. وإني واثقة من أن التعليم هو السلاح الأقوى في يد أي امرأة لتحقيق النجاح في الحياة".
"التعليم هو القوة التي تبني مستقبل المرأة"
تظل مدارس تعليم الكبار في سبها مثالاً حياً على الدور الحاسم الذي يلعبه التعليم في تمكين النساء وتحقيق المساواة الاجتماعية، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تواجهها الطالبات، فإنهن يواصلن تحدي الصعاب لتحقيق حلمهن في الحصول على التعليم.
التعليم في هذه المدارس ليس مجرد أكاديمياً، بل هو أداة لتمكين النساء من استعادة حقوقهن وتوسيع آفاقهن، وفي الوقت الذي تبذل فيه هذه النساء جهوداً كبيرة لتحصيل العلم، من واجب المجتمع والحكومة توفير الدعم اللازم لهن لتمكينهن من الوصول إلى حقوقهن التعليمية في بيئة آمنة وداعمة.